المسيحية المعاصرة في الأردن وفلسطين .. كتاب جديد للأب د. حنا سعيد كلداني

 

عمان- ماجد جبارة – يشكل كتاب المسيحية المعاصرة في الأردن وفلسطين، بطبعتيه العربية والانجليزية لمؤلفه الأب الدكتور حنا سعيد كلداني، كنزا ثمينا لما يحتويه هذا الكتاب من جهد كبير  في توثيق تاريخ بلادنا.
يستعرض الأب كلداني ,وهو أحد كهنة البطريركية اللاتينية في الاردن، وحاليا كاهن رعية اللاتين في مرج الحمام،  في إحدى فصول الكتاب جذور الكنائس المسيحية والتي تعود إلى العصر ألرسولي في القرون الأولى، حيث نمت الكنيسة وتطورت بُنية الكنائس في القرن التاسع عشر في ظروف عثمانية مؤاتية، وفي ظلّ علائق دولية بين القوى العظمى والسلطنة لم تكن متوفرة في القرون السابقة. وكان لتطور بنية الكنائس أبعاد محلية ودولية، لا بد من استيعابها لإدراك واقع المسيحية اليوم، فعلى الصعيد المحلي، صدر أول قانون للبطريركية الرومية ونشأت القضية الأرثوذكسية وأعيد تأسيس البطريركية اللاتينية، وأقيمت الأسقفية الانكليكانية حيث تدور معظم هذه الأحداث في فلسطين والأردن وتروي تاريخ البطريركيات والبطاركة .
ويحمل الكتاب عنوانا فرعيا هو: تطور البنية  الكنسية ونمو المؤسسات المسيحية في الاردن وفلسطين، وبطريركية القدس في القرن التاسع عشر، في ضوء الفرمانات العثمانية والعلاقات الدولية للسلطنة العثمانية. ويفرز الكتاب في صفحاته فصولا خاصة عن البطريركية اللاتينية واعادة تأسيسها عام 1847، بقرار من البابا بيوس التاسع، ويتتبع الكاتب تأسيس الرعايا والمدارس في الاردن وفلسطين والتي ما زالت الى اليوم مفتوحة الابواب لجميع السكان، دون تمييز بعرق أو بدين، وتقدم شهادة جلية في العمل المخلص والدؤوب لخدمة الكنيسة والمجتمعات العربية.
كما يتحدث الكتاب عن الحياة العامة والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلائق المسيحية الإسلامية وتاريخ العشائر ، وصلات شعوب البلاد المجاورة بالأردن وفلسطين والحج الى ألاماكن المقدسة التي تعد في صلب كيان بلادنا التي انعم عليها بالرسالات السماوية التوحيدية فطهرها واصطفاها على  الأرضيين .
وبين الأب كلداني الذي يجيد اربع لغات هي الإنجليزية والفرنسية والإيطالية بالإضافة إلى اللغة العربية، انه وضمن مفهوم نظامي الملّة والامتيازات العثمانيين. ولم يكن هذان النظامان من اختراع الكنائس المحلية، بل من صميم طريقة الحكم العثماني المفروض على المسيحيين وغيرهم. مما أوجب تدخل القوى العظمى آنذاك في شؤون الكنائس لا بدعوة منها، بل بدافع من طبيعة نظامي الملل والامتيازات العثمانيين. ففي ظل دولة (الرجل المريض) حيث لم يتم الفصل بين الدين والدولة، تصارعت على حلبتها الواسعة المتداعية والمتعددة الأعراق والأديان، القوى الدينية والسياسية والقومية والطائفية من داخلها وخارجها.
ويضيف الدكتور كلداني الحاصل على شهادة الدكتوراة في التاريخ من جامعة القديس يوسف (اليسوعية) في لبنان أن الثورة العربية الكبرى بقيادة الهاشميون اوجدت ما يسمى اليوم بفكرة المواطنة، حيث أعادوا وجه الإسلام المشرق من جذوره من خلال الثورة العربية الكبرى التي تعتبر من المعالم العظمى لتطور الأمة الذي أسفر عن تكوين الدولة الأردنية الحديثة، مبينا ان ثورة العرب الهاشمية الكبرى لم تكن بعداً سياسياً تحريرياً فحسب، بل بعداً اجتماعياً وفكرياً. فألغت فكرة الملّة والامتياز والنظرة العثمانية لحكم الشعوب، وأعادت إلى البلاد والعباد ما اخْتُزِنَ في ذاكرة قادتها العلماء الشهداء من أصالة العروبة وسماحة الإسلام. فها هي المسيحية في قلب العالم الإسلامي على رحب وسعة في الهاشمية الملكية الدستورية، كما كانت يوماً ما في ظل الخلافة الراشدية والأموية والعباسية، ترفد وتستقي من كنز الحضارة العربية الإسلامية التي تعدّ بعداً ومساحة إيمان ووجود للمسيحي العربي، الذي لا يمكن انتزاعه من وعن هذه الحضارة، وقد تم بينهما استيعاب وتكامل متبادل.
ويضيف عضو الهيئة الإسلامية المسيحية في الأردن ان كنائس بلادنا تعيش حالياً على هامش الوحدة الكنسية المسكونية، وتتجاهل حقيقة وأمنية تسعى كل كنائس العالم إلى الوصول إليها، فعليها أن تنفتح على بعضها. وهل تخشى فقدان الجمود والقوقعة والانعزال من أجل خير مؤمنيها؟ فلا يقتصر وجودها وتتقلص غاياتها على حماية حقوقها الموروثة في الأماكن المقدسة، وحراسة كنائس خاوية من المصلين ، مشيرا إلى أن العروبة تجمع هذه الكنائس في خلفية واحدة مشتركة، إذْ إنّ مؤمنيها من العرب، وإن كانت بعض رئاساتها أجنبية، فعليها أن تصبو وتعمل على تعريب أجهزتها ورئاستها وأنظمتها، وتبرز الصفة المحلية لوجودها وغاياتها، دون إلغاء سمتها العالمية لاحتضانها الأماكن المقدسة قِبْلة المسيحيين، وكونها أم الكنائس قاطبة.
وأضاف الأب كلداني الحاصل على فارس الاستحقاق في الجمهورية الفرنسية انه يُنتَظر من الكنائس على الصعيد الفكري أن تقوم بدور ثقافي رائد، فتبرز إلى النور كنوز مكتباتها من وثائق ومخطوطات وكتب، خاصة مخطوطات الأدب المسيحي العربي، فترفد بذلك المكتبة العربية بفرائد هذا الأدب وتخدم تاريخ الشرق وتُسهم في رسم معالمه الصحيحة.
وبين ان الأماكن المقدسة اليهودية والمسيحية والإسلامية التي أعطت بلادنا طابعاً مميزاً خاصاً وتاريخاً فريداً ذا صبغة عالمية، ليست مجرد مجموعة من الكتل الحجرية والمباني القديمة يتبرك بها الحُجّاج ويزورها السُيّاح بقدر ما هي روحانية ورسالة إلهية تروي قصة لقاء الله سبحانه وتعالى مع الإنسان. وهذا اللقاء لا يمكن حصره بالنسبة للمسيحي في الحدث المسيحي الأول بما نشأ حوله من تاريخ، بل هو مسيرة روحية إنسانية قديمة ومعاصرة ذات بُعدٍ إسكاتولوجي، تبدأ بخلق الإنسان مروراً بحياته الإيمانية حتى يوم الدين. والكنيسة التي ترتفع إلى العُلى تبقى متجذرة في الأرض التي انحدر منها ابناؤها، وتسجل وإياهم مواقف أصيلة على الصعيد القومي والنضالي. هذا من ناحية، أمّا من ناحية أخرى فكنيسة الأراضي المقدسة بصورها وأشكالها المتعددة هي في خدمة أبعاد عملاقه تتجاوز مفهوم الإنسان المادي الضيق للتاريخ والحقوق والامتيازات والأصالة وملكية الأرض والسيادة عليها. وهذه الرؤية ليست مسيحية بحتة، بل هي أرضية مشتركة للمؤمنين بالله الواحد الأحد مسلمين ويهوداً ومسيحيين، وها هم يتساءلون عن مصير الأرض المقدسة ويحاولون رسم مستقبلها وتحديد هويتها ومعالمها وأصحابها. وكأنّي اسمع التاريخ يصرخ عالياً قائلاً: «الأرض ليست لكم بل هي لله وأنتم لها لا هي لكم».

http://www.alrai.com/pages.php?news_id=354677

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *