السيد المسيـح يقـف على حـدود العـراق / زهير كاظم عبود

 

يقف على حافة الوطن بيده غصن الزيتون مكللا بشوك لم يزل يقطر دما ، لم يزل يرفض الاحتفال بمولده البهي ، لم يزل يرفض ان يشاركنا الحقد والكراهية والطائفية والموت الرخيص ، يرفض ان يدخل بيننا فتختلط دموعه السخية بدماء تيبست على وجنتيه .

ياسيد السلام لسنا نحن بل هم من سرقوا فرحنا ، وهم من تكشرت انيابهم فبانت عوراتهم ، هم من سرقوا لقمة عيش الفقراء وفرح الأطفال ، وهم وحدهم من يجر البلاد الى اقصى حفر الموت ، وهم من يبتدع المفخخات والقناصات وكواتم الصوت ، ياسيد السلام نقدر عاليا عزوفك ان تحل بيننا لأننا الغينا ايام الفرح والاحتفال ، وها هم ابناؤك ومريدوك ينتشرون في مجاهل الدنيا تاركين وطنهم الذي بنوه بعرق جباههم وسواعدهم ، وطنهم الذي تباهوا بانهم رصفوا حجارته الأولى ، صار اليوم لا يتسع لهم ، فماعادت نصف مقولتك تنطبق علينا وهم بيننا ، فالمجد لله في الأعالي لا يمكنهم ان يطفئوا نورها الا انهم الغوا المسرة والسلام .

تحولت ايامنا سوداء كالحة ورحل عنا الأمان ، ونعرف انك تدعو للتسامح والمغفرة ، ولكن كيف وخناجرهم مسنونة تقطر من دم اولادنا ، تقول لنا : احسنوا الى مبغضيكم ، و صلّوا لأجلهم ، ونقول كيف وهم يمتلئون حقدا وكراهية ولا يدعونا نكمل صلاتنا ودعواتنا لهم فكلهم صاروا يهوذا الأسخريوطي ، وتقول لنا : دعوا الأطفال يأتون الي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله ، ونقول انهم يذبحون الطفولة ويفرحون بدمهم وضياعهم ، ياسيد السلام والمسرة والمغفرة نحن ندعوهم للتسامح والتآخي وان نمجد الانسان.

وصيتك لنا لم تزل راسخة في عقولنا وضمائرنا : أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم ، وها انت تلمس اننا ننشر المحبة وليس منا من يزرع المفخخات ولا يقتل بالكواتم ، وليس بيننا من يقتل غدرا او جبنا ، وها انت تلمس اننا نتمسك ببيوتنا واعمالنا وهم يريدون بنا السوء والغدر ، نحاربهم بالمحبة فيواجهونا بالأحقاد، نحاربهم بالسلام فيسرقون بيوتنا ورغيف الخبز ، وندرك انك تريد منا حين يضربنا احدهم على خدنا الأيسر أن نعرض له الخد الأيمن ايضا الا انهم لا يكتفون بكل اجسادنا الواهنة .

وتقول لنا : ما فائدة الانسان ان كسب العالم وخسر نفسه ، ولكنهم يا سيدي خسروا العالم وخسروا انفسهم ، ولم نزل بحاجة لكلماتك لعلها تنير مكامن الظلمة في عقولهم ، ولعلهم يدركون بصيص الأمل من الله الذي كرم بني آدم و فضله على كثير من المخلوقات تفضيلا .

وتقول لنا : صلّوا لأعدائكم وصوموا لأجل مضطهديكم ، ولم نزل نصلي لهم ونصوم ، لكنهم يا سيدي اقتحموا علينا كنائسنا وقتلونا امام محراب الله ، ولم يدعونا نكمل صلاتنا لهم ، وندرك انك تقول لنا من يصفعنا على خدنا الأيسر ان ندير له الأيمن ولسنا معترضين على ذلك ابدا ، لكنهم يا سيدي لا يكتفون بالخدين بل يريدون ان تسكت افواهنا وان نصمت ابدا فهل يرضيك هذا يا سيد السلام والمحبة ، عميت قلوبهم وضمائرهم حين دنسوا بيوت الله واطلقوا الرصاص على قداسك ، وماتت كل قيم الإنسان وشرفه ومروءته حين دنست اقدامهم طهارة الصلوات وصوت الأطفال المنشدين .

ندرك وانت تقف على حدود العراق ما تراه من وجوه شاهت ومسحت عنها تقاطيعها ، وانت تلمس كيف تداس اغصان الزيتون وتفر الحمائم من اعشاشها ، ندرك انك لن تريد الاحتفال بيوم مولدك دوننا ، وانت تلمس تبعثرنا في بلاد الله بعد ان تشتت عوائلنا وصعبت جمعتنا ، كيف لنا ان نستعيد لحمتنا وأخوتنا ؟ وكيف لنا ان نجمع كواتم الصوت والمفخخات والسكاكين ونصنع منها محراثا نزرع به قوتنا ؟ كيف لنا ان نبدل المتفجرات بأشجار الزيتون ونجعلها قوتا للفقراء ، ونحن لم نزل نحمل صليبك ونتبعك اينما سرت واينما توقفت .

ندرك انك في عيد ميلادك واجم حزين ممتلئ بالهموم ، وانت تقف على حدود بلادنا التي ما عادت بلادنا ، تتحسر على ما صار اليه الحال . ونحن ايضا نمتلئ بالحزن والحسرة الى ما تحول اليه حال البلاد والعباد ياسيد المسرة

 

زهير كاظم عبود

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *