الزوعا المستفيد الأول من النزاع داخل الكنيسة الكلدانية . كيف ولماذا ؟

 الزوعا ، او الحركة الديمقراطية الآشورية ، حزب قومي آشوري علماني ، طرح شعارات قومية آشورية وتبنى في نظامه الداخلي مواد تطرح المكون الآشوري كمكون قومي وحيد يمثل كل المسيحيين ، وله من المنظرين القوميين يكتبون بهذا الأتجاه وكان في مقدمتهم الكاتب ابرم شبيرا ، الذي كتب عن الآشوريين في العراق وهو الذي عاتب السيد مسعود البارزاني لأنه يذكر المكون الكلداني بنفس الدرجة التي يشير الى المكون الآشوري ، ويعاتب الحزب الشيوعي العراقي ايضاً لأنه يشير في أدبياته الى المكون الكلداني والسرياني كإشارته الى المكون الآشوري ، والذي أراده السيد شبيراً ان يشار الى القومية الآشورية والبقية يشار اليهم كمذاهب كنسية تابعة للقومية الآشورية  وإن ذلك واضح في تنظيراته السياسية والقومية الذي نشره في كتيب تحت عنوان : (الاشوريون في الفكر العراقي المعاصر : دار الساقي سنة 2001)، وفيه يوجه الكاتب الى صهر الكلدان والسريان في البودقة الآشورية وكانت حجته ، توحيد الكلمة وخلق تجانس قومي مسيحي على المقاسات الأيدولوجية الحزبية للحركة المذكورة ، بجهة احتواء المسيحيين الآخرين في الرداء القومي الآشوري ، كما يمكن مراجعة النظام الداخلي للحركة الديمقراطية الآشوري الذي يعكس هذا الجانب الشوفيني بكل وضوح .

الحركة الديمقراطية الآشورية ومنظريها وكتابها ارادوا من الكلدان ان يكونوا فلاحين في الحقل الآشوري ، لأن الآشوريين في المدن العراقية اعدادهم محدودة قياساً بالمكون الكلداني وكذلك السرياني .

ارجو ان لا يفسر هذا المقال النقدي على انه موقف معادي من الحزب المذكور ( الحركة الديمقراطية الآشورية ) ، فيمكن مناقشة ما يورد فيه بمنطق مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة ، وليس في كيل التهم وإرسال الشتائم .

 الحركة الديمقراطية الآشورية بفضل سكرتيرها يونادم كنا ذو الباع الطويل في السياسة ودعم كامل من قبل الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر ، فقد افلح الحزب المذكور في كسب عدد كبير من ابناء الكلدان والسريان الى صفوفه لا سيما بعد 2003 ، وقد حاول الحزب المذكور استمالة مؤسسة الكنيسة الى جانبه معترفاً بمكانتها ، واستمالتها الى جانب خطابه يعني تحييدها في الشأن القومي .

بفعل حدسها السياسي ايقنت قيادة الحركة الديمقراطية الآشورية ، ان المكون الكلداني يعاني من ضعف التنظيم السياسي والقومي ، وإن للكنيسة الكلدانية مكانة مهمة في تمثيل هذا الشعب ( الشعب الكلداني ) ، فتوجهت قيادة الزوعا نحو البطريرك المرحوم عمانوئيل دلي ، طارحة تسمية ( كلدوآشور) مغيبّة المكون السرياني عن المعادلة ، وفعلاً استقبلت البطريرك بحفاوة ونظمت مؤتمراً في فندق بغداد  سنة 2003 ، الهدف إبرام صفقة مع البطريرك عن التسمية المختلطة يقبل بها الكلدانيون ، لكن في نهاية الأمر ، لم تنطلي اللعبة الحزبية على البطريرك الكلداني المرحوم عمانوئيل دلي وأدرك ان الأمر يتلخص في احتواء المكون الكلداني ، وقد تبينت اللعبة بجلاء حالما افلحت قيادة الحركة في إبعاد المكون الكلداني عن مجلس الحكم ، بحجة اننا شعب واحد ، فتنحوا انتم الكلدان جانباً ونحن نكون في الواجهة ، وكل من عارض ذلك فله تهمة جاهزة إنه انفصالي  ، ولحد اليوم يجري تمرير هذه الفلسفة التعبانة .

بصراحة الحركة الديمقراطية الآشورية تبارك كنيسة آشورية مهتمة بالشأن القومي الآشوري ، ومقابل ذلك تفضل كنيسة كاثوليكية كلدانية بعيدة عن الشأن القومي الكلداني ، وهذا محور استراتيجيتها في المرحلة السابقة والى اليوم .

قادت الحركة الديمقراطية الآشورية حملة إعلامية ضد البطريرك الكلداني يومذاك ، واستمر النهج المعادي ضد مؤسسة الكنيسة ورئيسها البطريرك ، الى وقت رحيل البطريرك الكاردينال المرحوم عمانوئيل دلي . وإمعاناً في السخرية من التاريخ الكلداني الأصيل ، كان تصريح السيد يونادم كنا لأحدى وسائل الأعلام في تعريفه للكلدان قوله : كل آشوري ينتمي الى كنيسة روما يصبح كلداني  (كذا) ، لقد كان تصريحاً سطحياً ساذجاً بحق شعب بيثنهريني اصيل ، هو الشعب الكلداني .

في الحقيقة ان الحركة الديمقراطية الآشورية لا تريد ان تقوم قائمة للفكر القومي الكلداني ، لأنه يخالف فكرها القومي الإقصائي ، ولهذا تريد ان تكسب الكنيسة الى جانبها ، لاسيما حينما تطرح الكنيسة مقولة عدم التدخل بالشأن السياسي وتوجه ذلك ان عدم التدخل بالشأن السياسي يعني عدم التدخل بالشأن القومي ايضاً ، بينما الحقيقة ان الفرق كبير بين العمل السياسي والعمل القومي يرجى مراجعة مقالي حسب الرابط : http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,758597.0.html

بعد انتخاب غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو ، تبدلت الأمور وتحسنت العلاقات بين قيادة الزوعا ومؤسسة البطريركية ، فكان الإعلام يظهر السيد يونادم كنا سكرتير الحركة ووزير البيئة السابق السيد سركون لازار الى جانب البطريرك في مناسبات كثيرة ، حتى ان غبطة البطريرك ساكو في معرض اجابته على سؤال لعنكاوا كوم حول التمثيل المسيحي في الحكومة العراقية ، كانت إشادة غبطة البطريرك بالوزير لازار بقوله :

(… إنني لم أسمِ اي شخص لشغل الوزارة فهذا ليس من شأني ويبقى هذا الاستحقاق مهم بالنسبة لنا وأتمنى من أي شخص كان بهذا الموقع أن يعمل لشعبنا وهنا أشيد صراحة بموقف وزير البيئة السابق السيد سركون لازار، لقد عمل كثيرا من اجل شعبنا، والحق يقال لنا أو علينا !).

الجدير بالذكر ان الوزير المذكور  قد طاله الكثير من النقد اللاذع من معظم اوساط شعبنا المسيحي بسبب تأييده غير المشروط  للقانون الشيعي للأحوال الشخصية ، فكان الأمتعاض من السيد الوزير ، لكن غبطة البطريرك كان له رأي آخر بالإشادة به .

إن هذه المواقف والتصريحات تصب في خانة مصلحة الحركة الديمقراطية الآشورية تحديداً فتصريحات غبطة بطريرك الكلدان في العراق والعالم له مكانته السامية في الأوساط السياسية في العراق وفي المنطقة وتصريحاته لها وزنها .

نحن مع الجهود الخيرة التي يبذلها غبطة البطريرك لويس روفائيل ساكو مع قداسة البطريرك دنخا الرابع رأس الكنيسة الآشورية بالرغم من اعتراضنا على طريقة الأستقبال التي لم تكن مناسبة بمقام ومنزلة غبطة البطريرك مار لويس ساكو ، وبعد ذلك ينبغي ان تكون جهود الوحدة مبنية على تضحية الطرفين وتنازلهما بما يفيد الوحدة وأن يخطو كل فريق نحو الوسطية الذهبية ، فلا يكون مكان لعقلية الغالب والمغلوب او القوي والضعيف ، هكذا نفهم الوحدة بين طرفين متكافئين ، ولهذا كان اللقاء غير مناسب من الناحية البروتوكولية ، فمبادرة غبطة البطريرك الكلداني لم تقابل بنفس الروحية من قبل البطريرك الآشوري ، فالأستقبال لم يكن مناسباً لمكانة ومنزلة غبطة البطريرك الكلداني ، ونحن ابناء الشعب الكلداني لم يروق لنا هذا الأستقبال .

 . هذا اولاً وثانياً ان تبذل نفس الجهود مع قداسة البطريرك مار ادي الثاني راس الكنيسة الشرقية القديمة كما بذلت مع البطريرك مار دنخا الرابع .

إن كان البطريرك الكلداني قد بذل جهوداً استثنائية مع الكنيسة الآشورية (تحديداً) ولم تقابل جهوده بنفس الحماس ، اليوم مطلوب من البطريرك الكلداني ان يتوجه لتماسك لحمة بيته الكلداني المتمثل في امور الكنيسة وفي شأن شعبه الكلداني الذي تعرض للإرهاب والتهجير والأبتزاز .

نقرأ للكتاب الكلدان المقربين والموالين للحركة الديمقراطية الآشورية والذين تنشر مقالاتهم في صدارة مواقع الزوعا قد اصبحوا بين ليلة وضحاها المدافعين عن البطريركية ، وطالما هؤلاء حاربوها في الماضي ، اليوم دأب هؤلاء يدافعون عنها ويخافون عليها من الوقوع في شباك القومية ، الغريب انهم يشجعون ويناشدون المؤسسة الكنسية في الأبتعاد عن الشأن القومي الكلداني ، بذريعة عدم التدخل في السياسية علماً ان السياسية شئ والحقوق القومية للشعب شأن آخر ، انهم يصبون الزيت لكي تتوسع هوة الخلافات بين البطريركية وبين ابرشية مار بطرس الكلدانية في كاليفورنيا . إن ذنب هذه الأبرشية لها توجهات قومية كلدانية .

 لقد كان لآبائنا في العقود الماضية  ومن العشرينات والثلاثينات والعقود التالية من القرن الماضي حينما هاجروا الى العالم الجديد ،جاهروا بهويتهم القومية الكلدانية ( CHALDEAN ) والى اليوم ، ولم يكونوا في شك من هويتهم ، كانوا واثقين من هويتهم ، والى جانب ذلك جاهر الآشوريون بهويتهم الآشورية ، ولحد اليوم ، ولهذا يجب ان يكون للبطريركية الكلدانية موقف ايجابي من طموحات شعبها الكلداني القومية ، كما هو موقف الكنيسة الآشورية بموقفها الصريح والداعم لطموحات شعبها القومية .

مع احترامنا للحركة الديمقراطية الآشورية كحزب سياسي لا يمكن ان يكون مخلصاً وداعماً للكنيسة الكلدانية وللبطريركية الكلدانية بقدر ما يكون ابناء هذه الكنيسة مخلصين وداعمين لكنيستهم ولغبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى .

علاقة الحركة الديمقراطية الآشورية بكل الأطراف بما فيها البطريكية الكلدانية هي علاقة مصلحة حزبية ، بينما علاقة ابناء الكنيسة من الكلدان ان كانوا من مهتمي بالشأن القومي ، او غير مهتمين انهم  المدافعون الحقيقيون عن كنيستهم ، ولا يهدفون الى تحقيق اي مصالح ذاتية او حزبية في هذه العلاقة الروحية الأبوية .

وبالنسبة الى الإشكالات مع ابرشية مار بطرس الكلدانية في ساندييكو ومع الرهبان والكهنة الموقوفين ، فيجدر بالبطريركية ، ان تحل هذه المشكلة بمحبة وتسامح ، وبمنأى عن الطرق الإجرائية الحكومية والحزبية المعهودة ، فنحن امام شأن إداري ، وليست ثمة انتهاكات عقائدية  او خلافات لاهوتية او هرطقة دينية ، لقد حلت مسألة الفساد المالي بهدوء وروية ، بعيداً عن نشر الغسيل على حبال الشبكة الألكترونية ، ولكن مسالة الرهبان والكهنة ، تطورت واتسعت بفضل نشرها على وسائل الأعلام بالرغم من الفساد المالي كان اخطر من الخلاف الإداري .

اقول مخلصاً :

حفاظاً على وحدة شعبنا الكلداني وكنيستنا الكاثوليكية الكلدانية ننتظر بفارغ الصبر المبادرة المباركة من لدن غبطة البطريرك ومن حكمته وكارزميته ، وباعتباره المسؤول الأول عن الشعب الكلداني وعن كنيسته التاريخية ، لكي يضع الحلول الناجعة لكل مشاكل الإدارية الكنسية ، وان يقف مع هموم شعبه الكلداني ومع وجوده وكينونته في وطنه ، ومع حقوق الوطنية التي يستحقها كمكون عراقي أصيل .

د. حبيب تومي / القوش في 25 / 11 / 2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *