اللغة الكلدانية في كتاب كلدو وآثور -(2)-

“خاهه عما كلذايا”

اللغة هي هوية كل قوم، وإليهم تنتسب، فالعرب لغتهم تسمى العربية، والكرد يسمون لغتهم كردية، والكلدان يجب أن تسمى لغتهم كلدانية وإلا كانوا نشازاً، ولا يمكن لعاقل أن يقبل أن تكون لغة الفرنسيين الإنكليزية أو لغة الهنود الإيطالية، هكذا تعلّمنا، وهكذا علّمونا الأولون، كما وثّق الكتّاب ذلك والمؤرخون، وما زال أبناء هذا الجيل يعتمد على ما وثّقه الأولون.

ومن الجدير بالذكر أن الأستاذ المؤرخ عامر حنا فتوحي في رسالة داخلية له يقول عن ذلك “إن كلمة السريانية = المسيحي” وهي تسمية دينية وإن اللغات لا ديانة لها، وإن كلمة سرياني هي ترجمة عربية لمفردة سوريا/ سورايا/ سورييا/ التي تعني مسيحي تحديداً وقد شاعت إبان الدولتين الأموية والعباسية اللتين كانتا تعتمدان أسساً دينية في تكوينهما”. لذلك نستمر في توضيح ورصد ما جاء به كتاب المطران أدي شير حول اللغة الكلدانية، وللمزيد من الإستفادة يمكنكم مراجعة هذه الروابط عن الحلقة الأولى.

http://www.kaldaya.net/2014/Articles/01/20_NazarMalakha.html

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو/ هل يمكن تحديد فترة أو زمن ظهور اللغة الكلدانية؟ يقال أن البعض يقول بأن اللغة الكلدانية هي لغة أهل الجنة، ولكن ربما يحتج البعض الآخر ويتساءلوا، وهل هناك كلام وحياة كما هي هنا حيث يجلس الناس ويتسامرون! أو مَن منكم ذهب إلى الجنة وعاد وسمع أهلها يتكلمون الكلدانية؟ الكلام الذي لا يستند إلى مصادر ومراجع لا يمكن أن نعوّل عليه، نحن نتكلم ضمن مصادر، ولكن بعض المصادر تقول بأن اللغة الكلدانية كانت موجودة قبل العام 1526 قبل الميلاد وهو زمن مولد النبي موسى، وإن كانت كذلك فإن ذلك يدل في ما يدل عليه من سعة إنتشار اللغة الكلدانية حتى قبل ما تظهر تسمية أو مصطلح السريانية إلى الوجود، أو حتى سورية وسوريوس الذي تنتسب إليه سوريا، إذن من هذا المنطلق نقول بأن اللغة السائدة والأكثر إنتشاراً في أرجاء المعمورة آنذاك كانت اللغة الكلدانية، حيث أن الفراعنة تكلموا الكلدانية، ونستند في قولنا هذا إلى ما جاءت به المصادر ومنها ما جاء في ص 16 من كتابنا هذا فإن المؤلف يذكر خبر وجود اللغة الكلدانية حتى قبل موسى النبي، حيث عثر على صناديق خشب مملوءة بقطع الآجر مكتوب عليها كتابات، وتشتمل على سجلات الدولة المصرية على أيام أمينوفيس الثالث وأبنه أمينوفيس الرابع الذين عاشا قبل موسى النبي وهي مجموعة مراسلات، هذه المراسلات كانت موجهة إلى فراعنة مصر ثم يقول النص “وتقسم هذه المراسلات إلى قسمين، رسائل أمراء آسيا وملوكها الغير خاضعين لمصر كالحيثيين وملوك بابل وآثور ورسالات أرسلها إليهم ولاة وأمراء عديدون من سوريا وفلسطين ولقد تعجب العلماء كيف دخلت اللغة الكلدانية في سجلات ملوك مصر، فذهب قوم أن اللغة الكلدانية كانت في ذلك الزمان اللغة الرسمية بين الدول الشرقية كما نرى اللغة الفرنسية في أيامنا، وذهب غيرهم ان أهل الولايات الشامية في ذلك الزمان كانوا يتكلمون باللغة الكلدانية (راجع المشرق گمل 786)”.

ما هذا السر الخطير الذي خفي عن أعين الجميع؟ اين هي بصيرتكم يا ناس؟ أين أنتم من هذا الكلام؟ اللغة الكلدانية يقولها بالنص إنها كانت موجودة قبل ايام النبي موسى كليم الله أي قبل أن يولد السيد المسيح له المجد بأكثر من ألف وخمسمائة عام، يا عجبي لهذه اللغة العجيبة، لله درّكم أيها الكلدان، هل حقاً ما يقال؟ إذن ماذا نسمي الذين يرومون تبديل مجرى التاريخ لينعتوا لغتنا الكلدانية بتسمية لا تمت لها بصلة؟ عجيب أمركم أيها الكلدان وعجيب أمر لغتكم الكلدانية، لقد حيّرتم العلماء بذلك فتعجبوا وأستغربوا وتساءلوا كيف وصلت هذه اللغة إلى مواقع الملوك والأمراء؟ كيف ولماذا فرضت هذه اللغة نفسها على الملوك بحيث باتوا يصدّرون أوامرهم بها، لا بل يكتبون جميع مراسلاتهم بها، اليس ذلك عجيباً، لقد أحتار علماء الزمان بأمر هذه اللغة فباتوا يضربون أخماساً باسداس وابتدأت تحليلاتهم وتباينت آراؤهم، لأنه من غير المعقول أن تصل لغة مثل اللغة الكلدانية إلى هذه المراحل المتقدمة وهذه السعة من الإنتشار ما لم تكن لغة قوية بمفرداتها رصينة اسسها ثابتة ابجديتها، سلسة للتكلم وسهلة للتعلم ومرونة في الكتابة، واليوم وبكل أسف يأتي البعض والحمد لله أنهم اقل من اصابع اليد الواحدة لينفوا عنا لغتنا الجميلة الكلدانية، وبشديد الأسف أن يكون ضمن هؤلاء شماس في كنيسة كلدانية!!!!

ثم يقول المصدر بأن جميع الملوك والأمراء كانوا يكتبون بها، والدليل أن مراسلاتهم تتم بها؟ كيف تعلموها؟ ومتى وأين؟ للمزيد فإنه ليس فقط الحكام والسلاطين كانوا يكتبون بها، لا بل حتى سكان الولايات الشامية كانوا يتكلمون بها، هذا ما تقوله المصادر، أين هم هؤلاء المستجدون المستحدثون الذين ينفون وجود اللغة الكلدانية ويصرّون على تسميتها بالسريانية؟ أنا لا أفهم لماذا كل هذا التعنت وكل هذه المحاربة وكل هذا الجري ضد التيار؟ ألا يكفينا ما يضمره لنا الأعداء لكي ينقلب علينا الأصدقاء؟ كل هذه الشواهد وكل هذه الأدلة وما زال البعض راكباً رأسه ليقول لا، عندنا مَثل في ألقوش يقول (خطّه بمگلا كغزديليه كيمر لا إلا بمقصتا كقيصيليه) ومعناه أن المنطق يقول إن الحنطة بالمنجل يحصدونها ولكن المعاند يقول بالمقص يقصّونها) عسى أن يرعوي هؤلاء ويعودوا إلى جادة الثواب ويعوا ما كتبه لنا وما نقله الأولون عن غيرهم.

لقد أستخدم السريان لغتنا، هكذا يقول التاريخ/ واليوم يظهر نفر لا يعرف تاريخ أمته ليشرع سيف الإعتداء علينا وعلى لغتنا الكلدانية ليقول بأن اسم لغتنا هي السريانية وقد فاته بأن السريان أنفسهم تكلموا الللغة الكلدانية ليس ذلك فقط/ بل أن دولاً عديدة تكلمت باللغة الكلدانية وذلك من جنوب إيران إلى البحر الأبيض المتوسط والصين والهند، ولكن ماذا يعني أن يكتب الهنود أو الصينيون باللغة الكلدانية؟ هل يمكن لكائن من يكون ان يكتب بلغة لا يتكلمها؟ إذن لقد تعلمت شعوب هذه الدول والمناطق اللغة الكلدانية فكتبوا بها ودرسوا بها، حتى أن ملوكهم كانوا يصدرون أوامرهم وإراداتهم الملكية بها.

بعد كل هذا المد الشاسع والإنتشار الهائل للغة الكلدانية، لماذا أنحسرت واصبحت لغة الكنيسة والصلوات فقط؟ يجيبنا المطران أدي شير بقوله أن لغتنا الكلدانية ولحد الجيل السابع بعد الميلاد كانت في أوج عظمتها وبعدها بدأت بالإنحسار، وذلك حيث شهد هذا القرن ولادة رسالة جديدة وهي رسالة الإسلام/ والذين آمنوا بهذه الرسالة لم يكونوا من شعوب المريخ أو من شعوب عالم آخر، لقد كانوا من نفس الشعب الساكن على نفس الأرض التابعة لنفس الدول التي كانت تكتب وتقرأ وتتكلم الكلدانية، والذين آمنوا بالدين الجديد وحملوا أسم (المسلمين) كانوا يتكلمون بها، يقول المطران أدي شير (نرى الإسلام الوطنيين قد نسوا لغتهم وأصلهم تماماً ولا يدرون أنهم كلداناً آثوريين.)، (كلدو وآثور/ المقدمة/ ص د). ولهذا فإن التغيير الأساسي في إنحسار اللغة الكلدانية هو أن هذه الرسالة الدينية الجديدة جاءت باللغة العربية، لابل جعلت اللغة العربية ركناً اساسياً في فهم وإستيعاب الرسالة لأنها أبتدأت في منطقة عربية ونزلت بلسان عربي فصيح، لذلك بدأ العد التنازلي للغة الكلدانية وبدأت اللغة العربية تنتشر على حسابها، حتى تمكنت من الإستيلاء عليها بالتمام والكمال وابطلتها، حيث ما أن حل القرن الخامس عشر الميلادي حتى كانت اللغة العربية قد انتشرت في جميع الممالك الكلدانية وأُبطلت اللغة الكلدانية من جميع المدن الكبيرة عدا مدن صغيرة مثل أربيل والسليمانية وكويسنجق وسنا وأورمية في فارس (أدي شير/ كلدو وآثور/ الكتاب الخامس/ الفصل الثاني/ ص 161).

لقد توقع المؤلف ماذا سوف يحل بلغتنا الكلدانية/ سيتنكر لها اهلها، سيرفضها البعض، سيقلب أسمها البعض الآخر، سيحتقرونها، وهذا ما يجري اليوم حيث تُهان اللغة الكلدانية على يد بعض المتعلمين منهم شمامسة ومنهم كهنة وغيرهم، حيث قال المطران أدي شير “ومما يستحق كل التأسف أن الكلدان اصبحوا منذ زمان يحتقرون لغتهم هذه فلا يجتهد بتعليمها سوى بعض الكهنة (بعض الكهنة وليس كلّهم) لا غير، وياليتهم يستيقظون وينكبون بجد ونشاط على درس لغتهم هذه القديمة (المصدر السابق).

أليس من حقنا بعد كل هذا العرض أن نفتخر بلغتنا الكلدانية ونقول لغيرنا رجاءً صححوا معلوماتكم أيها السادة، أعترضوا، ارفضوا، لا تقبلوا أن يقال لكم حشرٌ مع الناس عيد، لا تركضوا وراء الراكضين بدون علم أو فهم، تيقنوا من المعلومة من مصادرها، لا تستهينوا بأحد، لا تقبلوا على أنفسكم وأنت كلداناً أن لا تتكلموا إلا اللغة الكلدانية، فهي لغة آبائكم وأجدادكم، وإن حملت تسمية معينة في زمن ما فاليوم تعود لها تسميتها وتنتسب للقوم الذين تكلموا بها، لقد أنتشرت لغتكم، لغة آبائكم وأجدادكم العِظام بفعل السيف في كل مكان.

عاش العراق الأبي موطن الكلدان منذ الأزل وإلى الأبد

المجد والخلود لشهداء العراق وشهداء الكلدان جميعاً

دام العراق ودامت أمتنا الكلدانية بالف خير

نزار ملاخا

السادس من شباط/ 2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *