الحقيقة التي لا نقوي على مواجهتها

الحديث عن أوضاع المسيحيين في العراق اليوم مليء بالمرارة والأسى والأمثلة والبراهين كثيرة. ومما يؤسف له، فقد قام أناس بأفعال مقيتة وطائفية ممن لا ضمير لهم ولا أخلاق ولا إنسانية، ولا نجد تفسيرا في الصمت المسيحي غير المبرر والقبول بالوضع الحالي لما فيه من تهميش وإذلال وسلب لأبسط حقوق المواطنة.
بعد سقوط نظام صدام وبدل السعي إلى بناء الأسس الديمقراطية في العراق أضحت الكيانات الطائفية والدينية تفرض سطوتها بسلاحي القدسية الدينية وبقوة الميليشيا المسلحة، ميليشيا حزبية طائفية، ميليشيات وعصابات ارتكبت جرائم بحق الشعب العراقي عموما والأقليات الدينية من ” مسيحيين وصابئة وأيزيدين ” على وجه الخصوص، إذ أصبحت هدفا لحملات التهديد والخطف والقتل ونهب البيوت وتهجير أهلها منها، وتفشت هذه الظاهرة التي صارت أمرا واقعا ومرعبا على الساحة العراقية أمام عجز الجهات الحكومية الرسمية من القضاء عليها أو الحد منها. ويستمر مسلسل الإرهاب والاضطهاد الديني الذي ضرب العراق وحالة الهوس بالتميز الديني التي تسللت إلى نفوس المتعصبين والمتشددين دينيا في بث سموم الكراهية الدينية وصولا إلى تكفير الآخر وحصره في خانة من لا يستحق الحياة، وبث الفتاوى التي تضرب التعايش الديني المفترض. وعليك عزيزي القارئ أن تتخيل انه في احتفالات العالم بمناسبة نهاية العام الميلادي ” الكريسماس” كيف أصدرت بعض الجماعات الدينية المتشددة بيانات تحث فيها المواطن “المسلم” بمقاطعة أعياد ميلاد السيد المسيح رسول المحبة والسلام استنادا إلى فتوى مغرضة على أن المسيحيين كفار وموالاتهم توقع “المسلم” في المحظور. ولن يكون بالإمكان القضاء على ظاهرة التطرف الديني إلا بالتوعية المستمرة بدءا من المؤسسات التعليمية التي  تروج لنصوص دينية مصحوبة بتأويلات متخلفة غايتها التحريض على احتقار واضطهاد الآخر بصورة عامة والمسيحي بصورة خاصة، وخلق وعي نرجسي بين جموع الطلبة، وبدون أدنى شك فالمسيحيون هم المتضررون بالدرجة الأولى من هذه النرجسية المرضية.   
لا يوجد أي سبب منطقي يجعل المسيحيين في العراق يقبلون بالاضطهاد والتمييز العلني الذي يمارس ضدهم من على المنابر أو بواسطة عناصر إرهابية وعصابات إجرامية وبعلم السلطات دون اتخاذ أي إجراء صارم. إنه لأمر مخجل ويدعو للحسرة والامتعاض. لقد مرت سبع سنوات عجاف تحملنا خلالها كل أشكال الاضطهاد والتمييز والعنصرية والتهجير،  فقط لأننا مسيحيون كتب لنا أن نحيا في عزاء وحزن مستمرين. نسكت ولا نحرك ساكنا إزاء التمييز الديني والغزو الثقافي والإرهاب الجسدي والفكري. نتجرع المعاناة في كل تفاصيل حياتنا، ومن الغرائب إننا نتلذذ بأداء دور الشاكي والمتذمر المكسور والمنهزم، ونتفاخر أحيانا بجراحنا وآلامنا وبمقولة السيد المسيح “من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر” ولا نسمح لأنفسنا بالتدبير والتفكير في ماهية تلك المظالم، وكيفية القضاء عليها والتغلب على مسبباتها.  والأغرب ما في الأمر، إننا نقف وبشكل مريب ومثير للدهشة، لا ادري إن كان هذا بوعي منا أو بدونه ضد أي محاولة لاحت لنا في الأفق وفي هكذا مناسبة لتصحيح أوضاعنا الآخذة بالانحدار وكأننا عشقنا الظلم والفساد ولا نقدر على العيش بدونهما إلى درجة نتخيل بأنهما أصبحا من موروثاتنا وسمة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، وبدونهما قد نزول من خارطة العراق، ربما نسينا أن هنالك من ارتضى لنفسه أن يكون العصا التي نُضرب بها و بلا هوادة، مثلما نسينا أن هنالك نفر ممن لبس رداء الأقلية الصامتة واللامبالاة. لقد فرطنا في حقوقنا إلى درجة أننا نسيناها، لقد أهملنا واجباتنا تجاه أنفسنا، فهانت أنفسنا على الآخرين. أليست هذه هي الحقيقة المرّة التي لا نرغب في مواجهتها ولا نريد حتى سماعها؟ إذن التغير يبدأ من دواخلنا وليس من الآخرين، الإصلاح يبدأ من ذاتنا وليس من الخارج، وفيما عدا ذلك دعوني أقول لكم، إننا لا ننشد التغيير أو الإصلاح، ولا خير فينا لو اكتفينا بالشكاء والنواح. إذا كنا نتحدث عن شراكة حقيقية في البلاد تحفظ لجميع العراقيين حقوقهم فدعونا نتحدث عن قوانين جديدة غير دينية يتساوى بها الجميع في الحقوق والواجبات، وأنا كغير مسلم لن أرضى بأن أكون من أهل الذمة في بلادي. المطلوب منا تشكيل تجمع مسيحي عراقي فعال يقوم على انتزاع الحقوق المدنية والدينية لجميع المسيحيين وتثبيتها دستوريا.

wadizora@yahoo.com
2010-07-11

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *