الخاص والعام في أزمة تشكيل الحكومة العراقية

 

ان من يصنع التاريخ ليست الافكار وحدها، بل هناك القوى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لها دور فعال في نسج الحياة وصنع التاريخ، عليه عند طرح الافكار وخلال عملية تمحيص وفعل وردات افعال وخلال فترة من الزمن لا يمكن قياسها بالمسطرة او تحديدها، تجعل هذه الافكار الامر ممكناً لكي ينتقل المرء او المجموعة او المجتمع او المكون الى تقبل الامر! وبالتالي الذهاب الى التطبيق العملي والفعلي للفكر المطروح! ولكن هذا الكلام ليس سهلاً مثل كتابته بسطور، ولكن يحتاج الى المرور وتجاوز مرحلة لا بل مراحل تطور المجتمع، فهل نحن الان في ازمة تشكيل الحكومة تجاوزنا المراحل الثلاث؟:

مرحلة1 ان الافكاروهل جعلت الامر ممكناً؟؟ ومتى ننتقل الى مرحلة2 تقبلنا الامر كقادة منتخبين من قبل الشعب؟؟؟ اذن لماذا لا يوجد تطبيق لحد الان؟ (مرحلة ثالثة) في رأي المتواضع سبب عدم التطبيق او التوافق او سموه ما تشاؤون هو :اسقاط الخاص على الاخرين! نعم المشكلة تأتي من هنا والخطر يكمن لنا من تمسكهم بأن الخاص وحده على حق! واليكم البرهان

نحن على عتبة الشهر الثالث من ازمة تشكيل الحكومة، ومرت شهرين لم يتمكن رؤساء اكبر كتلتين فائزتين من تحقيق ولو لقاء كسر الحاجز النفسي، وبعد اكثر من شهرين تم اللقاء وتكررت اللقاءات الاخرى مع الكتل النيابية المؤثرة على مستوى اللجان التي قطعت شوطاً كبيرا في انجاز اعمالها، وكلما نرى ابتسامة احدهم “كما يرى الزميل ادور مرزا” على التلفزيون نستبشر خيراً، وخلال اقل من 24 ساعة نرجع الى خط الانتظار والترقب، اذن نحن لحد الان لم نتجاوز المرحلة الاولى ان ننتقل بما هو كائن الى ما ينبغي ان يكون، اي جعل تقبل الفكر ممكناً ومن ثم تطبيقه، والسبب ليس تمسك دولة القانون بمرشح واحد الغير مقبول كرئيس للوزراء من قبل الاكثرية على ما يبدو والا لكانت الحكومة قد رأت النور خلال الفترة الدستورية فقط، وانما تمسك كل قائمة بخاصيتها “وهذا طبيعي” ولكن من غير الطبيعي هو فرض هذا الخاص “كفرد” على الخواص الاخرى عموماً، وكاننا امام حالة مرضية يُجبَر فيها المريض بضغط الدم على الاكل المالح، او وضع كمية كبيرة من السكر في شاي مريض السكر، انه لا يستسيغه وحسب، بل انه يؤثر على صحته في المستقبل وزيادة احتمال تعرضه للخطر، هذا هو حال العراق وقادته اليوم، انهم يريدون ارضاع الطفل الوليد بالكبة قبل الحليب

انني هنا لا اصدر الاحكام كوني غير مؤهل لذلك، ولكن من خلال قراءتنا للواقع نلمس بان خصوصية الفرد وحتى الجماعة يُراد فرضها على الاخرين متناسين نسبية القيم، بما معناه :هل ان عائلتي وحزبي وعشيرتي ومذهبي وفكري وطائفتي هي انبل العوائل والاحزاب والعشائر والمذاهب والافكار والطوائف؟ هنا نصل الى النقطة الحرجة! كل جانب يدعي ذلك ولكن، وجوب ان لا نبقى حائرين عند وقوفنا عندها، انها نقطة الشجاعة والجرأة والتضحية، نعم امامنا نسبية الخصوصية (فكرية – حزبية – قومية – مذهبية) فهل نقدر ان نتنازل عن نسبة من هذه الخصوصية لصالح العام (الوطنية)؟ اليس الخير هو المشترك بين الجميع؟ اذن يكون سقف الحق اعلى من سقف قوميتي وحزبي وفكري ان تطلب الامر “العام” ذلك، لا يمكن ابداً ان نفكر بأن خاصنا هو عام للاخرين! لانه لا يمكنك ان تكشف الاخرين وخواصهم ان لم تعرف ذاتك انت اولاً، عليه كنتيجة ان كنت تريد ان يعترف الاخرون بحكمتك وعقلك وافكارك وعاداتك وتقاليدك وحتى طقوسك وجوب ان تستكشف عادات وطقوس وافكار وقيم الاخرين المختلفة عنك وفي بعض الاحيان المتناقضة معك، كمثال لا الحصر: اللطم بالزناجيل وريحة الدماء في ذكرى استشهاد الحسين “عليه السلام” عند البعض “خاص”هو عمل طقسي مقدس! وعند الاخرين “عام” هو جنون القرن 21! وهلم جرا من الامثلة

نفس الشيئ ينطبق على اللغة العربية مع اللغات الاخرى، والثقافة مقابل الثقافات، والتاريخ مع التواريخ، والحضارة مع الحضارات، والمذهب مع المذاهب،،،،، اذن هناك عدم مساواة! وهذا العدم مساواة هو ما يسمى التنوع والتعدد، وازمة تشكيل الحكومة العراقية هو في قبول هذا التنوع والتعدد أي ما نكتبه ونؤمن به الا وهو :قبول الاخر، كل الاخر، لانه يجب احترام خصوصيات وقوميات ومذاهب الاخرين ان اردنا ان تُحْتَرَمْ خصوصيتنا (فكرنا وحزبنا وتاريخنا وثقافتنا ولغتنا) اذن لا يمكن اسقاط خصوصيتنا على الاخرين وبعدها نقول تعالوا نتفاهم، انت البستني قميص ضيق وبنطلون واسع ليس على قياسي فكيف اسير نحوك؟

النتيجة وخلاصتها تكمن انه لا يوجد شخص او مكون او فكر او حزب او مجموعة او قائمة ائتلافية او طقس او عادة او لغة صالحة للاخرين وفي كل زمان ومكان! فقط الخير وفعله موجود في كل زمان ومكان، وكذلك الدفاع عن الحقوق موجودة في كل زمان ومكان ما دامت غير خاضعة لمختبرات السياسة الحزبية والمصالح الشخصية للافراد والمجموعات، وخاصة نحن اليوم نعيش عادات وطقوس وثقافة وحضارة وتاريخ وسياسة الاخرين بكبسة زر، فهل نرضى ان نكون مثقفين حقاً ام نبقى عند خط اشباه المثقفين وننتظر الحدث؟ ان واجبنا ليس اكتشاف الماضي وكيف يجب ان ان اطبقه على الاخرين، نحن اليوم غير متفقين وغير متفاهمين بيننا كعراقيين في تشكيل الحكومة المنتظرة بسبب هذه “العدم مساواة” التي عبرنا عنها، والسبب هو عصياننا داخل دائرة خواصنا وعدم محاولتنا للتخلص من هذه الشرنقة، الستم معي الان ان ازمة تشكيل الحكومة العراقية هي في عدم الخروج من عنق الزجاجة؟ الا يستاهل العراق المقسم وشعبه الجريح حتى ان تطلب الامر ان نكسر الزجاجة لخاطر عيون العراق، الشعب مكسور الخاطر اليوم ولكن غداً محتمل ان ينزل الى الشارع ويطالب باعادة الانتخابات، وخاصة اذا شعر بان الحق اصبح باطل والباطل حق!

يصبح الباطل حق عندما افرض خاصيتي على الاخرين ولا اعترف بخصوصيات الاخرى – من هنا دكتاتورية حديدية – لاقيم ولا حرية ولا حقوق انسان

يبقى الحق حقاً والباطل باطلاً عندما يكتشف صفات وخواص الاخرين ويفتش ويلتقي عند المتقاربات عندها تكون العدالة والمساواة

هذه كانت النتيجة اما الخلاصة فتكمن ان عراق اليوم بحاجة الى وضع حجر الاساس للسلوك الانساني المبني على الثقة والاحترام المتبادل عند قبول الاخر بتعدد وتنوعه، ولا ننكر ان هذا يتطلب تضحيات متبادلة منها كبيرة وتجاوز الامر الممكن لنلتقي عند نقطة القبول منطلقين الى التطبيق العملي

 والعراق يستاهل

shabasamir@yahoo.com 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *