الكنائس الأخرى تُبنىّ بحجار الكنائس الرسولية تعقيب على نداء غبطة البطريرك لكهنتنا

بين الأسف والأمل قرأت نداء غبطة أبينّا الباطريرك إلى كهنتنا والتي بدأت بــ (لقد طفح الكيل …)!

الأسف ناتج من الحالة التي أوصلت غبطتهِ إلى إعلان هذه الصرخة المدوية! حيث لم يعدّ هناك مكان للتوجيه والنصح من قبل البعض من كهنتنا والذين أصبحوا على مسافة شاسعة بين تعاليم المسيح وتواضعهِ وبين أسلوب حياتهم. وطالما كتبنا حول ذلك وكان الكثيرين يقولون ويقسمون بأغلظ الإيمان من أن كل كتاباتنا وأنتقاداتنا تذهب سدىّ، وكنت أجيب أحياناً، على الأقل أننا ننتقد وكلنا أمل بالإصلاح، بينما أنتم تهينون الكنيسة والإكليروس بكلامكم هذا! حتى وصَلتُ إلى شكوك حول قول المسيح “وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”!

هل هذا فعلاً أم مُجرد كلام؟! ولا أخفي سراً من أن الشكوك ما زالت متأججة، فقد فهم البعض بأن الكنيسة مُستمرة إلى أبد الدهر، وهذا صحيح لا غبار عليه، لكني أطرح سؤال، ما القصد بجملة (وأبواب الجحيم لن تقوى عليها)، هو عن بناء الكنيسة أم المؤمنين؟ إن كان للبناء فلا معنى للقول أساسًا، ولو كان على المؤمنين فسيكون هناك وافرٍّ من الأسئلة منها: ماذا نسمي وضع المؤمنون الآن والكلام عن السّواد الأعظم، هل هم أصحاب رسالة؟ هل بإمكانهم أن يكون مرآة عاكسة للمسيح والرسل؟ هل أختبروا عمل الروح القدس؟ وهل وهل وهل لا تنتهي من أفواهنا؟!

لو أخذنا مثلاً نسبة مئوية لعدد المعمذين وكم عدد المُلتزمين منهم بالإيمان واللذين يحملون رسالة حقيقية، كيف بالإمكان أن نضع رقماً لهذه النسبة؟! إن كان قريب للمائة فنحن بخير وأبواب الجحيم لن تقوىّ عليها، ولو كانت قريبة للصفر، فأي أنتصار هذا الذي سجّل بإسم الجحيم؟!

فإن كان أقتبال المعموذية لا يتم بوعي المعمّذ! فحتمًا خروجهِ من الكنيسة وإهمالهِ لتعاليمها سيكون بوعيٍّ كامل، وبهذا تخسر كنائسنا طاقات وطاقات جراءَ الذين يبتعدون بسبب أفتقادهم لضالتهم، ولا نتصوّر بأن الموجودون هم مكسب، لأن غالبيتهم تقليديون وروتينيون لديهم فجوة كبيرة في المعرفة المسيحية، وشخصيًا أحمّل الإكليروس ذلك ولا أتبلىّ عليهم.

أسلوب غالبية الكهنة بات لا يتلاءم مع العصر، وأقول العصر لأني أبن العصر، وكُلّي ثقة من أن أسلوبهم لا يتلاءم مع كل العصور، لأنه فقط الإبتسامة الطيبة والمحبة المسيحية فاعلتان بحقل الرب.

الكنائس الأخرى فارغة بمحتواها لكنها كل يوم تكسب أشخاص وتقنعهم بأنهم مؤمنين ولديهم الخلاص بسبب إنتمائهم الجديد، البعض يقول بأنهم يغدقون الأموال والهدايا لكسب ضعاف النفوس، لكني أقول وأجزم وعن خبرات شخصية أكتسبتها من وراء بحثي عن السبب حتى وصلت إلى قناعة كاملة وهي:

الكنائس الأخرى تكسب أعضائها عن طريق منحهم ما فقدوه في كنائسهم …. وهو الأهتمام.

أبتسامة طيبة، السؤال الدائم، أستفقادهم متى غابوا، تشجيعهم على أبداء رأيهم، أعطائهم الثقة بإيمانهم، التحدّث معهم بشكل دائم عن الكتاب المقدس والمسيح والثالوث، كل تلك الأمور البسيطة يحتاجها المؤمنون في كنائسهم. ورغم أني لا أستسيغ أسلوبهم الرخيص في التبشير والكسب، إنما للشهادة أقول: عرفوا مكامن الخلل وأستغلوها لصالحهم، وإن كنّا نتهمهم بشتى التهم، في الوقت عينه علينا أن نعترف بأخفاقات كهنتنا وقصورهم الكبير في الإكتراث بالمؤمنين الذين أصبحوا بالنسبة لهم ظهور يتسلقون عليها، ومصدر مالي مفتوح.

وسؤال أطرحهُ …. بأستثناء الكرازات والمحاضرات إن وجدت، كم مرة سُمع الكاهن يتكلّم عن الكتاب المقدس والمسيح والأنجيل أثناء اللقاء بهم خارج الكنيسة، لا بل حتى في الكنيسة بعد فترات القداديس؟

غبطة أبينا الباطريرك، نعم … لقد طفحّ الكيل وأصبح لنا قسمًاً من الكهنة فقدوا الغيرة المسيحية وفقدوا الغيرة الإنسانية معها، كونهم يطأطؤون رؤوسهم من أجل المادة، ويسمعون الإنتقادات ولا يكترثون لها! بحجج واهية منها أن الكاهن إنسان ضعيف خاطئ! ليبرروا أخطائهم! مُتناسين بأن الكاهن الحقيقي هو (سوبر إنسان) وليس عابرّ سبيل في هذه الحياة، لأنهُ ممثل المسيح أمام الرعية وأمام العالم أجمع.

غبطة أبينا الباطريرك، نعم… لقد طفحّ الكيل من رؤية نفس الكاهن وبنفس الكنيسة لسنوات العمر لا يتغير إلا بموتهِ أو ترقيتهِ إلى رتبة أسقف أو عندما يكون من اللذين ينالون حظوة في عين المسؤول ليرعىّ كنيسة أكبر من التي هو فيها، وبتنا نُسميّ كنائسنا بأسماء كهنتها، بينما المنطق والعقل يُطالبنا بتغير الكاهن كل فترة كي تكتسب الرعية خبرات أكثر وأيضاً كي لا تتخلّف الكنيسة إن كان الكاهن لا يهمهُ تثقيف رعيته، وأيضًا كي لا نخسر مؤمنينا بسبب كاهن يهتم بالماديات أكثر من رعيتهِ. فماذا علينا أن نتمنى لنخلص من هذه المعضلة، هل نصلي ليرتقي الكاهن الذي لا يعمل بأخلاص إلى الدرجة الأسقفية وهذا خطأ كبير، أم نتوسل عزرائيل لينقذنا من هذه المأساة!! أكيد الخطأ في هذه الحالة أقل بكثير من الأول، أي الصلاة من أجل الترقية الأسقفية.

غبطة أبينا الباطريرك، نعم… لقد طفحّ الكيل بقانون كنيستنا التي يجعل من الكاهن القائد الأعظم ويُمنح كل الحصانات التي تجعلهُ يحتقر كل من يُعارضهُ، ويضرب بعرض الحائط مصالح الرعية الروحية، هذا وأن القرار الأول والأخير لهُ وخاضع لمزاجهِ قبل إيمانه وعقلهِ، لذا فهي في الغالب قرارات من أجلهِ وليس من أجل الكنيسة!

نعم طفحّ الكيل، ورسالة غبطتهِ أعادت لنا الأمل في كنيستنا، ووجود كنائس دون راعي أفضل بكثير من وجود راعي يسبّق مصالحهِ على رعيتهِ، على الأقل عدم وجوده يجعل المؤمنين يتوقون شوقًا لكنيستهم التي لنْ يهدد كيانها كاهن مُتكبّر ومُتعجرف يبحث عن السلطة الأرضية والمال.

غبطة أبينا الباطريرك، أرجو أن تطبّق ما كتّب في نداءك خلال فترة زمنية تُمنح للكهنة، ولا تتأسف على كاهن نسيّ ماذا يريد منهُ المسيح، فقط طفح الكيل.

هناك بداية لكل عمل، والبداية الجديدة التي أطلبها من غبطة أبينا الباطريرك مار لويس روفائيل ساكو تكمنْ أهميتها في تصحيح ممارستين أعتبرهما خاطئة وهما:

تقبيل الأيادي والإنحاء…. فهي تجعل المؤمنين بمستوى وضيع أمام الكهنة، وشخصيًاً لا أعتبر تلك الممارسة من باب الأحترام، بل وسيلة لإذلال المؤمنين والسيطرة عليهم!

الألقاب…. (أبونا وسيدنا) من الألقاب التي تجعل الأكليروس أرفع منزلة من المؤمنين، وهذا يُخالف بالمُطلق رسالة المسيح والتي هي خدمة بتواضع، لذا كانوا الرسول يكتبون أسمائهم فقط أو يسبقونها بخادم، فأين كهنتنا اليوم من ذلك؟

 

زيد غازي ميشو

zaidmisho@gmail.com

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *