المهاجرون وبلدان المهجر

” خاهه عما كلذايا “

لم أكن أتطرق إلى هذا الموضوع لكي لا يقال بأنني أشجع ابناء شعبنا ووطننا على الهجرة، أو لكي لا يُفهم من موضوعي بأنني أفضّل بلدان المهجر على وطني الحبيب العراق، لا وحق مَن هو حق، ولكن دعوة غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكلدان المسيحيين الكاثوليك في العراق والعالم للمهاجرين يقول لهم أرجعوا لأن بلدكم بحاجة لكم وهو ينتظركم لكي تساهمون في إعادة بنائه ونبني معاً ما تهدم، هي التي جعلتني أكتب هذا الموضوع .

نعم إنها دعوة صحيحة وصادقة ، نعم فمن حق غبطته أن يدعو ومن حق غبطته أن يلم شتات أبناء شعبه، وهي صعوبة ما بعدها صعوبة، أن يرى أبناء شعبه مشتتين في بلدان اللجوء، ولكن الغريب في هذه الدعوة كانت قاسية جداً ومؤلمة جداً، وهذه القسوة التي جاءت في رسالة غبطته، طعنت بنا وبشخصية كل لاجئ في بلدان اللجوء، لقد كانت إهانة كبيرة أكبر مما هي دعوة للعودة إلى البلد، شعرتُ فيها ما يسئ إليَّ بإعتباري لاجئ، وهنا لا بد أن أوضّح لغبطته وللحكومات العراقية لربما من زمن تأسيس العراق ولحد اليوم هل تساءلوا هذا السؤال : ـــ لماذا يطلب العراقي اللجوء ؟ لا أدري هل قام أحداً من جميع المسؤولين سياسيين أم دينيين أم إجتماعيين بدراسة حالة أو ظاهرة اللجوء إلى الدول الأخرى ؟ ما هي أسباب اللجوء ؟ وهل حاول الأساتذة وضع حلولاً على الأقل على الورق للحد من هذه الظاهرة ؟ على مَن تقع مسؤولية الهجرة ؟ على المواطن أي المهاجر أم على الدولة ؟ وما هو الفرق بين الهجرة داخل الوطن والهجرة خارج الوطن ؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابات ومن ثم حلول وبعدها يمكن لأي مسؤول كان أن يطالب المهاجرين بالعودة إلى الوطن.

حالي كحال بقية اللاجئين العراقيين ، تركت العراق لأسباب تتعلق بالدولة واسباب خاصة إجتماعية، أثرت سلباً على حياة عائلتي ومستقبل أولادي وعرّضتنا جميعاً للقتل، ولولا هذه الأسباب لما تركنا دارنا ووظيفتنا و نحن كنا في موقع وظيفي مرموق، وكان أحد أولادي في المرحلة الأولى من الدراسة الجامعية والثاني على أبواب الدخول إلى الجامعة، لقد كانت لي داراً مُلك وما زالت داري ولكنها مُغتصبة بالرغم من كل المحاولات المبذولة لإعادتها إبتداءاً من السفير العراقي في السويد ووصولاً إلى السيد رئيس الجمهورية الأستاذ جلال الطلباني ومنذ عام 2005 ولحد الآن لم يحدث شيئاً يُذكر، لا بل أن المحامي قال من أجل أن تستعيد بيتك يجب عليك الإنتظار لربما أكثر من خمسة سنوات وذلك لكثرة الشكاوى التي يجب أن تنظر فيها المحاكم، ، ونقول هاهي الدار في كركوك تسمع أصوات جميع المسؤولين في العراق ، والمغتصب يسكنها وصاحب الحق يطالب ولكن ما من مجيب.

المرارة التي تجرعناها أنا وعائلتي لم تكن بسيطة وكذلك هي حال الكثيرين من الذين طلبوا اللجوء ، فالوصول إلى دول اللجوء والحصول على أذن الإقامة ليس بالأمر السهل أو الهيّن، توجهنا من العراق إلى الأردن والخروج من العراق عام 2000 ليس بالأمر السهل مطلقاً وخاصة بمثل حالتي، المهم العيش في الأردن صعب، والأصعب منه البحث عن شخص نزيه يستطيع أن يجد لك طريقاً للوصول إلى دول اللجوء بطريقة غير قانونية، ( قچغچي ) وحيث ينشط المحتالون وهم كثر وقد أحتالوا على العديد من الأبرياء ، لقد أجتزنا عدة دول ودخلنا سجون لحين وصولنا إلى دولة اللجوء التي نحن فيها الآن، وبعد أشهر عديدة وصلت زوجتي وطفلينا وبقي أولادي الكبار في الأردن أحدهم كان في السابعة عشر من العمر والآخر في الحادية والعشرين، حين وصولي إلى اي بلد وأذهب فوراً إلى اقرب مركز شرطة أو يُلقى القبض علينا ولما لم يكن لدينا جواز سفر رسمي يأخذنا الشرطي إلى قسم الشرطة حيث يتم تدوين المعلومات ومن ثم نُرسل إلى مركز اللجوء الذي يتوفر فيه المنام والطعام والعناية الطبية وغيرها من مستلزمات الحياة الإنسانية، التي يفتقدها المواطن في بلده الأم،

مَن يراجع طبيباً أو مستشفى عام يرى بأم عينيه كيف تكون وما هو شكل ملائكة الرحمة الحقيقيين، يشعر بأن له قيمة حقيقية، يشعر بأنه إنسان ، الطبيب بنفسه يأتي إلى غرفة الإنتظار لينادي على المريض ( بالمناسبة لا توجد وظيفة فرّاش أو مراسل أو تابع ) وتعلو وجهه إبتسامة عريضة يقدم لك نفسه ويمد يده مصافحاً ، ثم يصحبك إلى غرفة المعاينة والفحص، ويهئ لك كرسياً ويجلس بعد أن يجلس المريض ليسأله عمّا يشتكي منه أو يؤلمه، في حالة عدم تمكن المريض من اللغة، فالمستشفى تهئ له مترجماً بلغته بينه وبين الطبيب ، وإن تطلب الأمرنقل المريض بحالة خطرة فهناك سيارة أجرة للمرضى على حساب المستشفى تنقله إلى المستشفى، ويترجل السائق من السيارة ليوصل المريض إلى الطابق المطلوب ويسلّمه إلى قسم الإستعلامات ثم يعود إلى سيارته بعد أن يطمئن على المريض بأنه وصل إلى المكان المطلوب، أما عن المدارس فحدّث ولا حرج، النقل من وإلى المدرسة مجاناً، الصفوف مكيفة ، المناهج الدراسية مبسطة، الوسائل التوضيحية كثيرة المعلمات والمعلمين يبذلون قصارى جهودهم مع أن الإبتسامة لا تفارق محياهم، يتكلمون برقة ولطف وأدب، فلا تسمع صراخ معلم أو تهديد معلمة أو دخول المدير والعصا الغليظة ترافقه ولا تقرأ شعارات مثل ( العصا لمن عصى ) وغيرها ، لا بل كلها رقة وحنان وعطف ومودة، لذلك يرغب التلاميذ المدرسة ولا يريدون مفارقتها . سفرات مدرسية مجانية، حفلات طعام مجانية، عوائل تتبرع لتعليمنا اللغة ومساعدتنا في تسيير أمور حياتنا وإدارة شؤوننا، دائرة بلدية وهي هنا بمثابة حكومة محلية وليس خدمات بلدية كما عندنا،تقدم لنا جميع أنواع الخدمات يؤكدون علينا مراراً الحفاظ على تقاليدنا وعاداتنا والتكلم في البيت بلغة الأم، يساعدوننا في إقامة نشاطاتنا ومعارضنا ومهرجاناتنا، يوفرون لنا القاعات اللازمة لذلك والمزودة بالمطابخ والمكيفة ويهيئون المسارح لإقامة نشاطاتنا الفنية بلغتنا الأم كما أنهم لا يتوانون عن مشاركتنا في حضورهم لفعالياتنا ، أما الشرطة هنا فالضابط هو موظف وواجبه حقيقةً خدمة الشعب، ولا يمكن لرتبة مهما كانت عالية ورفيعة أن تتجاوز على مواطن، لا بل من حق المواطن تقديم الشكوى على كائن من كان ، فلا خوف من الشرطي أو الوزير، السلطة التي تخدمك وترسل لك الرسائل تذيّل رسائلها بملاحظة مفادها أنه في حالة عدم رضاك على الإجراء المتخذ، يمكنك تقديم الشكوى علينا ومن خلالنا حيث نساعدك في تقديم شكواك للمراجع العليا . مضى على وجودي في هذا البلد ثلاث عشرة سنة ولم أشاهد يوماً أن شرطي أستوقفني ليسألني عن هويتي الشخصية، ثلاث عشرة سنة ولم اشاهد سيطرة عسكرية تسأل عن الهويات الشخصية،

أعزائي لا أريد الإطالة ولكن أقول ، نعم يبقى هذا البلد هو بلد اللجوء بالنسبة لي وابقى أنا أرنو إلى العودة إلى بلدي ، لان بلادي وكما يقول الشاعر

بلادي وإن جارت، عليّ عزيزة,,,, أهلي وإن شحّوا ,, عليَّ كِرامُ

 

نزار ملاخا

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *