الحنطـة تقـص بالمقـص (خطـي بمقـص كقيصيلي)

تعقيب على المدعين بأن الكلدان هم الآثوريون المتكثلكون

يبدو أن الإخوة الكلدان النساطرة المتأثورون بفعـل الإنكليز لا يزالوا يصرون على إعتقادهم بأن الحنطـة تقص (تحصد) بالمقص، ربما هذه الفكرة طبعت في أدمغتهم منذ أيام تواجدهم في ديارهم في منطقة هكاري حيث أن المساحات التي كانت تزرع بالحنطة لم تكن تتجاوز حديقة منزل شرقي ويبدو أن المنجل لم يكن قـد وصل تلك المنطقة النائية المتخلفة، فكانوا يحصدون الحنطة بواسطة المقص ذاته الذي كانوا يقصون به (يجزون) صوف الأغنام أو شعر الماعز والذي نسميه في قرانا (قـَلَغَـة) وهو أكبر حجما من المقص الذي يستعمل في قص الأقمشة، هـذا حسب إعتقادي، وإلا فمن أين تولدت لديهم فكـرة (الحنطة تقص بالمقص..!)؟.

وشاعت العبارة بعد نزوحهم الى مناطقنا حتى أصبحت مثلا يتناقل على الألسن. وهم على نفس الوتيرة يطبقون القول (إكذب ثم إكذب إلى أن يصدقونك الناس). فمنذ عقود مضت نسمع ببدعتهم التي لا أساس لها والتي تنص (كل من تكثلك من الآثوريين أطلق عليه تسمية كلداني، أي ما معناه أن الكلدان هم الآثوريون المتكثلكون..!) أو هذا يعني أن التسمية الكلدانية ظهرت حديثا بعـد تكثلك بعض النساطرة حسب رأيهم دون أن يكلفوا أنفسهم بقراءة التاريخ ليقفوا على حقيقة تواجد التسمية الكلدانية والتي كانت تسمية أمتهم أيضا منذ أكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، لا بل لا يكلفون أنفسهم بقراءة تاريخ ظهور التسمية الآثورية أو الآشورية حديثا بعـد إندثارها وإنقطاع سيرتها منذ أكثر من سـتة وعشرين قرنا من الزمن أي منذ سقوط نينوى في سنة 612 ق. م وجاء بها حديثا وفد كنيسة كنتربري البريطانية الذي حل في ديارهم سنة 1884 م لأغراض إستعمارية برئاسة القس الإنكليكاني دبليو ويكرام وفق مخطط رسمت أبعاده في أروقة لندن في أواخر القرن التاسع عشر.

لا شك أن الإنسان العاقل عندما تدخل فكرة ما مخيلته ويتبناها كحقيقة يتركها ويمسحها من ذهنه بعد أن يكتشف بأنها فكرة خاطئة من خلال إطلاعه وتوسيع دائرة معلوماته وتثقيف ذاته، لكن الإخوة يبدو رغم ذلك يصرون على رأيهم القائل بأن (الحنطة تقص بالمقص) أنا شخصيا قبل أن أتعمق في التاريخ كنت أعتقد بأنني آثوري لكوني من قبيلة تخوما ونزح أجدادي من تلك المنطقة قبل قرون لضيق سبل العيش هناك ولزوال خطر المغول، إسوة بمئات العوائل الأخرى من بقية القبائل النسطورية التي كانت قـد حملت تسميات موقعية وحسب منطقة سكناها كتخوما وتياري وجيلو وباز وأورمية. وعلى ضوء ذلك الإعتقاد إنتميت الى النادي الثقافي الآثوري في بغداد سنة 1970/1971 بعد أن دخلت الدراسة الجامعية في بغداد سنة 1970 ومن خلال زميل لي (يوآرش وردة) رحمه الله وكلفت بمسؤولية المكتبة في النادي بسبب إهتماماتي الثقافية منذ ذلك الحين وكتبت مقالا تعريفيا عن مكتبة النادي حينذاك تحت عنوان (مكتبتنا) ونشر في العدد الأول من مجلة (المثقف الآثوري) الصادرة عن النادي دون أن يحمل إسم كاتبه (أي إسمي). لكني بعد أشهر ونتيجة كثرة المطالعة والقراءة وشغفي اللا محدود في هذا المجال توصلت الى حقيقة بشأن التسمية القومية الحقيقية لنا (كلدان، سريان، المدعين بالآثورية، آراميين، أموريين، نبط.. وغيرهم) من خلال قراءتي للكتب والمصادر التاريخية العربية والمترجمة وشعرت بأنني كطالب جامعي أي طالب علم ومعرفة لا يجوز أن أتبنى أفكارا تاريخية خاطئة لا أساس لها من الصحة، فتغيرت أفكاري تماما بعد وقوفي على الحقائق التاريخية فقررت الإستقالة من النادي الثقافي الآثوري ورغم محاولة بعضهم للحيلولة دون ذلك غير أنني كنت مصرا على رأيي فسألني البعض من أعضاء النادي عن السبب فقلت لهم لأنني لست آثوريا، بل أنا كلداني والتسمية القومية الحقيقية لنا هي الكلدانية وودعتهم.

لقـد بدأت إهتماماتي القومية بعد ذلك وكان أول إصطدام لي في هذا المجال مع العداد (موظف الإحصاء) في عملية التعداد السكاني لعام 1977 في بغداد والذي أراد أن أكتب إسم أفراد أسرتي في حقل القوميات تحت تسمية القومية العربية فرفضت رفضا قاطعـا وكتبـت أسم قوميتنـا (الكلدانية) رغم عدم وجود حقل بهذا الإسم بتدبير من الحكومة العراقية حينذاك لتعريبنا، وقال لي الموظف المعني بأنها ستشطب فقلت له (أنا بخط يدي لن أكتب القومية العربية بل أكتب قوميتي الكلدانية لأننا لنا خصوصيات قومية خاصة وأما إذا غيرها الجهاز المركزي للإحصاء فهذا شأنه ولكنه ظلم.

كثيرا ما نسمع من بعض المغرر بهم من المتأثورين بفعل الإنكليز بأن من تكثلك من الآثوريين أطلقت عليه التسمية الكلدانية وهناك العديد من الكلدان ومن بينهم رجال كنيستنا الكاثوليكية الكلدانية يقرأون التاريخ من خاتمته ولا أقول عبارة أخرى فهم الآخرون يتصورون كما يفتري المدعون بالآثورية التي لا وجود لها في التاريخ الحديث قطعا بأن الكلدان حملوا هذه التسمية بعد تكثلكهم وبالذات بعد عام 1445 عندما تكثلك كلدان قبرص والشام وتركوا الهرطقة النسطورية التي تبناها أجدادهم في القرن الخامس الميلادي حيث قدم مطرانهم طيمثاوس صورة إيمانه الى البابا أوجينوس أو أوجيانوس الرابع والى المجمع اللاتراني بإقناع من المطران أندراوس مطران رودس، وقام البابا أعلاه بإطلاق التسمية الكلدانية على المطران طيمثاوس ورعيته في قبرص وأطرافها وفي الشام على ضوء اللقب القومي للمطران الوارد في صورة إيمانه!

فالحقيقة أن البابا عندما إطّلع على صورة إيمان المطران طيمثاوس ووجد اللقب يتبع إسمه (طيمثاوس الكلداني) في صورة إيمانه وعلم بأنه اللقب القومي له ولشعبه فقال بأن هؤلاء المتكثلكين لا يطلق عليهم من الآن فصاعدا إسم النساطرة بل يسمون كلدانا، وربما لم يكن البابا أوجينوس وهو روماني قد سمع بإسم الكلدان أللهم إلا من خلال العهد القديم كما ولم يكن مخترعا للتسميات ليأتي ويسمي هؤلاء المتكثلكين بالكلدان كإجتهاد شخصي أو بدعة منه ولقد نشر العديد من الكتاب من رجالات كنيستنا نص الوثيقة بكل أمانة وأذكر منهم شموئيل جميل والمطران سرهد وآخرون غيرهما، والمطران طيمثاوس كان قد نعت نفسه بتسميته القومية (الكلداني) عن دراية تامة ولأن قبرص في ذلك العهد لا بل وقبله كانت تسمى (بلاد المهجر الكلداني) لهجرة الكلدان إليها نتيجة الإضطهادات المتوالية، وبذلك عاد المتكثلكون يحملون تسميتهم القومية الكلدانية العريقة الى جانب تسميتهم المذهبية الكاثوليك، وتكررت الحالة في عهد البطريرك يوحنا سولاقا سنة 1553 والذي كان قـد أسس كرسيه البطريركي في آمــد (دياربكر) وأغتيل من قبل أمير العمادية محمد باشا بدسيسة من مار شمعون برماما الذي كان مقر كرس.

 أبلحد أفرام

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *