النفط في العراق

النفط نِعْمَة من النِّعَم التي أغدقها الله عز وجل على الإنسان وخاصةً في العراق، وهذه النِّعْمَة من وجهة نظري أصبحت مبغوضة، ولا أدري هل هي نعمة أم نقمة على العراق والعراقيين جميعاً؟ لقد أصبح النفط نعمة مبغوضة، هذا البلد الملئ بالنفط شعبه يتضور جوعاً، لا بل يستجدي الحَسَنات في الوقت الذي ثرواته يستطيع أن يعيش بها أكثر من نصف سكان العالم، هذا الشعب ينطبق عليه قول الشاعر ” كالإبل في الصحراء يقتلها الضما,,,,,, والماء فوق ظهورها محمول” نحن بالعكس لا نحمل على ظهورنا لا بل ندوسه بأقدامنا، نحن أغنى دولة وأفقر شعب، فما زال شعبنا يتحين الفرص لأن يسرق ويشحذ ويستجدي ويستعطي ويبتز ويزهق أنفساً بريئة من أجل حنفة مالٍ زائلٍ، والأمثلة كثيرة على ذلك، فعندما سقط العراق عام 2003 وأحتله الأمريكان تعرض كل شئ للنهب والسلب ، القصور الرئاسية، الدوائر الحكومية، المصارف، حتى المستشفيات وأسرّة المرضى لم تسلم من ذلك، ناهيك عن الأسواق والمحلات والدور، واليوم عند تفجير دور العبادة في نينوى وغيرها ترى الجميع متهيئين للسرقة والسلب والنهب تحت أية ذريعة وأية حجة، كما نرى ونشاهد على القنوات التلفزيونية كيف يعرض مقدمي بعض البرامج العوائل العراقية وهي تبحث في المزابل عن لقمة القوت، أو أنها تعيش في المقابر وغير ذلك من عرض الحالات المزرية التي يندى لها جبين الإنسانية ولكن لا تقوى على أن تهز طرف شارب واحد من رجال الحكومة ليقف الموقف البطولي والمشرّف الذي تتطلبه الحالة، لا بل هو يسرق وينهب لأنه ليس الراعي الصالح والخراف ليست خرافه، لقد جاء ليسلب وبنهب ويسرق ويذهب.

ها هو نفطنا يسير بإتجاه أمريكا وإسرائيل، تلك الدولتان اللتان أحتقرتا العراق وشعبه، لقد أحتلت الأرض والشعب، مزّقت نسيج الآرض العراقية بين أنظمة فدرالية، ومزقت نسيج الشعب العراقي تحت أغطية الطائفية والمذهبية المقيتة، أمتصوا دماءنا ليعتاش عليها إبنهم غير الشرعي ( إسرائيل ) بمساعدة بعض الأعراب وخيانة البعض الآخر.

النفط نعمة خطرة جداً ، ولا يعرف خطورتها إلا مَن عمل فيها، وفي حقولها، فهذا الأسْوَد اللعين نرى بداياته في خزانات الطين، يخرج بخطوط سوداء كاللحيّة الرقطاء، وتدق صافرات الإنذار، أحترسوا تحذروا فقد وصلنا الأعماق، وهجمنا على التنين في عقر داره، فها هو يتفجر كالبركان ليلقي بحممه خارج أسوار الدار، هجوم التنين الأسود يكون على شكلين فأما غاز لا لون ولا طعم له ولكنه سمٌّ قتال وهذا حال أمريكا، أو سائل أسود كثيف ، ها هي النِّعمة قد أخرجناها من مكمنها، حاملة معها كل أساليب القتل والدمار، وكما هي للخير والإعمار،أقل تأثيراتها هي الموت الزؤام، فكم من رجال قتلت بدون سلاح، هذه النعمة هي نار ونور، نار لمن أعتدى ونور لمن أهتدى.

النفط يكون هادئاً وديعاً عندما يسير في الأعماق وبين الصخور، والجميع قد أمن شرّه، وما أن يخرج حتى يخافه الأمير والغني والفقير، ولا تقوى أعتى الأسلحة أن تقف في طريق شروره، ولا تحد من تأثيراته على الإنسان والأشجار، ولخطأ ما يثور كالبركان، ويزأر زئير الأسود في الغاب، ويُسمع صوت زأيره  على بعد آلاف الأمتار كما حصل في السبعينيات عندما أحترقت الآبار في موقع جمبور / كركوك وغيرها من مناطق الإستثمار .

هذه النعمة المكروهة هي التي جلبت علينا العار ولبلدنا الدمار ولشعبنا كامل الإنهيار، وهي التي مزّقتنا وأجبرتنا على ترك الديار، فهجّرتنا وسلبت حقوقنا وعزتنا وكرامتنا وأحرقتنا كما تحترق الأخشاب في النار، فأصبحنا عبيداً بدلاً من أن نكون أسيادا، وأصبحنا وقوداً لغيرنا بدلاً من أن نعيش بدفئ نعمتنا التي وهبها الله لنا، نحن نتجمد برداً وغيرنا بنار نعمتنا يتدفأ، وعلى حرارتها يغفو بإطمئنان، نارنا تحرقنا بينما تدفأ بها النجسين والأغراب وكل عار، النفط نعمة ليست لنا، فكما قالت هند الصغرى : ــ

ما طلعت الشمس بين الخورنق والسدير إلا على ما كان تحت حُكمنا، فما أمسى المساء حتى صرنا خولاً ( عببيداً ) لغيرنا . هذا هو حالنا نحن العراقيين منذ أقدم الأزمنة ولحد الآن، كنا أسياد أرض أصبحنا عبيداً لها وفيها، الضعيف فينا يتعاون مع الأجنبي ليتسيد علينا ثم نلتفت لنقول لغيرنا بأنه أستعمرنا، أليس من حق أمريكا أن تستهين بنا وتضحك على ذقوننا ولِحانا وشواربنا ونحن على هذه الحال نقتتل فيما بيننا، أليس من حق أمريكا أن تنهب ثرواتنا وتسرق نفطنا وتًرضعنا ماء المستنقعات من أجل أن تغض النظر عن سرقتنا لأهلنا وخيانتنا لوطننا ؟ نحن نضحك لها بملئ أشداقنا لنضع ما سرقناه من بلدنا ووطننا في مصارفهم دون علم أهلنا وشعبنا ؟ ومن ثم نخرج على الملآ لنقول لهم لقد تحررنا !!! يا غرابة !!! كم نحن وقحين .ألسنا متسلطين ديكتاتوريين ونحن ننادي بالديمقراطية ؟ ألسنا نحن الذين رفعنا شعار ” أخذناها وبعد ما ننطيها ؟ ” ألسنا عشاق كراسي وأموال ؟ ألسنا متعطشين ليس للمال فقط بل ولشرب دماء إخوتنا أيضاً؟ ( سواء كانوا إخوة لنا في الوطن أو الدين أو القومية أو المذهب )  مَن الذي يسرق النفط يومياً ؟ من الذي سرق المصارف وغيرها ؟ السنا نحن ؟ ألسنا نحن الذين قتلنا القتيل ومشينا بجنازته ؟ أي يوم أسودٍ ينتظرنا ؟  كُنا أحراراً فأصبحنا عبيداً ، وكنا أسياداً فأصبحنا خَدَمَاً ، كُنا أصحاب أرضٍ فأصبحنا نتسكع في بلدان الهجرة ونقرع أبواب السفارات نقضي السنين في مراكز اللجوء ونبتدع الأكاذيب عسى ولعل يحن قلب أحدهم ليتكرم علينا بإقامةٍ ولو وقتية في بلدانهم ؟ أو لكي تتنعم علينا دولة ما لتعطينا فُتاة خبزةٍ من الخيرات الكثيرة التي غنموها ويغنمونها كل يوم من خيرات بلادنا، هُم يتكلمون عن اليوم ويخططون لغدٍ أفضل ونحن نعيش على أمجاد أجدادنا ونستذكر أعمالهم قبل عدة مئات من السنين، هم يعيشون للمستقبل، ونحن نعيش الماضي بكل مآسيه وسيئاته، هم ينهبون النفط ونحن نبكي على سقتهم لنا. هذه هي مخلفات النفط تلك النعمة اللعينة، وذلك الحلال المبغوض . ما أحلاك يا عراق، وما أغناك يا عراق، وما أجملك يا عراق، فهل بقى العراق على تلك الصورة التي في ذهني ؟

تحضرني عدة أبيات لشاعر عراقي عن العراق يقول : ــ

سألتْني عنِ العراقِ فقالَتْ ,,,,,,,,,,, أتراهُ كما وَصَفْتَ جَميلا

قلتُ يا ليلى لا تُثيري شجوني ,,,,,,,,,,,,,,,, فحديثي عَنِ العِراقِ طويلا

تلكَ أرضٌ سماؤها مثل عينيكِ ,,,,,,,,,,,,,  صفاءً وماؤها سلسبيلا

الجِنانُ المُعلقاتُ وعدنٌ في ,,,,,,,,,,,,,,,  رُباها وفي رُباها النخيلا

فآعذريني إنْ لَمْ تَرُق ليَ أرضٌ ,,,,,,,,   غيرَ أرضي أو عَزَّ عندي البديلا

أتيحت لي فرصة الإشتغال في إحدى المؤسسات النفطية قبل التأميم وبعده والتي تربع على عرشها مسؤولون كبار في الدولة العراقية وجميعهم أحترق في أتون هذه النعمة .فهي التي أثارت الضغينة بين الإخوة ( يتعين العربي في المنشآت النفطية بينما هي محسورة على المكونات الأخرى أو قليلة جداً )

سؤال يتبادر إلى الذهن، هل ما زال البعض من العراقيين ينظرون إلى أمريكا نظرة المحرر والمنقذ ؟ أم إنها بلد مستعمر ومحتل كما أعلنت هي نفسها ؟ وهل ما زال البعض ينظر إلى عام 2003 على أنه عام السقوط والإحتلال أم كما تغنى الشاعر الكويتي  صباح الساير حينما قال ” في التاسع من نيسان  أتحرر الإنسان والنخلة والعصفور والشط والبستان ) إذن ماذا كان بريمر وجَي گارنر ؟ هل كانا من أب وأم عراقية ؟ على حد علم ذلك الشاعر المسكين الذي ملأ قلبه حقداً على العراق ؟ محظوظة أمريكا جداً لأنها لا تًتعب نفسها لكي تدافع عن نفسِها بل تطوع الآخرون ليدافعوا عنها مجاناً، وكما قال المثل العراقي ” مَن كان له هكذا أقرباء فلن يحتاج إلى الأعدء ” وبهذه الحالة وكهذه الحالة فقد صدق مَن قال ” بأن الآقارب عقارب ” فها هي الأقارب تلدغنا في كل محاولة لإخراج أبناء شعبنا من المآزق .

نلتقيكم في الحلقة الثانية

نزار ملاخا

27/7/2014

 

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *