الكلدانية… أمل

“The reality is that although she is gone for good,

she left us with a positive and loving memory.”

Amer H. Hanna


موضوعي هذا ليس رثاءً، ذلك أنني لا أجيد الرثاء، ولو كنت أجيده لكتبت رثاءً في أمي وأبي رحمهما ألله أو في أبنة خالتي الشهيدة ليلى، أو في في أبن عمتي الشهيد إيشوع مجيد هداية الذي أغتالته عسس الظلام ممن يُحسبون لنا حماة في الشمال، ولو كنت أجيد الرثاء لكتبت في الراحل الكبير د. عوني كرومي وفي أستاذي المذهل د. فوزي رشيد والأب الروحي الفنان الرائد عيسى حنا دابش، وأيضاً لكتبت في سلسلة طويلة من الأصدقاء الذين شاركوني في حياة الزنزانة والمنفى أيام النظام البائد مثل الفنان التشكيلي زياد مجيد حيدر والكاتب والفنان الفوتوغرافي الكبير وأخي الروحي علاء الدين محسن التميمي.

ليس هذا برثاء، وإنما هو في الحق، أحتفاءٌ بالحياة وبالأمل من خلال الكلدانية… (أمل). أمل هيّ الأخت التي ما رأيتها قط ولا تكلمت معها ولو على الهاتف، لكن عندما أعلمني أخي العزيز (وضاح دلو) برحيلها شعرت بأن شيئاً في جسدي يموت، وإن كان موات لحظي، ذلك أن الحياة أقوى من الموت، ولأن الحياة لا يمكن أن تستمر أو تكون بلا (أمل).

معرفتي بأمل لا تتعدى أربعة شهور، تعرفت عليها من خلال كلمات الصديق وضاح دلو أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة قادماً من أستراليا، من أجل زيارة الأهل ومفاتحتي لكتابة دراسة عن (الكلدان) لغرض تقديمها إلى دائرة الهجرة الأسترالية، بعد مشاق ومعاناة وعراقيل واجهته ومجموعة المثقفين الكلدان في أستراليا تزيد على عام ونيف من أجل كتابة دراسة وافية ومقبولة، بعيدة عن المغالاة وروح الأنحياز.

منذ أن عرفت قصة أمل لم أنسها يوماً بدعاء، ولا أعتقد بأنني سأنساها يوماً، نعم هيّ قد رحلت ولكنها تركتني وجميع من عرفها مع تفاصيل طيبة ومحبة عارمة، والأهم من هذا وذاك أنها أحيت فيّ (الأمل).

عن أخي وصديقي العزيز وضاح دلو عضو جمعية تلكيف الكلدانية الأسترالية، الذي لم يبخل ومجموعة طيبة من النشطاء الكلدان على أمل بزياراتهم الأخوية الدورية، أنقل وجهة نظر الأشخاص الذين عرفوا أمل عن كثب، فهي كما يراها هؤلاء: (مثالٌ للإرادة القوية التي تعمل من اجل المحافظة على الأعراف والتقاليد الطيبة الموروثة، متجددة دائماً بمحبة الرب، وفية ومعطاء كثيرا لقوميتها (الكلدانية)، مرهفة المشاعر والأحاسيس في التعامل مع الاخرين).

وأضيف بأنها كانت تأمل أن تقرأ دراستي التاريخية عن (الكلدان) بعد إتمامها، من أجل ذلك تركت الكثير من ألتزاماتي وسهرت الليالي لإستكمال الدراسة وتعديلاتها ومتطلبات نشرها في وقت قياسي، وفقاً لمعايير دائرة الهجرة الأسترالية، وقد فرحت كثيراً ومثل طفل صغير أبتهجت عندما أرسلتها، وعلمت بأن أمل قد أطلعت عليها، فشكرت الرب كثيراً على عطاياه الوفيرة، وأيقنت بأن ربّ الكل (إله الكلدان) لا ينسى أحداً، وبأن (الكلدان أمة عصية على الفناء) ما دام هنالك رجال (لا مجال لذكرهم هنا) ونساء مسيحيات طيبات ومتشبثات بالأمة الكلدانية مثل (أمل).

في الحادي والثلاثين من شهر آذار أحتفلنا بقيامة الرب (ممجد أسمه) ، مثلما أحتفل الكلدان في الفاتح من نيسان في العراق والعالم بمناسبة رأس السنة الكلدانية البابلية 7313ك، ومع أن أمل لم تكن معنا (بالجسد) لتشاركنا ترانيمنا إلا أنها كانت معنا في كل ثنية من ثنايا الكنيسة (شعب الرب)، ومع أن أمل كانت غائبة عنا (بالجسد)، إلا أنها في صبيحة الأول من نيسان كانت في مقدمة الصفوف لتشارك الطبيعة في تجددها وتشاركنا في فرحتنا، أختنا (أمل) كانت معنا، في كل أغنية تهتف بأسم الكلدان وكل شابة ورجل كهل أو طفلة صغيرة تلوح بعلم الكلدان، وفي كل حرف نلفظه بلغتنا الأم (لغة الكلدان)، وفي كل خفقة قلب تذوب لوعة مستذكرة (بلاد الكلدان)، وكل دعاء حار يصدر عن روح (كلدانية) مفعمة بالأمل.

أمل في سطور (1950 – 2013م):

– أمل ميخائيل هرمز عبرو

– خريجة دار المعلمات في العراق

– دبلوم عالي في خدمة المجتمع في استراليا

– باحثة اجتماعية في منظمة STARTT

– رقدت على رجاء القيامة، اثر إصابتها بمرض السرطان

كلمة مُحبيها: (في آخر أسبوع، عندما كنا جميعا نبكي ونحن نراها متماسكة رغم معاناتها ووجعها، وفي حال لا يمكن أن يوصف، كانت هيّ من تواسينا وتقول: لا تبكوا انا ذاهبة لملاقاة اله الكون ورب الارباب وابتي الحنون، وكانت وهيّ على فراش الموت، تنظر في وجوهنا بوداعة ومحبة، وتتمنى لنا السلام والراحة في حياتنا، وتطلب منا أن لا نفقد (الأمل) … حتى وإن غابت أمل).

الخلاصة: نحن نولد ونحيا ونموت، أنه قانون إلهي وطبيعي، وما بين الحياة والموت نضع بصماتنا، بصماتنا هذه هيّ خلاصة حياتنا، بعضنا يأتي ويرحل مثلما تولد الزنبقة في الحقل وتموت دون أن يشمها أحد، وبعضنا يولد ويموت مثلما تولد وتموت الأعشاب، يمر بها الجميع دون أن يلقوا عليها ولو نظرة تحسر، الجميع يمر ولا أحد يشعر بوجودها، وبعضنا الآخر يولد ليهز العالم بمحبته مثل كلي الطوبى غبطة البطريرك بولس شيخو وسيادة المطران الشهيد مار بولس فرج رحو، وبعضنا يولد كالشجرة المثمرة تفرض أحترامها حتى على من يرميها بالحجارة ممن لا يطولون ثمارها.

نحن نختار ما نكون عليه، خياراتنا تصنع بصماتنا وبصماتنا تصنع حياتنا، وحياتنا إن كانت مثمرة، فأنها برغم كل ما فيها من عناء وتضحية وشقاء، فأن مقدماتها الناجحة تنسجم مع نتائجها التي هيّ بالمحصلة، محض فرح داخلي خالص وسراج منير على قمة شامخة تهدي الآخرين إلى بر الأمان، وتشيع للآخر مستقبل مترع بالأمل.

إلى أختي في المسيح ونجمة من نجوم سماء أمتي الكلدانية الحبيبة … (أختنا أمل) أقول: تهوى النجوم وتزول، ولكن محال أن يزول الرجاء، أو أن نمضي في الحياة دون (أمل).

عامر حنا فتوحي

متروديترويت

خاص كلدايا نت

إنتباهة: أرجو أن تشاركونا أيها الأحبة في صلواتكم والدعاء لأختنا (أمل) وكافة المسيحيين والعراقيين الطيبين وجميع الموجوعين والمضطهدين في العالم.

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *