الـنـرجـسي مريض في طـبعه …. عـليه مراجعة طـبـيـبه

إن سـنـتين من دراستـنا عـلم الـنـفـس في الجامعة والتي كانت من متـطلبات مهـنة الـتـدريس لا تجعـل منا خـبـراء ، إلاّ أن حـب الإطلاع والإنـتباه والمتابعة والإحـتـكاك بالمجـتـمع والإسـتـفادة من تجارب الآخـرين أضافـت إلى معـلوماتـنا بعـض الشيء ، وليس كجائع إستـلقى تحـت شجـرة آدم مثـقـلة بثمرها ، فـمدَّ يـده وقـطف تـفاحة قـريـبة منه وإستـطعـمها لـذيـذة فأكـلها بـبـذورها وقـشرتها ، وشفـتيه بلسانه مسحها وصار يحـكـيها كأنها وليمة مدعـو إليها ، حـتى إستـرخى مستمتعاً بظلها ونام في غـيـبـوبة تحـت تأثيرها ( ولو كان نيوتن يـدري به لـنـدَب حـظه ومزق ثـيابه ولطم عـلى رأسه وبالتالي ألغى قانون جاذبـيته ! ) .  

يتـفـق عـلماء النـفـس عـلى أن شخـصية الإنـسان تـتـبـلور ملامحها الرئيسية في فـتـرة عـمره المحـصورة بـين السنة 2 ــ 6 من طفـولته ويركـز الإخـتـصاصيّـون عـلى الفـترة ما بـين الثالثة والخامسة منها بالـدرجة الأولى .

قال سـقـراط لجـليسه : تـكـلم كي أراك ! ….. وعـليه يمكـنـنا أن نـفهم دواخـل الإنـسان ونـفـسيته من خلال الإستماع إليه وملاحـظة (1) أفـكاره ، كـيف يفـكـر بالعالم ، بالأشخاص من حـوله ، وبنـفـسه  ….. (2) إنـفعالاته ، غـضبه ، ميوله ، ونـزعاته ….. (3) قـدرته في السيطرة عـلى رغـباته وشهـواته ….. (4) علاقاته بمحـيطه ، إنْ كانت تـتميَّـز بالـرضى والـتـفاهم أم تـشـوبها الـتـقاطعات والتـنافـرات…..

وقـد ورد مصطلح النـرجـسي في بحـوث عـلم النـفـس فـوُصِفَ بأنه شخـص عالي الـذكاء و ــ خـطر جـداً ــ يحـلم ويرسم ويخـطط وينـفـذ ولـذلك شاء أم أبى يتحـمل كامل المسؤولية أمام القانـون ، ولكـن في قـرارة نـفـسه لا يريـد تحـمل المسؤولية ….. وفي ذات الوقـت يرفـض أن يجـرّد عـنها لأنه يشعـر بالإهانة ، أليس حـقاً غـريـب الأطـوار ؟ .

إنه فـردٌ متمركـزٌ حـول ذاته ، أناني بطبعه لا يرى إلا نـفـسه ، يريـد كـل شيء لنـفـسه ، يشعـر بالإستحـقاقـية أكـثر من غـيره ، يعـتـقـد بأنه شخـص مميز لا يفـهـمه إلاّ النخـبة من الناس ، له أفـكار خـيالية في السلطة والممتـلكات يتصور نـفـسه سـداً يسـنـد خـلـفه مقادير هائلة منها ، فإذا إنهارَ سوف تـتـدفـق بكـميات كـبـيرة ويـفـرغ مخـزونه ، فـيرجع في مخـيلته مرة أخـرى ليكـون سـدّاً صامـداً يتـفاخـر بمخـزونه من تلك السلطة والممتلكات …  وبإخـتصار هـو شـخـص مريض .

النـرجـسي يعاني منـذ طفـولته … يتـصور أن لا أحـد يحـبه ويظن أن قـد حُـرِم من إمتيازاته فـتـتكـون عـنـده نظرة عـدائية لمن حـوله ، ويشعـر أن عـليه حـماية نـفـسه من هـذا العالم ، وحـينما يريـد شيئا من أحـد فإنه يتعامل معه كـعـدو وليس كـصديق له … وهـنا يتعـطل ضميره ! .

إنه متعالٍ لا يستـطيع التعاطف مع الآخـرين ، ليس عـنـده شعـور الحـزن عـلى المتألمين … يحـب التسلط عـلى الجـميع ويغـضب من أتـفه الأسباب ، إنه يريـد الوصول إلى تأديب الشخـص الـذي سبب له الغـضب حـتى وإنْ زالت أسباب الغـضب …. يحـسـد الكـلَّ من حـوله دائما ويعـتـقـد أن الجـميع يحـسـدونه وعـنـده الغـيرة السيئة من أي شخـص ناجح … إنه يتـظاهـر بالبراءة لا ذنب له سابقاً ولن يكـون له ذنب لاحـقاً … لكـنه يتمرد لسنين وليس لأشهر ! .

في كـتاب (( بلا ضمير )) للمؤلف روبرت هـير … تـوجـد إعـتـرافات شخـص له مكانـته في المجـتمع تراه طبـيعـياً ولكـنه نرجـسي مريض تحـت الرعاية الصحـية ، وفـيها يسأل نـفـسه :

هل يعـنيني أمر الناس ؟ فـيجـيب : إنه سؤال صعـب …

ثم يواصل : هـل يزعـجـني الأمر إذا إضطررتُ وتسبَّـبتُ في أذية أحـد من الناس ؟

ويجـيب ويقـول : نعـم أحـياناً !! ثم يعـقـب ضاحـكاً ومستخـفاً : كـيف تـشعـر بسحـق بقة ـ حـشرة ـ !

النرجسي لا ينجـذب نحـو الشخـصية القـوية بل يعـمل عـلى تحـطيمها بكـل الوسائل المتـيسرة بـيـديه … لـذا نـراه يعـيش عـلى آخـرين ضعـفاء معـجَـبـين به فـيكـون بحاجة إلـيهم ، إنهم ذخـيرته يفـتـش عـنهم وينجـذب إليهم ويخـتارهم ليسلطوا الضوء عـليه ويعـطونه الإهـتـمام والعـناية ، إنه (( يُرجي من يشاء منهم ويؤوي إليه من يشاء )) …  حـﭼـي بـيناتـنا هـذا من الأقـوال الـبـديعة ، أويلي ! فإذا ماتـوا يضطرب جـدا لأنْ ليس لـديه في داخـله شيء ذاتي يتـفاخـر به ….

لـذا وجـب عـلى الشخـص الآخـر المعـجَـب أن يكـون عـنـده إستعـداد للتـضحـية والخـنوع دائماً ، ذو طاقة كـبـيرة من العـطاء ويكـون من النـوع الـذي يهتم بغـيره ولا يهـتـم بنـفـسه بل يفـضله قـبل نـفـسه ، فـنراه دائما يقـول نعـم ، ولا يقـول لا !!… فـيكـون شخـصية مضحـية تـنجـذب نحـو الشخـصية النرجـسية …

فـنحـن أمام صَنـمَين : الأول نرجـسي لا يعـطي بل يريـد أن يأخـذ كل شيء وفي ذات الوقـت يعـتـقـد في داخـله بأنه لا يستحـقه لكـنه مُهـلوَسٌ به ولا تكـون له سيطرة عـلى رغـباته …. أما الصنم الآخـر المضحي فـهـو شخـص يعـطي كل شيء ويقـبل بالعـبـودية .

وخـتاماً ، في داخـل النرجـسي شخـصيتان مريضتان :

الأولى (1) ذات داخـلية حـقـيقـية متـشرذمة محـطمة متألمة ـ سادية بصمت ـ تهـدف إلى إخـضاع الآخـرين ولا يستـطيع أن يعـيش معها فـيهـيج عـنها … ويحاول قـمعها بشخـصية ثانية (2) ظاهـرية جـميلة متألقة لكـنها مزيفة يصنعها لنـفـسه ….. وهـو منهار من الـداخـل .

يحـلم النرجـسي بأن يتميز عـلى الكـل عـن طريق فـرض نـفـسه … ويريـد التـشبث بقـوة سلطة إلهـية يهـيمن بها عـلى الجـميع حـتى بعـد موته .

إن ضمير الإنـسان يتـشكل بالتربـية وبالتجارب الإجـتماعـية وبالتـدريب عـلى القـيم الـدينية  … وإنْ لا ! فـنـقـول إنَّ الجـينات هي التي تـسبِّـب في خـلل الضمير ونـفـسية أي شخـص !!! وخـلي يعـيش عـيشة سعـيـدة إذا يـﮔـدَر ، ولكـن ما يـﮔـدَر حـتى لو صار رئيس جـمهـورية الكـرة الأرضية .

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *