العلاقة بين الأحداث في العراق وليبيا ومصر بقلم: ضياء الشكرجي


 15-09-2012 | (صوت العراق) |
ما حصل في الأيام الأخيرة في العراق، من خنق للحريات، عبر إغلاق النوادي، ومنع الخمور، والاعتداء على المسيحيين، ومنع السافرات من دخول مدينة الكاظمية، هذا كله من جهة، وما يحصل من هيستيريا عارمة في كثير من عواصم الدول ذات الأكثرية المسلمة، ومنها قتل السفير الأمريكي بهذه الطريقة الوحشية اللئيمة، وقتل بقية الديبلوماسيين الأمريكان معه في بنغازي، وهيستيريا حرق العلم الأمريكي، ومحاولات اقتحام السفارات الأمريكية، في مصر، وسائر عواصم البدان الممثلة للبيئة الحاضنة للتخلف والتطرف والعنف المقدس والإرهاب؛ كل هذه الأحداث تنتمي إلى هوية واحدة، وإلى جذر واحد، وإلى مشكلة جوهرية واحدة.

سيشتمني البعض، ليقول انظروا كيف يدافع الشكرجي عن (الخمارة)، وعن الإساءة إلى مقدسات الإسلام، فأقول إن القضية – فيما يتعلق الأمر بأحداث العراق الأخيرة – ليست قضية دفاع عن الخمر وشرب الخمر، وإنما هي قضية مقدس (الحرية) ومقدس (الإنسان) الذي لا يدرك معناه الغالبية العظمى من الإسلاميين، سواء كانوا شيعة أو سنة، باستثناء الـ 10% أو أقل من ذلك بكثير من عقلائهم، وما أندرهم، لأن العاقل لا يكتمل عقله في تقديري، ما لم يحسم التحول من مرجعية المقدس الموهوم، إلى مرجعية العقل والضمير الإنساني، ويستطيع الفرز بين النصوص المقدسة المتوائمة مع مرجعيتي العقل والضمير، وتلك المتقاطعة والمتناقضة معها، فينبذ الثانية، ويعتمد الأولى.

أما فيما يتعلق الأمر بردود الفعل على الفلم المسيء للرسول وللإسلام والمسلمين، فصحيح إن الفلم مبتذل، وغير موضوعي، ورخيص، لكن المنطلقين بهيستيريا الغضب (المقدس) لا يفهمون أن هذه الدول تقدس الحرية قبل كل شيء، وتتمتع بحرية الإساءة حتى للمسيح، الذي هو ليس نبي الأكثرية المسيحية وحسب، بل هو ابن الرب، وهو الرب عند الكثيرين منهم، وأن الحكومات لا تمتلك صلاحية وضع رقابة على إنتاج هذه الأفلام، بل لا تسمح لها دساتيرها أن تمنح لنفسها مثل هذه الصلاحية، فالفلم لم تنتجه الحكومة الأمريكية، حتى يقتل سفيرها، ويحرق علمها، ثم هؤلاء لا يعون أن العلم الأمريكي ليس علم الحكومة الأمريكية، بل هو علم كل الشعب الأمريكي، وإن حرقه هو إهانة لكل الأمريكان، وإذا اعترض معترض، أن الفلم هو إهانة لكل المسلمين، فإن ردود الفعل جاءت لتؤكد للكثيرين، إذن ما يعرضه الفلم هو حقيقة وواقع الإسلام والمسلمين، بدلا من إعطاء صورة حضارية في رد فعل احتجاجي متسم بالعقلانية والبعد الحضاري، وهذا يذكرنا بهيستيريا الغضب (المقدس) ضد صور الكاريكاتير الدانماركية قبل بضع سنوات.

إذن يبقى الإسلاميون – معظمهم ولا أقول كلهم – ويبقى المتدينون المتزمتون من المسلمين بل وحتى غير المسلمين في تدينهم خارج الزمن، ما زالوا لا يدركون مقدسات العقل والضمير الإنسانيين، لا مقدسات النصوص التي إما هي من وضع بشر يصيبون ويخطئون، أو على فرض أنها تنتسب إلى الوحي الإلهي، قد تلاعب بها البشر شر تلاعب، وأعني بمقدسات العقل والضمير ومقدسات الحضارة الإنسانية المعاصرة أو ما يسمى بالحداثة، بدرجة أساسية، هما مقدس (الإنسان)، ومقدس (الحرية).

لكني وأنا أنقد البيئة الحاضنة للتخلف في بلداننا ذات الأكثرية المسلمة، لا أبرئ الغرب من ازدواجية المعايير، فالفنان، والكاتب، والإعلامي، والمفكر، في الغرب تسمح له حريته الإساءة إلى الدين المسيحي، دين الأكثرية الساحقة عنده، والدين الإسلامي، لكنه غير مسموح له بالإساءة للدين اليهودي، حتى لو عرض فلم مستوحى من العهد القديم، عن القتل الجماعي الذي يمارسه أنبياء، وفريقان آخران هما بمنزلة الأنبياء والرسل، ألا هما الملوك الإلهيون والقضاة الإلهيون. فلا أتصور إن مثل هذا الفلم سيمكن أن يمر دون مقاضاة منتجه بمعاداة السامية.

تبقى المشكلة إذن هو التزمت الديني الذي لا يحترم الإنسان، وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان، بقدر ما يقدس (مقدسات) عنده هو، ولا يكتفي بتقديسها لنفسه، بل يحاول أن يفرض قداستها جبرا وكرها وتعسفا على سائر المجتمع الإنساني، والله خلق العقل كي نوظفه، لا كي نعطله، وخلقه لنا كي نسمح له أن يخطئ ويصيب، بدلا من الجمود على مقولات وجد عليها آباءه، فكان لهم متبعا، حتى لو كان آباءه لم يكونوا يعقلون شيئا، ولا هم للحقيقة بمهتدين.
ضياء الشكرجي
dia.shakarchi44@yahoo.de
www.nasmaa.org
14/09/2012

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *