الشعب الكلداني يداً بيد مع البطريرك الجديد لأنتشال كنيسته من التشتت والأنهيار

بنظري ان غبطة البطريرك مار لويس ساكو روفائيل الكلي الطوبى، دارس ومدرك بشكل عميق وناضج لكل ما تعانيه الكنيسة الكلدانية من مشاكل ومصاعب، ولا شك ان تشخيص مكامن الداء يعتبر السبيل الأمثل لوصف الدواء الشافي، لكن من المؤكد ان حجم المشاكل المتراكمة لا يمكن النهوض بها بين ليلة وضحاها، ولهذا خير ما يمكن القيام به في الوقت الحاضر هو الحؤول دون وقوع المزيد من الضعف والتدهور والبلبلة بجسم الكنيسة، ولهذا يترتب على الكنيسة وشعبها الكلداني تكثيف الجهود المشتركة لإيقاف انحدار الكنيسة نحو الهاوية ومن ثم الشروع في تناول المعضلات لوضع الحلول الناجعة لكل منها، وبعد ذلك تبدأ عجلة الكنيسة بالدوران والتحرك نحو الأمام لكي تعيد الكنيسة هيبتها ومنزلتها التاريخية، ومن اجل ذلك يمكن متابعة النقاط ادناه:

اولاً:

ما يتعلق منها بالشأن الداخلي لمؤسسة الكنيسة والضعف الذي خيم على هيكلها التنظيمي بجهة ضعف المركزية بين ذروة الهرم وقاعدته والتي كانت عنوان قوتها في الصمود والديمومة لموجهة وتجاوز تلك المحن والإضطهادات الشرسة التي تواترت عبر قرون طويلة من تاريخها ومكنت الكنيسة وشعبها من الأستمرارية والأحتفاظ بالدين والتراث واللغة الكلدانية والطقس الكلداني، لكن بعد 2003 اعتراها الضعف والهوان بسبب الظروف المحيطة والتي لم تكن في صالح الكنيسة الكلدانية وشعبها الكلداني.

ثانياً:

كان مبادرة حكيمة من لدن حضرة بابا الفاتيكان بأن يصار الى عقد سنهودس كلداني في الفاتيكان بروما، وان تجري الأنتخابات هناك، إن هذه العملية قد ابعدت المجتمعين من اي ضغوط او تأثيرات جانبية، وهكذا منحت لهم مساحة كبيرة من الأستقلالية في القرار، بعد رياضة روحية لصفاء القلوب والمحبة المسيحية، فكان في تلك الأجواء المفعمة بالحرية والمحبة ان يجري انتخاب البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو، وقد توطدت تلك النتائج بعد تعززت بموافقة قداسة البابا على اختيار المطارنة الأجلاء.

ثالثاً:

الأوضاع التي انبثقت بعد سقوط النظام في نيسان عام 2003 ولجوء الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر الى ازاحة المكون الكلداني المسيحي من المعادلة السياسية، وإحلال المكون الآشوري المسيحي بدلاً عنه بجهة ان الأقلية الآشورية اكثر فعالية، وينبغي الاعتراف بالحقيقة التي تقول:

ان الأحزاب القومية الآشورية تميزت ببراعة التنظيم وقدسية الشعارات مما اكسبها الغلبة رغم قلة عددهم بالقياس بالمكونات المسيحية الأخرى، وبصراحة نحن لسنا غاضبين على منح الأخوة الآشوريين تلك المكانة بل الذي اغضبنا هو إزاحة المكون الكلداني من العملية السياسية وهذا نحسبه ظلم وإجحاف بحق الكلدان.

رابعاً:

كانت العمليات الإرهابية بعد عام 2004 والتي طالت الكنائس المسيحية دون تمييز، لكن الشعب الكلداني تحمل العبئ الأكبر من تلك العمليات بفضل تفوقه العددي على بقية المكونات المسيحية مما خلف حالة من التطهير العرقي ضد المكون الكلداني وبقية مسيحيي العراق، فقد طالت عمليات تفجير الكنائس وعمليات القتل والخطف والأبتزار والتشريد حتى توسعت دائرة القتل والأغتيال الى رجال الدين ومنهم الأب الشهيد رغيد كني ومعه ثلاثة شمامسة اغتيلوا في وضح النهار في مدينة الموصل يوم 3 حزيران عام 2007 وفي ذروة عمليات الإرهاب امتدت لتشمل المطران الشهيد مار بولص فرج رحو بعد اطلاق النار على سيارته وقتل سائقه واثنان من مرافقيه، وخطفه يوم 29 / 02 / 2008 واستشهد على يد خاطفيه المسلحين في مدينة الموصل يوم 13 / 03 / 2008 م.

هكذا شكلت تلك العمليات الأرهابية الدينية الإقصائية عامل حاسم في شبه تفريغ المدن العراقية الرئيسية مثل بغداد والبصرة والموصل من المكون المسيحي الكلداني وبقية مسيحيي العراق ومن المندائيين والأرمن.

خامساً:

إن إقصاء المكون المسيحي الكلداني من العملية السياسية قد الحق اضرارا كبيرة بالكنيسة الكلدانية، حيث ضعفت مكانتها امام المسؤولين العراقيين إن كان في المركز او في اقليم كوردستان، وأثر هذا على هيبتها، إذ لم يعد لها اي كلام مسموع لدى المسؤولين، وكانت مسألة تعيين مدير الوقف المسيحي والأديان الأخرى وتهميش دورها، وتفضيل رأي حزب آشوري عليها يشكل ضربة قاصمة لمكانة الكنيسة وهيبتها في وطنها العراقي فكان ذلك علامة فارقة لفقدانها الكثير من نفوذها التقليدي في القرار السياسي العراقي. والذي كان مسموعاً ومؤثراً في عهد البطاركة السابقين الذين نقرأ لهم بل نتذكر عهودهم وهم:

البطريرك عمانوئيل الثاني توما (ت 1947)، ومار يوسف السابع غنيمة (ت 1958)، ومار بولس الثاني شيخو (ت 1989)، ومار روفائيل الأول بيداويد (ت 2003).

ونلاحظ ان التراجع بدأ عام 2003 وما بعده، وكان البطريرك مار عمانوئيل دلي الثالث متفانياً ومتحملاً الظروف القاسية من القهر والعنف والإرهاب، وبقي الى جانب شعبه في تلك السنين السوداء، رغم كونه مكبلاً لا يستطيع ان يقدم اي خدمة لأبناء شعبه، بسبب عدم امكانية الوصول الى مصادر صنع القرار لرفع وتقديم معاناة شعبه لهم.

لقد كانت مبادرة حكيمة من لدن غبطة البطريرك الكاردينال عمانويل دلي حينما استقال من منصبه فاسحاً الطريق لمن يكمل المسيرة ويقود الكنيسة نحو مرافئ السلام والأستقرار.

سادساً:

رافقت انتخاب البطريرك الجديد للشعب الكلداني دفقة إعلامية مشهودة من قبل الإعلام العراقي والأقليمي والعالمي، وكان الترحيب والإشادة بشخصية ومكانة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو وما ينتظره من مهمات إن كان بشأن بناء البيت الكلداني على نطاق الكنيسة وعلى نطاق الشعب، او ما كان يتعلق بالعلاقات مع المكونات الأخرى لا سيما المكون الإسلامي أو ما هو مرتبط بالعلاقة مع الكنائس الأخرى في العراق، او ما يحمل من هموم المتعلقة بمصير مسيحيي الشرق الأوسط عموماً، نعم هذه ملفات ستكون امام البطريرك الجديد، وهذا الإعلام المكثف يعطي جرعة قوية لمنزلة وهيبة غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى لمقابلة المسؤولين الكبار في الحكومة المركزية او في حكومة اقليم كوردستان.

سابعاً:

نتابع آخر آخر تصريحات البطريرك لوكالة انباء (فيدس) الفاتيكانية الأربعاء، إذ يشير البطريرك ساكو أنه:

“يجب علينا ككهنة أن نكون مثالا يحتذى به، لا أن نسعى الى سلامتنا”، وبشكل خاص “في لحظة حرجة كالتي يعيشها العراق”، مشيرا الى أن “السينودس القادم للكنيسة الكلدانية سيُعقد في بغداد ويضيف: لقد طلبت شخصيا من جميع الأساقفة الآخرين، بمن فيهم أولئك الموجودين في الشتات، ألا يغيبوا” فمن “شأن هذا أيضا أن يكون دعما للمسيحيين، وللحكومة ولجميع العراقيين”، فـ”رؤية أن الأساقفة الكلدان يمكنهم عقد السينودس، والذهاب لتحية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، سيكون إشارة لحضور الكنيسة ولعدم الإضطرار الى الرحيل”.

اجل ينبغي ترسيخ الوجود في الوطن، وينبغي الأهتمام بالبيت الكلداني وبعد ان يغدو هذا البيت متين البنيان يمكن ان نمد أيدينا لمساعدة الجيران في المحلة والقرية والمدينة والوطن.

نحن العلمانيين سنكون السند القوي لكنيستنا، ونأمل ان تتبوأ الكنيسة مكانتها التاريخية، وحينما يكون شعبها الكلداني قوي وممثل في الحكومة المركزية وفي حكومة اقليم كوردستان سيكون للكنيسة صوت مسموع لدى الدوائر المتنفذة.

ان الهجرة المسيحية التي يهتم بها البطريرك الجديد متعلقة بشكل كبير بالحقوق المهمشة لهذا الشعب، فالوظائف محصورة للاحزاب المتنفذة، والأوساط القريبة من مصادر القرار، فبقي ابناء شعبنا الكلداني والمسيحيين وكل اتباع الديانات غير الإسلامية شبه مهملة في وطنها العراقي بل تفرض عليهم احكام شريعة اسلامية بشأن الملبس والمأكل والحريات الشخصية والأجتماعية، ويصل بهم القرار الى جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية وهذا ما يجعل هذه الأقليات تهاجر الى الأوطان التي تحترم كرامتها الإنسانية وتجعل منهم مواطنون درجة اولى وليس غيرها.

بنفس الوقت نطلب من البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو ان يعمل على فتح قنوات الحوار مع الكنائس المشرقية، ولكي نكون واقعيين ومنصفين في طلبنا نطلب من الكنائس المشرقية الأخرى ان تخطو بدورها خطوات نحو الوسطية، وحينما يخطو كل طرف خطوة نحو الآخر يكون قد وضعنا الحلول الصحيحة الناجحة لتضييق الهوة وردمها في آخر المطاف. وليس من الموضوعية ان نطلب من طرف واحد فقط ان يعمل من اجل الوحدة ونترك الآخرين متشبثين بمواقعم لا يتحركون قيد انملة. فيترتب علينا دعوة الجميع للوسطية والتقارب وليس الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية فقط ونترك الكنائس الأخرى تتشبث بمواقعها ومواقفها المتصلبة.

إن شعبنا الكلداني يضع يده بيد غبطة البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى لأنتشال كنيستنا الكلدانية من واقعها المرير وقيادة مركبها نحو بر الأمان والسلام والأزدهار لتتبوأ منزلتها التاريخية في وطنها العراقي.

د. حبيب تومي

اوسلو في 07 / 02 / 13

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *