الصليب يرقد تحت أديم النجف الأشرف



النجف مدينة المقابر التأريخية، احتلت الترتيب الأول كونها مقبرة عالمية متلونة تضم مراقد فرثية ومسيحية وإسلامية تعود إلى آلاف السنين.

ميدل ايست أونلاين
النجف (العراق) – من حيدر حسين الجنابي

مدينة المقابر

أثبتت التنقيبات الأثرية ان النجف تحتوي على اكبر مقبرة مسيحية في العراق، فمقبرة وادي السلام ذات الطابع الإسلامي كانت ثاني اكبر وأقدم مقابر العالم بعد مقبرة الفاتيكان المسيحية.
وتعرف النجف بمدينة المقابر التأريخية، بعد أن احتلت الترتيب الأول كونها مقبرة عالمية متلونة تضم قبور فرثية ومسيحية وإسلامية تعود إلى ألاف السنين.
وقال محمد بدن الميالي مدير مفتشية آثار محافظة النجف “ان التنقيبات التي اجريناها منذ سنوات ولازلنا، حول المقابر تؤكد ان النجف تحوي اكبر مقبرة مسيحية في العراق، مساحتها 1416دونم تسمى (ام خشم)، وهذه المقبرة لها امتداد واسع من محافظة النجف الى المناذرة وصولاً الى منطقة الحصية، على طريق نجف غماس فهي مقبرة كبيرة جداً وهذا هو موقع واحد ولازلنا مستمرين بالتنقيبات”.
وأضاف الميالي “عثرنا على دلالات موجودة على القبور المسيحية متمثلة بعلامة الصليب، كما عثرنا على قطعة حجرية كتبت عليها (عبد المسيح) وهو شخصية مسيحية معروفة ماقبل الاسلام، في مدينة الحيرة وعثرنا على لقى اثرية تعود الى الفترة الفرثية والفترة الساسانية وفترة ماقبل الاسلام”.
وبين “ان القبور المكتشفة في موقع ام خشم هي خمس انواع: اولاً، القبور المغطاة بالجرار الفخارية اذ يختلف عددها من قبر الى اخر واقل عدد هو 6 جرار(فيها ستة موتى)، اما النوع الثاني مغطاة بنوع من الحجر، والنوع الثالث من القبور مغطاة بطبقة من الطين، والنواع الرابع مغطى بطبقة من الفرثي، اما النوع الخامس وهي قبور نادرة عبارة عن تابوت فخاري على شكل جملوني، ومن هذا النوع ايضاً تابوت فخاري جملوني صغير لدفن الاطفال بقياس كل شخص”.
وحول المكتشفات الاثرية اكد الميالي “تم اكتشاف قناني زجاجية تستخدم لحفظ العطور وتختلف انواعها من حيث صنعها ففيها انواع نادرة وبعضها كؤوس، اذ تشتهر الحيرة بصناعة الزجاج في تلك الفترة، وتنفرد بهذه الصناعة، وتختلف اللقى الاثرية في القبور من ميت الى اخر، حسب منزلة الميت الاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن مهنته، فاللقى المكتشفة في القبر تدل على ان الميت رجلاً او امرأة، من خلال الحلي وانواعها، واغلب المكتشفات هي القناني الزجاجية والقلائد من خرز العقيق وجرار فخارية صغيرة الحجم وكبيرة، واختام عليها رسوم حيوانية، واواني عليها كتابات قديمة، وان اغلب الجرار عليها علامة الصليب، وهذا دليل على اعتناقهم الديانة المسيحية وبعض المكتشفات عليها كتابات يهودية، حتى بعد الفترة الاسلامية، بقيت هناك مناطق مسيحية ومناطق يهودية وهذا يدل على التعايش الديني، الذي يقودنا الى اهتمام علماء الاثار الغربيين بموقع الحيرة منذ عام 1932 اذ نقبت اول بعثة المانية الموقع الأثري”.
وأوضح “ان القبور المكتشفة في بحر النجف والمناذرة متشابهة وتعتبر منطقة الدكاكين او عين الشايع كما يسمونها في منخفض بحر النجف اقدم منطقة وتعود الى في فترة الساسانيين، أي الى ما يقارب 2000 سنة”.
وحول كيفية دفن الموتى ومواد الدفن يوضح “تختلف المواد المستخدمة وشكل القبر في الدفن واغلب القبور تعود الى الفترة الفرثية التي تحوي توابيت فخارية كبيرة، اذ يكون القبر جملوني الحجم بينما القبور الساسانية تكون على شكل جرار فخارية، متعددة واقل قبر يحتوي 6 جرار (أي ستة موتى)”.
وعن اهمية التنوع في الدفن يؤكد “ان التنوع في الدفن في منطقة ام خشم اكثر من تنوع الدفن في مقبرة المناذرة، لوجود تعاقب في الدفن في منطقة ام خشم فالدفن يكون فرشي ساساني، اما في المناذرة فيعود للفترة الساسانية، وسبب اهمية منطقة ام خشم الاثارية لكونها تقع على ضفاف نهر الفرات وتابعة ادارياً القضاء المشخاب حالياً. فالمناطق القريبة من الانهار الاكثر دفناً لقدسيتها، حسب اعتقادهم الديني انذاك، كما ان العلامات الموجودة على الجرار تختلف، فبعضها موجود عليها علامة الصليب، والبعض الاخر يكون الصليب معقوفا، فضلا عن وجود حروف مختلفة، ويعتقد الباحثون ان سبب اختلاف العلامات والحروف على القبور هو رمز العائلة التي ينتمي اليها الميت”.
واشار الميالي الى مستوى حفر القبور “ان مستوى حفر القبور في ام خشم والمناذرة يتراوح من 115سم الى 150سم، أي بصل الى متر ونصف، وقد عثرت بعثة يابانية في عين شايع على انواعاً من القبور، ويبدو ان القبور في بحر النجف والمناذرة وام خشم والحصية هي للدفن، اما الحيرة القديمة فهي للسكن وممارسة العبادات والتي توجد فيها الكنائس والاديرة والسكان المسيحيين، وقد عثرنا على وثيقة مهمة تؤكد ان الدير المكتشف حالياً يعود الى عبد المسيح بن بقيلة من خلال عثورنا على حجراً بالخط القديم وهذا دليل مادي مهم “.
وقال أستاذ التاريخ، الدكتور حسن عيسى الحكيم “ان المقابر كانت تصطحب الأديرة، فكثيرا من الناس كانوا يدفنون موتاهم في جزء من الدير لأكتساب قدسية المكان، فأين مانعثر على مقابر، فهذا يدل على وجود كنيسة أو دير قربها، وقد عثر في منطقة أم خشم، بالقرب من منطقة أبو صخير على مقبرة كبيرة مازالت دائرة الآثار تعمل فيها”.



التنقيب مستمر

واضاف “إن منطقة بحر النجف تحوي أكثر من مقبرة، لو اجري تنقيب لها بصورة سليمة وصحيحة يمكن ان يكتشفوا آثار (شيا) التي لم يكشف النقاب عنها بعد، وهي لاتبعد عن النجف سوى 10كم باتجاه الطارات على طريق نجف كربلاء، وعندما تقف على آثار(شيا) فأنك تشهاد المرقد الشريف للأمام علي (ع)، وهذه المنطقة فيها تلال قائمة، تعود الى عهد المناذرة، وتحتاج المنطقة الى مسح ميداني، واملنا كبير بمديرية اثار المحافظة ان تقوم بهذه المهمة، وبطبيعة الحال ان انتشار الاديرة في اماكن متعددة تكون موضع للدفن، ووجود اكثر من 33ديراً، معناه مقابر كثيرة للمسيحين في النجف الاشرف”.
وتحدث المنقب الاثاري باسم كاظم عبود قائلاً “مقبرة النجف الاشرف كبيرة جداً تبدأ من منطقة ام خشم والمناذرة وحتى مقبرة وادي السلام، فاذا اردنا حساب المساحة الكلية لمقبرة النجف دون تحديد العامل الديني فهي اكبر من حجمها الحالي بكثير، اذ توجد قبور المسيحين، وقبور فرثية قبل الديانة المسيحية تعود الى ماقبل الميلاد”
وأضاف “عثرنا على بعض اللقى المسيحية والصلبان والهدايا التي تدفن مع الموتى، كما توجد مقبرة مسيحية في منطقة ابو صخير، وقلاع كقلعة الذرب، التي تعود للفترة العثمانية هذه القلاع تحتها احد المقابر القديمة التي تعود الى ماقبل الميلاد والفترة الفرثية”.
وأوضح “توضع مع الميت قناني زجاجية صغيرة فيها بعض العطور واخرى فيها زيوت مقدسة تدفن معه، كما يوضع صليب، فضلا عن بعض الامور الحياتية من ملابس ومصوغات حسب اعتقادهم، انها ستنفع الميت في العالم السفلي، كما عثرنا خلال فتح بعض المقابر على رقيم طيني في عصور ماقبل الاسلام، يوضع مع الميت، يبين ان الميت عبد أم آمه، وقائد أم حر كما توضع معه عقود المشتريات خلال فترة حياته، او قائمة ببيعه املاكه، مكتوبة على الطين في الفترات البابلية الحديثة، وهذه المقابر منتشره في اطراف مدينة النجف”.
وتقول الباحثة سلمى حسين ان “الديانة المسيحة انتشرت في الحيرة، احدى اقضية محافظة النجف اليوم، واعتنق الناس المذهب النسطوري، في القرن السابع الميلادي أي ما يقارب عام 400م، واول ملك اعتنق المسيحية هو النعمان الاكبر سنة 420م، المعروف بالسائح الاعور”.
وتؤكد سلمى ان “الموتى من علماء المسيح كانوا يدفنون في الحيرة، اذ تنقل لنا الروايات، ان هند اخت النعمان قامت بدفن البطريك (ايشوعباب الارزني) في ديرها المعروف بدير هند الصغرى، اذ كان النصارى يعتقدون بقدسية الدفن في ارض الحيرة ومنهم البطريك داديشوغ 456م، واقاق 496م، والبطريك بابوي الذي صلبه هورمزد الثالث قيروز، ودفن سنة 481م في دير ساليق، ثم قام قيور تلميذه بنقل جثمانه فيما بعد الى الحيرة، كما مدفون فيها البطريك حزقيال جرجيس، واحودمة الذي اغتيل بأمر من كسرى انوشروان في 2 اب سنة 575م، وكذلك عبد المسيح بن بقيلة الذي كان من اعيان النصارى، لذا تشير بعض النصوص انه كان معمرا وبقى على نصرانيته بعد الاسلام وعقد صلحا مع خالد بن الوليد، اذ جاء الاسلام في سنة 14هجرية”.
تقول الاميرة الراهبة هند الصغرى اخت ملك الحيرة المتوفاة قبل 1600عاما “ليس من قوم في ميسرة، إلا والدهر يعقبهم حسرة، حتى يأتي أمر الله على الفريقين” وتحقق نبأ الأميرة، فتلك الأطلال تحكي للأجيال مجدها الغابر، وهذه القبور المسيحية لابد أن تروي حكايات تأريخ النجف الاشرف، تأريخ اعتناق المسيحية، ولابد أن يهتم بالمقابر المسيحية،، بعد أن باتت نهبا للسراق الدوليين،الذين أرادوا أن ينهبوا حضارتنا.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *