الخلط بين الهوية والعمل “خاص بالكهنة الكلدان حصراً”  

خاهه عَم كلذايا

قد يتصور البعض أن العمل يطغي على كل شئ، وعندما يعمل الفرد يجب عليه أن يهمل جميع الجوانب الحياتية الأخرى التي تكتمل فيها وبها شخصية الإنسان، مثل حياته العائلية، هويته القومية، هويته الدينية والمذهبية، وإنتسابه الوطني والمناطقي.

الإنتساب/ يسمى مَن يعمل في البناء، بنّاء وفي الهندسة مهندس، وفي الصباغة صبّاغ وفي الدين رجل دين، كاهن، قس، مُلا، إمام جامع، وغير ذلك من التسميات.

تعريف العمل/ جهد مقابل ثمن، مهما يكون نوع الجهد المبذول، ومهما يكن الثمن، وأي مجهود بدون هدف لا يعتبر عملاً، ومحور حديثنا هنا هو عمل رجال الدين، الكهنة تحديداً، هل يمكن أن نعتبر ما يقدمونه من خدمة دينية هو عملاً؟ وهل هذا العمل أو هذه التضحية أو هذا الجهد المبذول بهدف أم بدون هدف؟

اقول نعم بهدف، وهدفه هو تقديم الخدمات الدينية لمؤمني منطقته أو المجموعة التي هو مسؤول عن تثقيفها وإرشادها دينياً ومذهبياً، لأن عمل رجل الدين محدود بابناء دينه ومن ثم مذهبه بالتحديد، إذن الكهنوت عمل، ومقابل هذا العمل لم يتم تحديد الأجر سابقاً، فكانت اللمة، أي (تبسية) وهو مبلغ من المال ما يجود به المؤمن، وسابقاً كان مواد عينية مثل حنطة، او شعير او غير ذلك، وعلى ما أعتقد فإن الكنيسة لم تحدد راتباً مقابل هذا الجهد، أما اليوم فقد تباينت وأختلف الحال، فهناك قوانين نظمت هذا الأجر، اللمة وكما يقول الأب جبرائيل شمامي هي التبسية أو العُشر، وهي عَطاء ومحبة وسخاء، وتعني (يا رب إن كل ما أملكه هو منك فباركه) وما تعطيه هو عربون لما يجب أن تعطيه لله.

العمل في الكتاب المقدس/ أول ذكر للعمل في الكتاب المقدس جاء في سفر التكوين في بداية الفصل الثاني “2:2 وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل”

إذن وفق هذا المفهوم الضيق حتى الله عز وجل قد عمل أيضاً، وفي هذا تقديس للعمل او للمهنة. وفي الوصايا العشر جاء ذكر العمل في الوصية الثالثة التي تنص على “سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ”

وكذلك نرى يسوع أنه قد عمل، حيث جاء في إنجيل يوحنا 4:17 “أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ.”

إذن وإستناداً إلى ما تقدم فإن الكهنوت هو خدمة وعمل، ومقابل هذا العمل هناك أجر، مهما يكن ذلك الأجر، ومَن يكون دافع الأجر، وبالنسبة للمبالغ فلا أعتقد ان الكنيسة قد حددت أجراً للكاهن مقابل ما يقوم به من خدمة، لأننا نرى بعض الكهنة يملكون سيارات فارهة والبعض الآخر يمتلك بيوتاً وعمارات وشقق وقصور وغير ذلك، لذا أصبحت سقوف ما يملكون غير محددة، لا بل هي مفتوحة، ولا يتعارض ذلك حسب قولهم مع مفهوم الإيمان والواجبات الدينية، فكان لهم مزارع ومواشي وغير ذلك خلافاً لرجل الدين في السابق حيث كان لا يملك شروى نقير، ولم تكن لديه سوى عصاته والإنجيل، طبعاً تغير الزمن وتغيرت المتطلبات اللازمة للقيام بالخدمة الكهنوتية، أما موضوع لا تكنزوا لكم كنوزاً في الأرض، فهذا ينطبق علينا وليس عليهم.

تحديد الهوية

أية هوية/ عندما يرسم الكاهن، او المطران، من المتعارف عليه أن تُكتب نبذة مختصرة عن حياته، هويته الشخصية، حيث يُذكر الأسم الثلاثي واللقب، ثم مسقط الراس كأن يُقال، ولد في ألقوش، أو عينكاوة، او كرملش وألخ وهذا شئ جيد وتقبل به كل الرئاسات الدينية على مختلف مستوياتها، ولا تمانع في ذلك ولا يتعارض ذلك مع رسالته الإيمانية، وعندما أنتخب سيادة المطران لويس ساكو بطريركاً للكنيسة الكلدانية حسب المادة 76 من قانون الكنائس الشرقية، نشرت نبذة عن حياته، وفي أول نقطة منها يُذكر بأنه ولد في مدينة زاخو أسصطبلاني، وهذا بحد ذاته إعلان عن إنتماء، فهذه هي هويته أو إنتماؤه المناطقي، ولم يمانع غبطته في ذلك، ولم يقل بأنها تتعارض وواجباته أو رسالته الدينية، ولم يقل في وقتها بأنه أبن كل المناطق المسيحية، او ابن جميع محافظات العراق، لأنه كلام من غير المعقول أن يُنشر، لذلك كان الإعتراف بالهوية المناطقية من الأمور العادية، وعلى غرار سيدنا يسوع المسيح، “وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصرياً”

حضرتُ مناقشة بين أحد الكهنة ومسؤول كبير في الدولة العراقية قبل أكثر من عشرون عاماً، عندما وجّه ذلك المسؤول العسكري السؤال للكاهن: من أين انت؟ قال من إحدى قرى الشمال (ولم يكن يعرف بأن الجندي الذي أمامه هو كاهن) فقال له ماذا تشتغل، قال أنا قس (كاهن) فقال له مرة ثانية من أين أنت؟ قال انا مسيحي، فأجابه المسؤول لم اسألك عن دينك، يُبَه أنت منين؟ مثلاً أحنا كلنا عراقيين ولكن أنا مسلم عربي من عشيرة… من بغداد… أنت منين؟ قال أنا مسيحي/ ويبدو على ذلك المسؤول أنه على علم تام بأحوال المسيحيين العراقيين حيث كان من سكنة الدورة في بغداد ومن ثم في كركوك والحبانية ويعرف كثيراً عن أحوال المسيحيين الكلدان والآثوريين وغيرهم، فقال لي ليش أنتو المسيحيين تهملون الجوانب القومية وتتمسكون بالتسمية الدينية؟ شنهو ما عدكم عشاير؟ ما عدكم قوميات؟ وسألني لعد شنهو الكلدان والآشوريين؟ أبويه إذا ما تعرفون روحوا أقروا التاريخ زين حتى تعرفون اصلكم شنو وأنتو مِن يا شعب عريق؟ تاريخ العراق تاريخكم ليش تهملون هذا التاريخ وتتمسكون بالدين؟ والقى محاضرة فعلاً كانت قيّمة، ما معناها أن مَن له تاريخاً مثل تاريخكم يفتخر به في كل حين، الأمم تستذكر تاريخكم وأنتم تهملوه، إذا كان قدوتكم ما يعرف هو عربي لو تركماني لو كردي لو كلداني لا عتب على عامة الشعب!

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ماذا كان يكتب السادة المطارنة الجدد وهم من خريجي الجامعات ومن تخصصات هندسية وعلمية ماذا كانوا يكتبون في حقل القومية عند الجرودات التي كانت تُجرى وهم في الجامعة أو في المراحل الحياتية اللاحقة؟

وهل الإنتماء إلى الكهنوت يُسقط عنهم الإنتماء القومي؟ أليست كنيستنا كنيسة قومية؟ لماذا يسمى بطريرك بابل على الكلدان؟ لماذا لا نسميه بطريرك بابل على الكلدو آشوريين؟ إن كان مَن يحتل موقع البطريرك مؤمناً بهذه التسمية وغير مبالي بالتسمية القومية الكلدانية؟ أو لماذا لا يسمي نفسه بطريرك بابل على الكلدان الآشوريين السريان؟ ولنعتبرها تسمية توافقية لوحدة الكنائس؟ هل يجوز ذلك؟ هل يقبل بها عاقل؟ هل يقبل بها رؤساء الكنائس الأخرى؟ هل يقبل بها أبناء الكلدان والسريان والآشوريين؟ هل يعترض عليها الأرمن بحجة أن أسمهم غير ملحق بهذه التسمية الثلاثية؟ اليسوا مسيحيين؟ وهل يعجب ذلك القوميين الكلدان أم القوميين الآشوريين؟ أم لنقل بطريرك بابل على السورايي؟ فعلاً عجيب أمور غريب قضية خاصةً إذا صدرت من عقلاء القوم وكبارهم.

أنا لا أدري هل في القوانين الكنسية أو الكهنوتية نقطة أو فقرة أو مادة تشير إلى إسقاط الهوية القومية لكل مَن ينتمي إلى سلك الكهنوت؟ أرجو أن يدلّني عليها أحداً من رجال الدين بدون أستثناء. وهل في خدمة الرب يتم إسقاط الهويات القومية والوطنية والمناطقية والعشائرية؟

ولو كان الكاهن قد أسقط هويته القومية أو لا يعترف بها بحجة رسالته هي لعموم المسيحيين لماذا يهرب الكهنة إذن؟ الأسئلة التي تدور في الذهن من خلال ذلك هي:

– هل نقبل بكاهن غير كلداني ليصبح لنا مرشداً ونكون له شعباً؟

– هل نقبل بكاهن من ألإنجيليين او شهود يهوه أو نسطورياً بحجة أنه مسيحي فقط؟

– هل نقبل بكاهن لا نعرف أصوله القومية؟

أليست (المسيحية) كلمة عامة شاملة المقصود بها كل من آمن بالسيد المسيح وتعاليمه؟ بغض النظر عن إنتمائه الوطني والقومي والمناطقي والمذهبي والوطني؟ فهناك المسيحي الهندي والمسيحي الأمريكي والمسيحي الأفريقي والمسيحي العراقي الكلداني الكاثوليكي؟ ايهما اقرب إليَّ؟

التحديد واجب

تعلمنا وعلّمونا بأن التحديد واجب، فالكاهن له حدود والشماس الإنجيلي له حدوده وغيرهم من الدرجات الكهنوتية لها حدودها أيضاً، ولكل تخصص وعمل حدود وقانين وأنظمة، ما الذي يمنع الكاهن من أن يجاهر بهويته القومية خارج حدود واجباته الدينية؟ هل يمنع العمل الوظيفي من اياً كان أن ينتمي إلى هوية؟

أتمنى من الكهنة جميعاً أن يميزوا ما بين عملهم الكهنوتي وهو يهتم القومية وإنتسابهم الوطني وإنتسابهم السياسي.

ايها الكاهن… أنت عراقي قبل أن تكون مسيحي، وأنت كلداني قبل أن تكون مسيحي وأنت إنسان قبل أن تكون مسيحي وأنت القوشي وتلكيفي وتللسقوفي وغير ذلك قبل أن تكون كاهناً لذا عليك أن تميّز بين تلك الإنتماءات وعملك الحالي ككاهن، لم يقل لك احداً لا تَقُ بالواجبات الدينية لغير الكلدان.

ولم يقرض عليك أحداً أن تحدد رسالتك الدينية للكلدان فقط

ولم يقل لك احداً أن خدمتك الكهنوتية تخص الكلدان فقط

بل طلبوا منك أن لا تستهين بهويتك القومية، فغيرك يفتخر بها أيما إفتخار، وانت لو لم يكن هذا الشعب الكلداني وهذه الهوية القومية لأنتفت الحاجة إلى وجودك وإلى خدماتك.

لنا لقاء بعدة حلقات حول ما طرحه غبطة ابينا البطريرك عن بيع الهوية وخيانة الوطن.

نزار ملاخا

18/5/2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *