العقوبة الجماعية بحق موظفي اقليم كوردستان اين الخلل ؟

 

الأرض التي اتخذت اسمها من شهرة نهريها ، هي بلاد ما بين النهرين دجلة والفرات ، وأخذت هذه الكلمة كترجمة للمصطلح اليوناني ( Mesopotamia ) بين النهرين وفي العربية بلاد الرافدين وفي اللغة الكلدانية بيثنهرين ، وهي جميعها تدل على بلد يعرف حالياً بالعراق ، والعراق كان بلداً غنياً بمياهه وتربته الخصبة ، ولهذا كان هدفاً لهجرات بشرية في مختلف العصور ، ونتيجة تجارب وتفاعل تلك الشعوب على هذه الأرض نشأت حضارات باهرة يذكرها التاريخ كنجوم ساطعة في تاريخ البشرية ، وما يهمنا في هذا الموضوع ان العراق منذ القدم كان ارض التنوع البشري على ارضه ، لكن اليوم يبدو ان العراق قد طلق ثقافة تعددية المجتمع وقبول تنوعه ، ولهذا هو مرشح للتمزق ، إن لم يكن قد تمزق فعلاً تحت وطأة الأزمات التي تنهال عليه بفعل سوء إدارة الطبقة الحاكمة للقادة السياسيين الغارقين في مستنقع المصالح الخاصة اولاً والتغليب للمصالح الفئوية والطائفية ثانياً .

لقد صبّحنا في مرحلة الشباب ولحد اليوم على العيش في ظل حروب خارجية وداخلية عبثية وقودها من الناس الأبرياء وحصيلتها المزيد من الدمار والتأخر وتفكك النسيج المجتمعي ، وبدلاً من الأستفادة من دروس الماضي ، والأبتعاد عن عقلية الثأر والانتقام ، وذلك بالنزوع الى بناء الوطن وتعميره وبناء الإنسان وغرس بذور حب الوطن ، لكن الذي يحدث اننا استنسخنا الماضي لنطبق بنوده على واقع الآن ، فعودة الى عنوان المقال بتكريس عقوبة جماعية بحق موظفي اقليم كوردستان ، نلاحظ ان الشريحة الكبيرة المتضررة من عدم دفع الرواتب او تأخيرها هم من ابناء الشعب من العرب والكلدان والآشوريين والتركمان والسريان وكل المكونات العراقية وفي مقدمتهم الموظفين الأكراد .

إن هذه الحالة تذكرنا بالحصار الأقتصادي الذي كان يفرض على المنطقة في عقود الحروب الداخلية ، فحينما يجدون في السيارة كيلو سكر او كيس رز او دقيق ونحن مقبلين الى المنطقة المشمولة بالحصار مثل القوش ، كان التعامل معنا من قبل السيطرات الحكومية وكأننا نهرب اسلحة فتاكة ، وربما كان الحصار الأقتصادي فقرة من فقرات الحرب المعلنة على المنطقة ، لكن اليوم نتعامل تحت مظلة الدستور الذي ينبغي على الجميع احترام مواده وفقراته ، كما يجب ان تكون الحلول السياسية الإطار الذي تجري التفاهمات من خلالها .

 إن الأستقطاب السياسي المبني على الأستقطاب الطائفي المقيت يصنف من الشرور التي خيمت على اجواء البلد ، فالخلافات السياسية يجري حلها عبر المفخخات والأسلحة كاتمة للصوت والأغتيال السياسي والعمليات ذات الطابع الإرهابي على مختلف صوره .

اليوم نجد طريقة اخرى وهي محاربة الرزق ، يقولون قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ، لقد ادى الخلاف السياسي بين بغداد وأربيل ، الى محاولة كسر العظم ، بمحاربة الرزق ، لقد كانت هنالك مشكلة المصادقة على الميزانية من قبل البرلمان ، ، لكن يبدو ان المشكلة احاطت باقليم كوردستان فقط ، إذ يقول نيجيرفان البارزاني خلال مؤتمر صحافي عقده في برلمان كردستان الأسبوع الماضي، إنهم عندما ذهبوا إلى بغداد كانوا يظنون أن الأزمة المالية تشمل العراق كله إلا أنهم تفاجأوا بقول وزير المالية العراقي، إن «ميزانية الإقليم قطعت بأمر من رئيس الوزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي».

اي ان قطع الراتب او تأخيره شمل موظفي اقليم كوردستان فحسب ، وتعود المسألة الى الخلاف السياسي بين قيادة اقليم كوردستان والحكومة العراقية ، فما ذنب الموظف في اقليم كوردستان لكي يصار الى محاربته في لقمة العيش فيمنع عنه وعن عائلته الراتب الشهري الذي نظم حياته المعيشية على اساس هذا الراتب ومقداره .

لقد لجأ الأقليم الى بيع النفط مباشرة حينما امتنعت الحكومة عن منح حصة الأقليم من الميزانية ، وكانت هنالك محاولات حكومية بمنع بيع هذا النفط وذلك عبر تفويض  شركة قانونية لملاحقة أي جهة أخرى تبيع النفط خارج مظلة مؤسسة سومو العراقية المخولة ببيع النفط العراقي ، إذ اخفقت لحد الآن الناقلة يونايتد ليدرشيب المحملة بشحنة من النفط الخام المستخرج من حقول النفط في اقليم كوردستان من ايجاد مشتري لتلك الشحنة . يستنتج من ذلك ان الحكومة تريد ان تمسك بكل الخيوط لكي تجبر الآخرين للامتثال للحلول التي تضعها الحكومة دون اعتراض . ومن الواضح ان هذه الحلول هي من المستجدات الطارئة فطيلة السنين المنصرمة ، كانت حصة الأقليم ،رغم بعض العثرات ، إلا انها لم تصل الى حد ايقاف الرواتب المستحقة لموظفي الأقليم الذين هم بالتالي موظفي العراق .

المراقب المحايد لسياسة بيع النفط العراقي يلاحظ منذ حوالي عشر سنوات ان الشعب العراقي لم يحصل الى منفعة من واردات النفط ، إذ لم تحقق هذه الواردات الضخمة اي تحسن في الخدمات العامة سواء من ناحية الكمية او النوعية ، ولم تحصل اي تنمية او ازدهار في حقول التقدم من زراعة او صناعة ، كما ان الوضع الأمني لا زال متردياً ولا يوجد علائم تحسن الوضع في المستقبل المنظور ، لا اثر لهذه الثروة الكبيرة في حياة العراقيين . وإذا قارنا هذا الواقع بأقليم كوردستان وما يستلمه من حصته بعد الأستقطاعات ، فإن الأقليم قطع شوطاً كبيراً في مضمار التقدم والتنمية والأمن والأمان ، ولهذا نلاحظ إقبال المستثمرين والشركات للعمل والأستثمار في اقليم كوردستان .

 لقد افاد فلاح مصطفى وهو مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة الإقليم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» في2014-06-08 إن «هناك تقدما ملحوظا في علاقاتنا مع الدول العربية، فالوضع السياسي المستقر في الإقليم واستتباب الأمن فيه وسياسة الانفتاح التي تبنتها حكومة الإقليم والتقدم الذي تشهده كردستان، كل هذا دليل للتواصل مع الدول العربية». وأضاف «هناك في إقليم كردستان حاليا 31 قنصلية وممثلية أجنبية، إلى جانب وجود الكثير من الشركات ومكاتب الخطوط الجوية العربية والعالمية، وهناك دول تنوي افتتاح قنصليات لها في الإقليم، وهذا يساهم في تعميق العلاقة بين إقليم كردستان والعالم».

يتعين على الحكومة العراقية ان تجد الحلول الناجحة لمختلف المشاكل التي تعصف بالبلد ، إن كان التصعيد مع اقليم كوردستان او فقدان الأمن والأمان في المدن العراقية وفي المقدمة العاصمة بغداد  ، إضافة الى ذلك  فإن كثير من المدن العراقية اصبحت مفتوحة امام إرهاب داعش والقاعدة ، وأصبحت المبادرة بيد هذا التنظيم ، واصبح موقف القوات الحكومية عبارة عن ردة فعل فيلجأ الى موقف دفاعي ، وبدا ان التنظيم بدأ يستنزف قدرات الجيش والشرطة العراقية ، كل ذلك بسبب قرارات الحكومة الأرتجالية ، وبالتالي ان الشعب هو من يتحمل نتيجة هذه السياسية غير الحكيمة . انهم يفرطون بهيبة الدولة نتيجة هذه السياسة الفاشلة ، والكثير من الساسة العراقيين مع الأسف يجدون بأن الدولة والوطن ليست اكثر من ساحة للمكاسب والمغانم الشخصية وفرصة للنفوذ والسيطرة .

اكرر ان الحكومة يجب ان تضع الحلول لمشاكلها وهي ليست محتاجة لخلق مشاكل جديدة مع الأطراف السياسية وبضمنها اقليم كوردستان .

بقلم : د. حبيب تومي / اوسلو

 في 11 / 06 / 2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *