العراق .. دولة مع وقف التنفيذ / بقلم : نزار حيدر

 

في حوار صحفي شامل، اجراه الزميل السيد صالح القزويني، المحرر في الموقع الرسمي للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، تحدث نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، عن آخر التطورات السياسية في المشهد العراقي، وما توصلت اليه الجهود المبذولة من قبل الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية الاخيرة، بشان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

ادناه، نص الحوار:

   السؤال الاول:

   هل يمكن القول بان الأزمة السياسية قد انتهت بعقد مجلس النواب الجديد جلسته الأولى؟. 

   الجواب:

   ابدا، فالازمة لا زالت قائمة، وان قرار الكتل السياسية بترك الجلسة الاولى لمجلس النواب مفتوحة الى اشعار آخر، دليل قاطع وواضح على ذلك.

   انهم حاولوا الالتزام بالمديات الزمنية الدستورية، وكانوا محصورين بين مطرقة هذه المديات وسندان ما يسمونه بالحراك السياسي الذي لم يفض بعد الى تسمية رئيس الوزراء الجديد، فاختاروا سيناريو الجلسة المفتوحة والتي اعتبرها شخصيا بدعة سياسية جديدة، فلقد ارادوا اضفاء الطابع الدستوري على قرارهم، اذا بهم وقعوا في جريمة دستورية من نوع آخر، فالبلد، بانعقاد الجسلة الاولى لمجلس النواب، بات بلا سلطة تنفيذية وبلا سلطة تشريعية، وكذلك، بات بلا رئيس للجمهورية، بمعنى آخر، فان العراق اليوم دولة مؤجلة، اي دولة مع وقف التنفيذ وهذا امر خطير، ادعو جميع الفرقاء السياسيين الى الانتباه اليه، والسعي الجاد والحثيث لمعالجته، لان ذلك سيسن سنة سيئة قد تتكرر كل اربع سنوات، واذا كان الوضع قد يتماسك مرة ومرتين، الا انه قد يفلت في المرات القادمة، وهذا ما لا ينبغي على الجميع ان يرتكبوه، لانه ليس لمصلحة البلاد، ولا يحقق اي من اهداف وتطلعات واماني الشعب العراقي ابدا.

   انها بدع تضر بالعملية الديمقراطية، ولا تكرس ادواتها بشكل صحيح، ولذلك ينبغي تجنبها باي شكل من الاشكال.

   واذا تشكلت الحكومة الجديدة على غرار الطريقة عينها التي تشكلت بها الحكومة الحالية المنتهية ولايتها الدستورية، فاننا سنكون امام ازمة قديمة ــ جديدة ستستصحب معها الحال القائم وتستمر لاربع سنوات اخرى، اي اننا، في هذه الحالة،  سنطرح السنوات الاربع القادمة من حساباتنا، لا سامح الله.   

   السؤال الثاني:

   ما هي توقعاتك لمنصب رئاسة الوزراء؟ أليس نوري المالكي أكثر حظا من غيره؟. 

   الجواب:

   لست في موقع تحديد المرشح لمثل هذا الموقع السيادي، فكما نعرف فان هناك اكثر من عامل يلعب دورا في تسمية رئيس الوزراء القادم، ربما من بينها الانجاز والنجاح.

   لقد طال النزاع السياسي على السلطة، وتعقدت الامور اكثر فاكثر، لان عامل الزمن في مثل هذه الحالات ليس من مصلحة البلاد، ولا حتى من مصلحة الفرقاء، فضلا عن العملية السياسية، ولذلك فان من الصعب جدا الجزم بتحديد هوية رئيس الوزراء القادم، فقد نكون امام مفاجآت جديدة كما حصل في المرة السابقة، اذا ما اتجه الفرقاء صوب ما يسمونه بمرشح التسوية، والذي يعني الاضطرار بمعنى آخر، كما يضطر المؤمن الجائع الى اكل لحم الميتة خوف الهلاك.

   السؤال الثالث:

   ما هو تقييمك لاداء المالكي خلال السنوات الأربع الماضية؟.

   الجواب:

   اعتقد ان في السؤال بعض الخطا، فمن المفترض ان يكون السؤال عن اداء حكومة السيد المالكي وليس عن ادائه الشخصي، فكما نعرف فان الحكومة الحالية المنتهية ولايتها، تشكلت على اساس مبدا المحاصصة، بل ان السيد المالكي تم الاتفاق عليه كمرشح تسوية بين الكتل السياسية بعد ان وصل الجميع حينها الى طريق مسدود، بمعنى آخر، فان السيد المالكي لم يكن مطلوبا بذاته وانما لحلحلة المشكلة، بغض النظر عما انجزه فيما بعد، فهذه هي الحقيقة، ولان جميع الفرقاء، بمن فيهم المالكي نفسه، قبلوا بهذه الطريقة من التوافقات، ولذلك فان عليه وعلى غيره من المرشحين لهذا المنصب ان يسلموا بالمبدا على الرغم من اعتراضي، انا شخصيا، على هذه الطريقة من التوافقات.

   تاسيسا على هذا الامر الواقع، وبالعودة الى الشارع العراقي من خلال الاستعانة بنتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، من جانب، والى الفرقاء السياسيين من جانب آخر، يمكن القول:

   اولا: ان الشارع العراقي غير راض عن اداء حكومة السيد المالكي، والدليل على ذلك ان قائمته الانتخابية (دولة القانون) لم تحصد سوى (27%) فقط من ثقة الناخبين، اي ما نسبته الربع او يزيد قليلا.

   هذا، اذا اخذنا بنظر الاعتبار نسبة ثقة الناخبين به كقائمة، اما اذا اردنا ان نحسب هذه النسبة كحزب يقوده المالكي فسوف لا تتجاوز الـ (8%) فقط او تزيد قليلا.

   ثانيا: ان الفرقاء السياسيين، هم الاخرين، غير راضين عن اداء حكومته، ولذلك نراه يلقى كل هذه المعارضة من قبلهم في التجديد له لولاية ثانية، بغض النظر عن صحة موقفهم من عدمه، ولكنني اشير الى الحقائق بالاعتماد على المبدا والطريقة التي اعتمدها المالكي وغيره من الفرقاء المتنافسين اليوم، لتسمية رئيس الوزراء.

   بالنسبة الى الشارع العراقي، فمن الممكن انه غير راض عن اداء الحكومة لاسباب كثيرة منها ان الشارع العراقي لم ير تحسنا يذكر على الاصعدة التالية:

   الاستثمار واعادة الاعمار، على الرغم من الوعود الكبيرة التي قطعتها الحكومة.

   الكهرباء والماء والصحة والبيئة والتعليم، اذ لا زال طلبة العراق يعانون الامرين من المنهج التعليمي ووسائل التعليم، بالاضافة الى قلة المدارس بشكل مهول.

   الفقر زاد بشكل ملفت للنظر، فلقد وصل عدد العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الى اكثر من (7) ملايين مواطن، وان قرابة مليون طفل سائب في شوارع بغداد لوحدها، فيما تدهورت الحصة التموينية الى ادنى مستوياتها، سواء في عدد مواد السلة الغذائية او في الجودة والنوعية.

   اما الامن، فقد تعد الحكومة ما تم انجازه في هذا الملف، انما هو من نجاحاتها، الا ان المواطن العراقي لا يعتقد بذلك كثيرا، اذ يعتبره انجازا اشتركت فيه الكثير من الاطراف لتحقيقه منها، القوات الاميركية التي نجحت في تطبيق نظرية الصحوات، الى جانب نظرية الجدران العازلة والتي تم تنفيذها على الرغم من معارضة الحكومة للفكرة آنئذ، كل ذلك، على الرغم من ان الامن لا زال متدهورا، اذ لا زال الدم العراقي يسيل انهارا، ولا زال الانسان العراقي هو البضاعة الارخص في العراق (الجديد) وللاسف الشديد.

   اما بالنسبة الى الفرقاء السياسيين، فياخذون على المالكي شخصيا انه استفرد بالقرار وانه اقصائي النزعة بدرجة كبيرة وانه همش شركاءه الاخرين الذين حملوه على اكتافهم الى سدة الحكم، اذ لولاهم لما كان السيد المالكي يحلم بمثل هذا الموقع، على حد وصف احدهم.

   على كل حال، فان على المالكي وغيره ممن يطمح الى تولي سدة الحكم في بغداد، ان يحقق ما يسمونه بـ (الشراكة الوطنية) وليس النسبة الـدستورية (50+1) ليظفر بثقة زملائه لتولي السلطة، بغض النظر عن اي ميزة اخرى، وهذا، وللاسف الشديد، هو الواقع المر الذي يعمل الفرقاء على تكريسه منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، ولذلك فهم في جهودهم وحراكهم السياسي الرامي الى تشكيل الحكومة الجديدة، لم ياخذوا بنظر الاعتبار نتائج الانتخابات ابدا، بمعنى آخر انهم لم يحترموا ارادة الناخب العراقي، وبهذه الطريقة فانهم يقوضون الديمقراطية الفتية التي يسعى العراقيون لبناء صرحها في العراق الجديد.

   ولو كنت محل المالكي، لخرجت امام العراقيين واعتذرت عن قبول تولي رئاسة الوزراء لفترة دستورية ثانية، التزاما منه بالوعد الذي قطعه على نفسه امام العراقيين ومن على شاشة الفضائية (العراقية) قبيل الانتخابات النيابية الاخيرة، والذي قال فيه بانه سيعتذر للعراقيين عن تشكيل الحكومة الجديدة اذا لم يحصل تحالفه (دولة القانون) على النسبة الدستورية المطلوبة (50+1) في الانتخابات لتسهيل المهمة، فان مثل هذه الخطوة، برايي، ستزيد من احترام العراقيين له، وتزيد حظوظه في الحصول على النسبة الدستورية المطلوبة في الانتخابات القادمة، كما انها ستحرج الاخرين الذين سيواجهون معارضة برلمانية قوية، لان تشكيل الحكومة القادمة، بنفس القياسات والاسس السابقة، سينتج حكومة فاشلة سلفا، لانها ستكون حكومة محاصصة مكبلة بشروط العشرات من الكتل والاحزاب والشخصيات، وهذا ما لا يمكن لاي رئيس وزراء ان يتحمله لينجح.    

   السؤال الرابع:

         بما أن الانفجارات وتدهور الأوضاع الأمنية تزايد مع ابعاد القائمة العراقية، فهل يمكن القول أن الموالين لهذه القائمة وراء الانفجارات؟.

   الجواب:

   من الصعب جدا ان ارد بالايجاب على مثل هذا السؤال، لان التهمة كبيرة جدا، والفعل خطير للغاية، وان من يذهب الى اتهام انصار القائمة العراقية في الوقوف وراء مثل هذه الاعمال الاجرامية يعتمد على الادلة التالية:

   اولا: ان مثل هذا التصعيد الامني الخطير ياتي، في كل مرة، بعيد التصريحات المتشنجة لقادة القائمة مباشرة، وبعد تهديداتهم بعودة العنف والحرب الطائفية اذا ما استبعدت قائمتهم عن تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.

   ان هذا التزامن هو الذي يثير الشكوك لدى الكثيرين، فتراهم يتهموا انصار القائمة العراقية بالوقوف وراء مثل هذه الاعمال الاجرامية.

   ثانيا: ان من بين القاعدة الشعبية للقائمة العراقية الكثير من ايتام النظام البائد، وممن لا زالوا يتخذون الموقف المعادي للعملية السياسية برمتها، بمعنى آخر فان فيهم الكثير من العناصر التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا تعتقد بادواتها، وهم ممن يحاولون العودة بالعراق الى المربع الاول، تحكمه الاقلية الطائفية بالحديد والنار في اطار نظرية التمييز الطائفي والعنصري، من خلال توظيف صندوق الاقتراع، بعد ان يئسوا من تحقيق غاياتهم الدنيئة هذه من خلال القتل والذبح والتدمير والعنف والارهاب.

   واذا ارادت القائمة العراقية ان تنأى بنفسها عن مثل هذه التهم، فان عليها ان لا تضع نفسها اولا في موضع التهمة، فلقد قيل قديما (من وضع نفسه في مواضع التهمة فلا يلومن الا نفسه) ومن اجل ذلك، فان عليها ان تكون واضحة في مواقفها الاعلامية والسياسية، وان تبتعد عن لغة التهديد والوعيد كلما سئلت عن امكانية ذهابها الى المعارضة مثلا، كما ان عليها ان تبتعد عن ايتام النظام البائد فلا تسعى لمناغمتهم، ولو اعلاميا، فان ذلك يضر بمصداقيتها، وكذلك بمصالحها.  

   السؤال الخامس:

   رغم انك من المعارضين بشدة للمحاصصة السياسية، وينبغي على كل المخلصين معارضتها، ولكن الا تعتقد أن المحاصصة في الوقت الراهن هي السبيل الى تهدئة الأوضاع ومن ثم نقل العراق الى الديمقراطية الحقيقية؟.

   الجواب:

   كنت ولا زلت مع المحاصصة المعقولة، المحدودة، ولكنني ضد المحاصصة بلا حدود، فمثلا:

   انا مع المحاصصة في تقسيم الرئاسات الثلاث، الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، ولكنني ضد المحاصصة في كل المواقع نزولا الى شرطي المرور.

   هذا اولا، وثانيا، فانا ممن ايدت المحاصصة لوقت معلوم، فعندما كان العراق، بعيد سقوط الصنم، في مرحلة التاسيس الجديدة، وكنا بحاجة الى تطمين كل شرائح وفئات المجتمع العراقي على حاضرها ومستقبلها، لتوكيد مبدا الشراكة الحقيقية في الحكم والسلطة من دون تهميش لاحد او اقصاء لشريحة، دافعت عن المحاصصة لحين استقرار الوضع السياسي، من خلال اقناع الجميع باهمية وضرورة المشاركة في العملية السياسية، وان المقاطعة او اعلان الحرب عليها وعلى الديمقراطية ومبدا التداول السلمي للسلطة، لن يجدي نفعا فهو ليس لصالح العراق والشعب العراقي، اما الان وبعد مرور سبع سنوات على عملية التغيير، وقد اشترك الجميع في العملية السياسية، الا ما ندر من الشواذ، فلا ينبغي الاسترسال بالمحاصصة لان ذلك سيعطل الدستور ويعطل عملية البناء ويعطل الانجاز ويعطل كل شئ، وما تاخر تسمية رئيس الوزراء الجديد لاكثر من مئة يوم لحد الان الا احد الادلة على ذلك.

   الامر الثالث بهذا الصدد، هو ان من قبل بمبدا المحاصصة كحل مؤقت لأزمة الثقة التي يعاني منها المجتمع العراقي بسبب سياسات النظام الديكتاتوري الشمولي البائد، انما اختارها لتكون تقاسما للسلطة بين المكونات الاجتماعية، وليس بين الكتل والسياسيين والحزبيين والشخصيات كما حصل ويحصل اليوم، بمعنى آخر، فاننا قبلناها لتقاسم السلطة بين الشيعي والسني والكرد، طبعا بالاضافة الى الاقليات، ولكننا لم نقبلها لتقاسم السلطة بين الكتل والاحزاب والشخصيات، لدرجة ان المواقع اصبحت اليوم ملكا لهذا الحزب او تلك الكتلة او ذاك (القيادي).

   وانا لا ارى المشكلة في اصل المبدا، المحاصصة، فان الكثير من البلدان والشعوب تعمل به وقد حلت بها الكثير من مشاكلها، الا ان المشكلة في سوء استغلالها والتعسف في تطبيقها من قبل السياسيين.

   ولقد كانت نتيجة ذلك، هو ان مؤسسات الدولة العراقية الجديدة، كالوزارات والسفارات ومؤسسات الدولة في الداخل والخارج، امتلأت بالفاشلين والوصوليين ومن الذين زوروا شهاداتهم التي يتطلبها الموقع الرسمي هنا او هناك، وهكذا.

   لقد وصل تطبيق المحاصصة الى المديريات العامة والى الجامعات والى الملحقيات فضلا عن الوزراء ووكلاء الوزراء والمدراء والمفتشين العامين، فما الذي بقي للمواطن العراقي صاحب الخبرة والكفاءة والنزاهة ممن لم ينتم لا الى كتلة سياسية ولا الى حزب سياسي ولا الى شئ من هذا القبيل؟.

   ولا اكشف عن سر اذا قلت بان السياسيين تمترسوا خلف المحاصصة الطائفية والاثنية، ففي الحقيقة فان المحاصصة حزبية وجهوية اولا واخير، والدليل على ذلك، لو ان مواطنا شيعيا، مثلا، يمتلك كل مقومات التصدي لموقع ما في الدولة العراقية، لم يكن بامكانه ان يصل اليه اذا لم يكن محميا من اللاعبين الكبار، من كتل واحزاب شيعية في السلطة، فلو كان المعيار في المحاصصة هو الانتماء المذهبي فقط، لوجد مثل هذا المواطن من يعينه على تسنم الموقع المناسب له، الا ان حزبية المعايير هو الذي يحول دونه ودون الموقع.

   وكذا الحال بالنسبة للمواطن السني والكردي والتركماني والمسيحي وغيرهم.       

   السؤال السادس:

   ما هو رأيك بما يقال في أن الاسلاميين اذا تنازلوا عن السلطة لسواهم، فلن تقوم لهم قائمة بعد ذلك؟.

   الجواب:

   القضية ليست قضية تنازل او تمسك بالسلطة، وانما قضية تحقيق نجاحات وتوكيد انجازات تشجع الناخب العراقي على التجديد لهم في السلطة، اما اذا فشل الاسلاميون، او غيرهم، في تحقيق ما يصبو اليه العراقيون، فليس من حق احد ان يتشبث بالسلطة ابدا، وهذا هو جوهر الديمقراطية، فبينما يكون الانجاز والنجاح معيار الوصول الى السلطة في ظل النظم الديمقراطية، تكون القوة والقوات المسلحة واللصوصية والتآمر والتوريث وغيرها من القيم الجاهلية، معيار الوصول الى السلطة في ظل الانظمة الديكتاتورية الشمولية، كما هو الحال في العديد من دول العالم الثالث تحديدا، كالمملكة العربية السعودية والاردن ومصر وغيرها من الدول التي تحكم شعوبها انظمة قمعية بوليسية شمولية.

   اننا اليوم بازاء صندوق الاقتراع، وان الناخب العراقي هو وحده صاحب الحق في ان يختار من يجده اهلا لثقته لتولي السلطة، ومما لا شك فيه، فان الناخب العراقي سيضع نصب عينيه مصالح البلاد العامة ومصالح الشعب العراقي عندما يختار وكيله في العملية السياسية وفي السلطة، واذا كانت الدوافع الدينية والمذهبية والاثنية وربما المناطقية وغيرها، هي التي كانت تقف وراء خيارات الناخب العراقي فيما مضى، فان الحال سيتغير بمرور الزمن كلما تراكمت الخبرة عند الناخب، وعندها سيقدم معايير اخرى على هذه المعايير، وبذلك سيحسن من خياراته.

   ان مشروعية السلطة ليست في هوية المسؤول، كأن يكون اسلاميا او ليبراليا او يمينيا او يساريا او ما الى ذلك، وانما في الانجاز والنجاحات التي تتحقق على يديه، ولذلك فانا اعتقد باننا سنشهد في الزمن المنظور، خلو العراق من مثل هذه التسميات، لتبقى تسمية العراق وحدها هي التي تحدد خيارات الناخب. 

   السؤال السابع:

   لقد شهدت أغلب الائتلافات السياسية انفراط عقدها بعد فترة من الانتخابات وتشكيل الحكومة، فبرأيك، ما هو الائتلاف الذي يحمل في ذاته عوامل التماسك أكثر من غيره؟.

   الجواب:

   كلنا يعرف، فان كل هذه الائتلافات قامت على اساس السعي للوصول الى السلطة، فلم تكن المبادئ مثلا مقوم هذه الائتلافات، او حتى اقتراب برامج المؤتلفين بعضهم للبعض الاخر، انما الذي يحدوهم للائتلاف هو الوصول الى سدة الحكم، ولهذا السبب فان جلها ينفرط عقده اذا لم يصل الى سدة الحكم، اي اذا لم يكن هو الذي يشكل الحكومة في كل مرة، فهي متماسكة لا زال الهدف نصب عينيها، وبمجرد انها ترى الهدف وقد تبخر او كاد ان يتبخر، تراها ينفرط عقدها مهرولة صوب السلطة.

   ولقد قلت في اكثر من مناسبة، باننا سنشهد انفراط عقد كل الائتلافات الحالية، الثلاثة الكبيرة على وجه التحديد، بمجرد ان يشعر اعضاءها بانه لم يعد بالامكان تسمية رئيس الوزراء الجديد من كتلتها.

   وان اهم سبب لهذا الامر، برايي، هو ان هذه الائتلافات عبارة عن تجمع للمتناقضين في اطار البحث عن السلطة، من جانب، ولانها لا تتشكل من عدد محدد من الاحزاب السياسية، وانما من مجموعة كبيرة من الاحزاب والتجمعات والكتل والشخصيات يزيد عددها في بعض هذه الكتل عن العشرين، ومن الواضح جدا فان من الصعب بمكان لملمة آراء هذا العدد الكبير من الاتجاهات في الكتلة الواحدة وصبها في اتجاه سياسي واحد، ما لم تكن الكتلة في السلطة تحكم، وربما لهذا السبب نرى تهالك الجميع على السلطة، ليس من اجل خدمة الناخب العراقي بكل تاكيد وانما من اجل خدمة نفسها من خلال سعيها للحفاظ على تماسكها والحيلولة دون انفراط عقدها.  

   السؤال الثامن:

   كيف تقرأ مستقبل العراق؟.

   الجواب:

   بطبعي، فانا متفائل بالمستقبل، والا لما بقيت اناضل ضد الديكتاتورية منذ ان كان عمري (13) عاما، وساكون متفائلا اكثر بمستقبل العراق اذا:

   اولا: اخذ العراقيون بزمام الامور اكثر فاكثر، من خلال تحسين خياراتهم عند عتبة صندوق الاقتراع، ليغيروا الوجوه السياسية المحروقة، ويعاقبوا اللصوص او المتسترين عليهم، ويحملوا الى سدة المسؤولية العناصر الامينة والمخلصة والنزيهة والكفوءة والحريصة والقادرة على الانجاز الصحيح.

   لقد زاد املي وتفائلي بمستقبل العراق عندما حقق العراقيون بعض مرادهم بتظاهراتهم السلمية في محافظة البصرة الفيحاء، فاجبروا وزير الكهرباء على الاستقالة، وان كنت اتمنى ان يبادر السيد رئيس الوزراء الى اقالته فورا، نزولا عند المطاليب الحقة والمشروعة للشعب الغاضب في البصرة وغيرها، على تردي الخدمات الاساسية وعلى راسها الطاقة الكهربائية.

   ثانيا: اذا تشكلت في العراق احزاب جديدة تقوم على اساس (المواطنة) وليس على اساس الايديولوجية او الدين او القومية او المذهب او اي شئ آخر، احزاب يمكن ان ينتمي اليها العضو بصفته مواطن عراقي، نقطة راس سطر.

   ثالثا: اذا تحمل مجلس النواب الجديد مسؤولياته في التشريع والرقابة على اكمل وجه، وقبل ذلك اذا واظب اعضاءه على الحضور المستمر والتفاعل الدؤوب مع جلسات المجلس ولجانه.

   رابعا: اذا شرع المجلس الجديد قانون الاحزاب وعدل في قانون الانتخابات ليحقق مبدا (صوت واحد لمواطن واحد) من اجل ان يتمكن الناخب من تحسين خياراته الانتخابية في المرات القادمة، ليتمكن من تجديد العملية السياسية وادواتها على اكمل وجه.

   اخيرا:

   اود ان اقدم جزيل شكري وامتناني للزميل الاخ العزيز الاستاذ السيد صالح القزويني الذي اتاح لي هذه الفرصة الثمينة لاطل بها على القراء الكرام، ومنه تعالى نستمد العون والسداد.

   21 حزيران 2010

مع الشكر والتقدير سلفا
تحياتي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *