الرابطة الكلدانية وقرع أجراس الخطر

                       
                          أطلق غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول بطريرك الكلدان صرخته الابوية الرعوية الشهيرة التي لم يسبقها مثيل لبطريرك كلداني، أو اي بطريرك للطوائف المسيحية في الشرق الاوسط الملتهب والمضطرب  الى العالم بأجمعه ،الى الحكام والى الكنيسة بشموليتها وكل من تهمه المسالة .وذلك في 26 / 4 / 2014 حينما قال غبطته في كلمة له : ” اقرع أجراس الخطر ،وأعلن أننا كنيسة منكوبة “. وقد أعلن ذلك غبطته لاستقرائه الميداني المعتمد على الملاحظة  والدقة في ربط المتغيرات للواقع الحالي للكنيسة في العراق . فدعى كل المعنيين الى شد الانتباه والتركيز واتخاذ الاجراءات الجدية للحد من هذه الكارثة .
  يعد اعلان البطريرك لهذه المأساة بمثابة انذار رسمي صادر من اعلى سلطة كنسية ،فالواجب يتحتم على ابناء الكنيسة باكليروسها ومؤمنيها العلمانيين الى تكريس الجهود سياسيا واعلاميا وعلى كل المستويات المحلية والاقليمية والعالمية للتحرك بجدية وكل بحسب ما تتوفر الامكانات والفرصة للمشاركة في الحد من هذه النكبة ،وان لا تقتصر التحركات على الكتابة الانتقادية فحسب وتكرار الافكار عن اسباب هجرة  المسيحيين التي باتت معروفة للكل ،بل يجب أن يكون التحرك شموليا ومدروسا وسريعا، ونابعا من الشعور بالمسؤولية وأدراك الفرد انه امام أختبار انساني تجاه شعب أقتربت ساعته للانقراض ولو من على أرضه التاريخية.
  ولما كانت الكنيسة هي جمع من المؤمنين ،فوجودها مرتبط بوجودهم في بقعة جغرافية محددة ،وتمكنهم العيش بامان وطمأنينة وتوفر كل المقومات الحياتية الاساسية للاستمرار في بيئتهم ،بينما نرى أفتقاد المسيحيين تلك المقومات في العراق، ولا سيما في السنين الاخيرة التي تعرضوا خلالها الى أبشع أصناف الاضطهاد والتهجير، وقلعه من أرض الاجداد وبشكل خاص بعد سنة 2003 للاضطرابات الامنية التي أجتاحت البلد والمنطقة الاقليمية في الشرق الاوسط،مما تسببت تلك التغيرات الى دفعهم لترك المنطقة تدريجيا بصورة جماعية لم يشهد لها مثيل في التاريخ المعاصرلاسباب باتت معروفة للجميع كما ذكرنا ،وأبرزها تلك التي لخصها غبطته في كلمته التاريخية .
أطلق البطريرك صرخته لكي يتحمل كل واحد مسؤوليته للمشاركة في الحد من الكارثة ،ولما كانت الظاهرة متشعبة ومعقدة في تكوينها وحدوثها ،فالمسالة تتطلب التكاتف من الجميع وبمختلف الاختصاصات لوضع السبل الكفيلة التي تنقذ كنيستنا من النكبة ،ويُفترضُ في مقدمتهم السياسيين من أبناء شعبنا في العراق والجماعات الضاغطة منهم في بلدان الانتشار ،ولكن كما يبدو من أستقراء الواقع ، أن الرغبة الحقيقية مفقودة على كل المستويات للتحرك ،وأصبح مكشوفا بان السياسيين ميدانيا لايفكروا بشيء الا بمصالحهم الشخصية ، بدليل منافستهم الهزلية في انتخابات مجلس النواب العراقي مؤخرا كما قرأنا وسمعنا وشاهدنا في مختلف وسائل الاعلام لدرجة وصلت الحالة بهم الى التخوين والنيل من بعضهم البعض من أجل الكرسي.
وأما منظري هذه الاحزاب ” أذا صح التعبير ” فهم منهمكون لاكثر من عقد في كشف سر مهم من أسرار الكون ،وهو سر التسمية القومية لشعب بيث نهرين  التي اصبحت شغلهم الاساسي، ودون الاكتراث لما يحدث لهذا الشعب المنكوب ، فكل همومهم وجهودهم منصبة على الاصالة لمن ؟ فهم اسرى التاريخ الذي يُكتب بحسب الاهواء والامزجة والايديولوجيات السياسية ،والاخطر من ذلك كتابته من غير الاختصاصيين في علمي التاريخ والاثار .
ولتمتع مفكرينا وقادتنا بهذه العقلية السقيمة والمتقوقعة والاناوية ، لا ارى شخصيا فائدة مرجوة منهم لانقاذ شعبنا من نكبته ومحنته ،ولهذا السبب الاساسي ،من المهم جدا تفعيل مسألة تأسيس الرابطة الكلدانية المقترحة من قبل غبطة البطريرك لتكون منبرا شموليا من خلالها يتحرك المهتمين الى الحد من الكارثة الواقعة على شعبنا المسيحي بكل طوائفه ، رابطة تتحرك من الواقع والمهنية ،  وليس من احلام الامبراطوريات البائدة قبل آلاف السنين ،ولتكن رابطة الجميع ،وأن لاتسعى لمنافسة أحد لكراسي البرلمان او المحافظة ، بل تستند على من يرى مصلحة شعبه لكي ينهض ويستقر ويعيش بكرامة ،فهي لا تسعى الى سحب البساط من تحت الاحزاب السياسية كما يتصور البعض ،لان انطلاقها ليس أيديولوجيا، حيث ان من شروطها الاساسية في طلب الانتماء هو أن يكون المتقدم مستقلا لكي يتحرك وفقا لاهداف الرابطة وليس وفقا لايديولوجية وبرنامج حزبه ، فهي لا تعير اهمية للجدالات التاريخية العقيمة ،وانما تؤكد اننا شعب واحد ومصيرنا مشترك والكل يسند ويحترم الاخر ،لان الجميع مستهدفين في الاضطهاد والتهجير والاعتداء والتهميش ، فهي تتحرك من الواقع وكما هو عليه شعبنا من الاحوال.
سوف تتبنى الرابطة فلسفة شعور الفرد بالمسؤولية تجاه الاحداث التي تصيب شعبنا فينطلق من قدراته وامكاناته المتاحة ليقدم ما باستطاعته فكريا وتخطيطيا وماليا لتحقيق أهداف الرابطة التي ستسهم بدورها في الحد من المخاطر والمشاكل المختلفة التي يتعرض لها شعبنا المسيحي في العراق، تلك المسؤولية التي ستكون مستقلة من الفكر الجمعي المتأثر بايديولوجيات سياسية تتمحور فلسفتها على المصلحة الحزبية الضيقة ،وتُقيد الفرد في ترجمة قدراته في قالب ونطاق محدد لا يمكنه تجاوزه، لانه مكبل بأفكار محددة مفروضة عليه.
ستكون الرابطة الكلدانية ردة الفعل الواقعية والمعبرة لنداء البطريرك مار لويس في اعلانه بان الكنيسة هي منكوبة ،فهي التي تسمع جديا رنين الاجراس التي تُقرع لتنبه العالم أجمع بان كنيستنا في العراق في خطر وان شعبنا على وشك الزوال،وذلك لشمولية اهدافها وبرامجها التي تتوخى الى تحقيقها ، وحياديتها ، وثم انها ستكون بمباركة كنسية ،وأن تحركها لا يتعارض والتعليم الكنسي .فالاسراع والتحرك في دعم فكرة تاسيس الرابطة ،سيكون عاملا اساسيا في المساهمة للحد من النكبات التي يتعرض اليها شعبنا المسيحي بكل مكوناته،لكي توفر عوامل الاستقرار والعيش السليم على أرضه التي رُويت من دم الشهداء في المسيحية على مر العصور. 

د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *