الدكتور فائق روفائيل بطي في ذمة الخلود

 

    غادرنا الى ديار الخلد، الشخصية الوطنية المعروفة، والصحفي المرموق، دكتور فائق بطي( ابو رافد) ، من على ارض الغربة التي عاش فيها زمناً طويلاً، مرغماً وليس مخيرّاً، جرّاء من صال وجال من العابثين بمقدرات وطن مفدّى، وطن النهرين السرمديين دجلة والفرات، ومن اركان حضارات العالم التي حرّكت البشرية، لبلوغ الرفاه والتقدم في في كل المجالات، ومع ذلك تسود بعض بقاعه حروباً ضروس، وهدمٌ مبرمج، كما هو حال الوطن الذي انجب الصحفي البارع روفائيل، ومن بعده ولده فائق.

    وصلت عام 1990 الى ديترويت، وانا لم أختبر قسوة الاغتراب، فكان لقائي بالدكتور فائق مخففا لآلامي( كان تعرفي عليه لأول مرة في برلين على هامش مؤتمر الادباء والكتاب والفنانين العراقيين) . ذهبنا انا وابو رافد لإجراء اختبار اجازة السوق الامريكية، طلبتُ ترجمة عربية للاسئلة المطلوب إجابتها، فيما اختارها هو بالانكليزية، فشلتُ في أولِ اختبار، فيما اجتازه الدكتور بنجاح.

    وجّهني وانا اعاني البطالة والفراغ والضجر، بضرورة تعلم اللغة ومعرفة قوانين البلد الجديد، ثم سلمني الى زميل في الاتحاد الديمقراطي العراقي لاعمل في مخزنه، فكان اول خروجي للعمل في منطقة غير سهلة، ومن ثم اصبحت تلك التجربة بمثابة اجنحة، حلّقتُ بها ولم أزلْ في سماءِ غُربتي.

    كان ابو رافد يتردد على لندن ودمشق، وفي كل سفرة الى دمشق كان يخبرني بموعدها، فأعدّ رسالة الى الراحل الخالد توما توماس، وعند عودته يأتي بجوابها، وكانت قمة تلك السفرات، الى مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت، حيث التقى كالعادة أبو جوزيف وابو عامل، كانت انظارنا تتجه نحو العراق وانتفاضته في الجنوب والشمال، ولكنها اجهضت، واغرقت في الدم، فنزح الملايين عبر الحدود الى تركيا.

    عندما استعاد جيش النظام مدينة كركوك في حدود يوم 21- اذار 1991، ذهبت الى مطبعة الشعب في منطقة السِفن مايل، هناك التقيت أبا رافد، وقلت له” انتهى كل شيء” وكنت في وضع نفسي متردي، لا ازلت اتذكره والابتسامة لا تغادر شفتيه، كان صابراً بعيد النظر متفائلاً، فقال: لا يهم، آت اليوم الذي فيه، نرى الشعب منتصراً، والدكتاتور مخذولاً.

    في عام 1994 شرعت اعدّ كتاباً عن بلدتي، فكتبت بعض الفصول، وسلمت نسخة منها اليه، فنقّحها وصوّب اخطائها، وألغى فقرات منها غير ضرورية،  واضاف اخرى بقلمه، فكانت تلك خير معونة اسداها لي، ساعدتني على تنقية الكتاب، الذي لم يصدر حتى عام 2014، في مطبعة نصيبين، وبعنوان( القوش حصن نينوى المنيع).

    في فترة رئاسة الدكتور فائق بطي تحرير جريدة” صوت الاتحاد” ، التي كان يصدرها الاتحاد الديمقراطي العراقي في امريكا وكندا، كنت اعدّ موضوعاً كل شهر تقريباً، فكان يراجعه ونتناقش فيه في مطبعة الشعب، التي كان يملكها الفقيد الراحل زهير سلمان. هكذا تلقيت الدروس الاولية في هذا الطريق الذي شوّقني اليه الفقيد ابو رافد، ولا انسى محاولاتي الاولى في الكتابة، قد انطلقت فترة وجودي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، في ارسال مواضيع كانت تنشرفي صوت الاتحاد المار ذكرها.

    كنت دائم التردد على شخصية اخرى، وهو المرحوم الاستاذ جورج جبوري، فكنت استعير منه اعداداً من مجلة لغة العرب لصاحبها العلّامة الخالد أنستاس الكرملي، وفيها تابعت موضوع متسلسل بعنوان ” تاريخ المطابع في العراق” بقلم والده المرحوم روفائل بطي، اخبرته بذلك، فطلب مني استنساخها له، وهكذا فعلت، كان ذلك اخر لقائي به، لم يعد يتواجد كثيرا في مشيكان خصوصاً بعد سقوط الدكتاتورية عام 2003، فاصبحت اتابع اخباره وانشطته في اربيل وعنكاوا بخاصة.

    الفقيد الغالي عميد الصحافة العراقية، لم يحد عن الدرب الذي اختاره ابداً، ظل امينا على الكلمة الصادقة، والحرف الذي اتقن صنعته، لينجز الكثير، وكان بحق مدرسة تخرج منها المئات من الصحفيين والوطنيين.

    سنظل نتذكر ابو رافد، وسيبقى معنا في مؤلفاته، سيرته، قوة شخصيته، تحمله فقدان ولده رافد، عدم رؤيته الوطن الحر الذي كان يتمناه، ستحتذي به الاجيال ويبقى خالدا مدى الدهور، المواساة لأهله وأصدقائه ورفاقه في كل مكان.

نبيل يونس دمان

nabeeldamman@hotmail.com

Jan. 27, 2016

USA  

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *