العتبية كمفهوم فلسفي / بقلم باسل حنا

قبل أن يتطور مفهوم الأنسان عن العالم المحيط به لجأ قسرا الى الأسطورة كشكل عقلي بدائي وذالك في سياق سعيه لتفسير مايجري من ظواهر,الى أن بدأ بوادر التفكير بأبسط صوره تظهر وبدأ الأنسان يفلسف الأمور محاولاً أن يخرج نفسف من دائرة الشك والحيرة الى مايعرف بالحقيقة واليقين.

كانت الفلسفة وحيدة بالمظمار انذاك وقد انكب عليها الأنسان بوصفها المعيل الوحيد,حاولت بل وجهدت أن تفسر مايدور في هذا العالم,إلا ان نتاجها بالمحصلة كان منقوص وغير مدعوم بالبرهان والقانون.

كانت الفلسفة بمرحلة ما بحاجة الى شكل عقلي أخر لمعالجة الموجودات حتى قدوم الحليف الأول والأخير(العلم).

إن بروز العلم بوصفه شكل عقلي نضير للفلسفة ثمل بتنامي وتشابك مجموعة من المعطيات( إقتصاد,علاقات,أشكال تواصل,صناعات,أحتياجات) والقائمة تطول,كلها عوامل حررت القدرات والظروف التي سهلت ولادة العلم.

إن تعادل الكفتين, الفلسفة(النظرية) والعلم (البرهانية ) والقضايا الشائكة بينهما هو موضع سجال طويل كتب فيه من كتب.إن ما أقصده في مقالتي هو السؤال الذي قد يطرحه سائل,ماهو شكل الأقتران بين النظيرين؟ إن الأجابة قد تكمن بالتسلسل التاريخي البسيط الذي بدأ بالنمط النظري لمعالجة الأمور,أما الشكل النظري هذا فكان (الفلسفة)بمعزل عم مالها من أبعاد عملاتية,يبقى لنا أن نؤكد ان المرحلة الأولى بما حملته من مضامين معرفية نضرية صرفة مهدت لما يعرف بال(منهج),أما المنهج تعريفاً فاهو الطريقة العقلية التي يتبعها العالم في الوصول لمبتغاه.

وهنالابد أن نؤكد أن النظرية (الفلسفة) كامرحلة قدمت أشكال وأشكال للمنهجية والتي يعتمدها العلم الى يومنا هذا.

إن المقولة برأي العلم والتي تؤكد بأن إعادة تجربة نفسها للحصول على نتائج مغايرة هو عبث لامحال, مقولة تعتمد بصورة أساسية على منهج فلسفي في معالجة الأمور,(منهج الجوهر الواحد أو المقولة الواحدة).

دون الدخول في شرح طويل فقد عالج الفلاسفة الطبيعيين(جوهر العالم) حيث تم التأكيد بالسياق أن الجوهر الواحد لا ينتج عنه إلا جوهر واحد أي أن الحقيقة لا ينتج عنها  إلا حقيقة, وبهذا تكون المقدمات الجوهرية ذاتها لاتسوق إلا للنتائج ذاتها, خلاف غيرهم من الفلاسفة الذين اعتمدوا منهجية مغايرة تماما في فهم حقائق الأمور,فاالوجود لديهم متعدد والحقيقة قد تكون حقيقة وقد لاتكون فلا يمكنك أن تسبح بمياه النهر الواحد مرتين لأن مياه جديدة تسير دائما من حولك غير المياه التي قطعت فيها النهر في المرة الاولى,وبهذا نكون أمام حقيقة وليست حقيقة, حقيقة هى أننا قطعننا بحق النهر مجيئاً وذهاباً ولكن اليست حقيقة هى أنه لم يكن نفسه لطالما سارت مياه جديدة من حولنا دائماً, فانحن أنفسنا ولسنا أنفسنا نعبره ولانعبره(هيراقليطس), وبهذا يكون الشق الأخر من العلماء أعتمدوا المنهجية الثانية كارؤية فلسفية في معالجة المعطيات العلمية وهو(منهج التعددية أو ألا واحد) وبهذا عدلوا أنه يمكن إعادة تجربة ذاتها للحصول على نتائج مغايرة بتغير معطيات التجربة وضروفها أي انهم( أعادوها ولم يعيدوها).

أن هذا الفهم في لطريقة معالجة القضايا وألية فهما يقودنا لنستوعب كيف أن روح العالم الواحدة حاضرة بالمجالات شتى سواء إن استطاع الأنسان إيجاد هذا الرابط الروحي أو لم يستطعه,ولكن مايؤكد كلامي هو مواضيع كثيرة منها(العبثية,الحتمية,العتبية) تتجلى حق التجلي في روح العالم, والقوانين التي تحكمها هى ذاتها القوانين التي تحكم الأنسان وسلوكياته,أي أنه حتى البشر ومجلى سلوكياته وفي شتى الأحتصاصات محكومة بذالك الرابط,وعلى هذا إن الفلسفة هى الشكل العقلي الأول الذي استشعر وجود رابط روحي واحد إن صح التعبير يربط العالم .

فابلرغم من أن الفلسفة عجزت أن تقفز بالأنسان قفزة نوعية على المستوى العلمي وذالك بسسب النواقص التي لم تكن مسدودة بعد.إلا انها شكلت تلك البيئة المفتوحة التي كانت ستستوعب قدوم أي شكل عقلي أخر,وبهذا يمكن القول أن كلا النتظيرين من(فلسفة,علم) بحاجة لبعضهما ويكملان بعضهما في تفسير ودراسة الظواهر.

بالأمثلة نورد أنه وبالتطور الحاصل في مجال الفيزياء فأنه تناول موضوعات علمية بحتة مثل(الصوت والترددات والعتبيات الطبقية),وأكدت الدراسات حينها أن التردد الصوتي الذي يفوق 20,000 هيترز لاتستطيع قدرات الأنسان السمعية سماعه لانه يفوق قدرات الجهاز السمعي بالأذن,بالمقابل إن الترددات التي تقل عن16 هرتز لايسمعها البشر أيضاً وأي تردد صوتي فوق أو تحت الرقمين هو عسير لايستطيعه الأنسان.

إن ما أريد تأكيده هو أن العتبية كاقانون علمي إنما هو أصلاً رؤية فلسفية واضحة عالج من خلالها الفلاسفة الكثير من القضايا,وفيما إذا أجرينا إسقاطات لوجدنا معها أن معظم الدراسات(السيسولوجية والفلسفية) أعتمدت قبلاً (العتبية) كامفهوم فلسفي صريح, فاعلى سبيل الحصر وفيما إذا تناولنا الصراع الدائر في سورية وقضية تخوف المجتمع الدولي من أن ينتج الصراع هناك مجتمع إرهابي يمتهن ثقافة القتل ومن شأنه أن يهدد المجتمع الدولي,تدخل النظريات السيسولوجية والفلسفية الى جانب السياسة والعلم الحربي في إدارة الصراع أو أي صراع لتأكد بأن(صفر العتبية) إن صح التعبير هو جيل كامل,أي أن المجتمع الدولي لديه أربعون سنة يصفي فيها حساباته بالمنطقة وانه لاخوف من أن تخلق ظروف الحرب هناك مجتمع أرهابي لطالما أنه في عتبة الأربون سنة,هم يعرفون تماماً أن حبة القمح الواحدة سوف لن تصدر صوتاً في حال وقوعها على الأرض ولاحتى عشرين حبة أذا لم يصل العدد الى متة مثلاً حينها يصل الصوت الى عتبة ال16 هرتز  وهو مستوى قدرة الأنسان على السمعه(مستوى بروز مجتمع أرهابي).

أن ما أعنيه واضح,إن ماينتبه له الساسة والعلماء في معالجة الكثير من القضايا هو  ضرورة أنتهاج منحى فلسفي في إدارة المعطيات,ففي مجال تسويق الأوبئة وعلاجها فهم يعرفون كيف يديرون الأمور والى أي عتبة صحية يستطيعون أن يتلاعبو بالبشر,الى أي مستوى مرضي,والى اي عدد ممكن ان يجعلون الأوبئة تنتشر,والى أي مستوى ضوئي (أخضر,برتقالي,أحمر) ستقرره منظمة الصحة العالمية,وفي كل ذالك تدخل (العتيبة)كامفهوم فلسفي.

أما في مجال التكتيك يمتهن الفلاسفة العسكريين وؤية العتبية في ادارة اطراف الصراع على الأرض,ففي العلم العسكري تؤكد(العتبية) أن العدو لايشكل خطراً لطالما انه في عتبية الكر والفر والأستيلاء تارة على مناطق والأنسحاب منها في تارات اخرى وأنه لم يصل الى عتبية الأستيلاء وإدارة المؤسسات وإيجاد قاعدة شعبية والتأثير على الرأي العام والى ماهنالك,حينها من الممكن أن يكون ذالك العدو خطراً,وهنا ما يبدو واضح بأن التجلي الفلسفي لمفهوم (العتبيات العسكرية) مأخوذ بعين الأعتبار.

وكما يؤكد بعض الفلاسفة الطبيعيين على أن الوجود هو خط حركة كلي ينقسم الى سكونات وأنات تعجز القدرات البشرية(عقليا وحسيا وتجريدياً) من ادراكها لطالما أنها تحت عتبات معينة,كذالك يؤكد علم (الفيزياميكانيك) أنه في أكثر الحركات الهدروميكانيكية تطوراً فأن الحركة فيها تكون متقطعة الى أنات وأجزاء لاتقشعها عين البشر ولايشعر بها إحساس لطالما أنها بعتبات معينة غير قابلة للملاحظة.

أن السفر لرحلات طويلة يلغي مايعرف(بفوارق السباق البسيطة) فامتسابقين اثنين يحاولان الوصول الى طرف العالم الأخر فأنه سوف لن يأثر على نتيجة السباق فيما اذا كان الأثنين في قطار ونزل أحدهما من العربة الاولى والثاني من العربة الأخيرة لطالما أنهما المحطة ذاتها(عتبة المحطة),حتى في اختصاص قياس السرعات,لاتسطيع عربة تزيد سرعتها عن 140كم بالساعة من أن تصل هدف بوقت اقرب من عربة لاتزيد سرعتها عن 110 كم بل ستصل العربتين بوقت واحد لطالما انهما لم يتجاوزوا عتبات سرعة معينة.

هذه الرؤيه فيما أذا تم تجريدها من تجلياتها العلمية فاسنجد أنها مفهوم فلسفي صرف عالج على أساسه الفلاسفة على طول تاريخ الفلسفة قضايا عدة وكانت بوصفها منهج قد أكتسبه الأنسان من عقل الطبيعة ذاته العقل العلمي الذي تبناه العلماء في مسيرة العلم الطويلة, يمكن منه ومن غيره أن نعرف كيف يمكن أن تكون فيه الفلسفة والتفكير الفلسفي هو الاعب الأول,وكيف أن( عقل وروح العالم ) واحد متجلي في كل شيئ فكما هناك عتبيات في الطبيعة ومابعدها,هناك عتبيات في الفيزياء وفي الفلسفة وفي الكيماء وحتى في الحب والجمال .

بقلم باسل حنا

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *