التنظيمات السياسية الكلدانية الى أين؟
سعد توما عليبك
في هذه المرحلة المهمة من تاريخ الأمة الكلدانية التي نأمل أن تصبح بحق
مرحلة النهضة الكلدانية الشاملة ، ينبغي أن لا نغض الطرف خجلاً أو
حرجاً عن سلبيات و إخفاقات تنظيماتنا السياسية و القومية المتواجدة
على الساحة ، و انما علينا تشخيصها و دراسة اسبابها و مسبباتها
بشجاعة و وضوح لكي نتفادى تكرارها في المستقبل و اعتبارها تجارب
تستفيد منها التنظيمات الجديدة في مسيرتها.
لقد اثبتت تنظيماتنا الكلدانية المتواجدة في الساحة السياسية العراقية ، و
بعد مرور ما يقارب عقداً من الزمن ، عدم تمكنها من استقطاب و كسب
ثقة المواطن الكلداني ، ولم تنجح أيضاً في أن تكون ركيزة يعتمد عليها
الشعب الكلداني في الظروف الاستثنائية التي مر بها العراق و لا زال ،و
كذلك اخفاقها في اثبات وجودها في الساحة السياسية العراقية كممثل
حقيقي لهذا الشعب المغبون.
لو تفحصنا الكيفية التي تأسست بها تنظيماتنا السياسية الكلدانية ،
والطريقة التي تعاملت بها مع الأحداث المتعاقبة في العراق ، و كذلك مع
واقعه السياسي و الإثني و الطائفي ، ثم مسيرتها منذ تأسيسها و الى
اليوم ، لتمكنّا حينئذ من تحديد اسباب فشل هذه التنظيمات في تحقيق الحد
الأدنى من الأهداف التي تأسست من أجلها ، بالإضافة الى معرفتنا
بالأسباب التي كانت وراء الهبوط التدريجي و المستمر لدورها و
فاعليتها على الساحتين السياسية و القومية، الى ان وصلت الى ما هي
عليه اليوم من ضعف في العمل و و شلل في التنظيم و حتى فقدانها
للاستقلالية في اتخاذ القرارات.
أمّا أسباب فشل التنظيمات السياسية الكلدانية المتواجدة على الساحة
السياسية العراقية ، فيمكننا تقسيمها الى مجموعتين من الأسباب ، داخلية
و خارجية ، و بدرجات متفاوتة من تنظيم الى آخر.
فالأسباب الداخلية يمكننا تلخيصها بالنقاط المدرجة ادناه:
1- اعتماد التنظيم على رئيس التنظيم وحده في اتخاذ القرارات و الإدارة و
الرؤية السياسية المستقبلية للتنظيم ، و بذلك غاب دور المكتب السياسي
او اللجنة المركزية في التنظيم و اصبحت تشكيلاتهما مجرد اسماء على
ورق.
2- وجود خلل في التنسيق و فقدان التواصل بين اعضاء الوطن و المهجر
، و كذلك بين الرئيس و اعضاء التنظيم .
3- عدم توفر الإندفاع والرغبة الكافيين في التعامل مع السياسة لدى
الكثير من اعضاء القيادة وافتقارهم الى الثقافة السياسية الكافية للتأثير
من خلالها على الشارع الكلداني و كسب ثقته و رضاه و تأييده.
4- الصراعات الداخلية في التنظيم التي ادت الى حدوث الإنشقاق او
الإنسحاب الجماعي منه.
5- مشاكل مالية في ادارة المقرات او في فتح مقرات جديدة.
6- عدم تمكن التنظيمات الكلدانية من بناء قاعدة جماهيرية داعمة لها ،
وهذا كان بسبب قصور في اداء التنظيمات اعلامياً و ثقافياً.
7- عجز التنظيمات الكلدانية من إقامة أو تنظيم أو المشاركة (ولو
مجتعمة) بنشاطات قومية مختلفة ، كإحتفال أكيتو ( راس السنة
الكلدانية) مثلاً ، من اجل إثبات دورها القيادي القومي.
أما الأسباب الخارجية فتتلخص بالنقاط التالية:
1- قصور التنظيمات الكلدانية في بناء علاقات صداقة و تعاون مع
الأحزاب و الكتل السياسية العراقية و على اختلاف ايدولوجياتها.
2- مد الفكر الشوفيني الاشوري داخل الوسط الكلداني ، و استخدام الكلدان
المتأشورين من قبل الأحزاب الآشورية في الخط الأول للهجوم المنظم
الذي شنّ ضد الكلدان ، و الذي بدأ بنكران الوجود القومي الكلداني ، ثم
خلق تسميات لاقومية جديدة ، و من ثم اطلاق الدعايات و الإشاعات
المفبركة بهدف اسقاط التنظيمات السياسية الكلدانية و رموزها.
3- دور حزب المجلس الشعبي ، صنيعة الحزب الديمقراطي الكوردستاني
، و اغراءاته المالية التي ادت الى انحراف التنظيمات الكلدانية عن
مسارها و مبادئها و نظامها الداخلي ، و من ثم رضوخها الكامل له لحد
السماح بتشويه التسمية القومية الكلدانية مقابل مكاتب مدفوعة الإيجار و
نثريات شهرية تدخل جيوب رؤساء هذه التنظيمات.
4- دور الكنيسة الكلدانية المحدود، و غيابه التام في أكثر الأحيان، في
دعم و اسناد التنظيمات الكلدانية و الحركة القومية الكلدانية بشكل عام.
هكذا باتت تنظيماتنا السياسية اليوم في وضع يرثى لها ، و فقدت مقومات
و أسباب وجودها بعد ان تقلص كل تنظيم ليصبح عبارة عن شخص او
عدة اشخاص لا حول لهم ولا قوة عدا نشر بيان او اثنين في الأنترنت و
بمناسبات محددة ، و طرق ابواب مقرات الأحزاب الآشورية للجلوس معها
و أخذ المشورة منها!. اما مقراتها في بلدات و قصبات شعبنا الكلداني
فبدأت تقفل ابوابها الواحدة تلو الأخرى، مواقعها الألكترونية اصبحت
شبه مجمدة ، و الطامة الكبرى هي التحول المفاجيء في ولاء زعمائها
الى الآيدولوجيات الشمولية و الشوفينية السيئة الصيت و التي تتميز بها
كل الأحزاب الآشورية دون استثناء، ومنها تغنيهم بالتسمية الثلاثية
اللاقومية بعد توقيعهم علناً على تبنيها و الترويج لها و التي تتناقض
تماماً مع ما هو موجود أصلاً في الأنظمة الداخلية للتنظيمات الكلدانية ،
وتنصلها علناً عن الأهداف التي تأسست من أجلها.
و ختاماً نأمل ان تقوم تنظيماتنا السياسية الكلدانية بمراجعة شاملة
لمسيراتها، و أن تعيد النظر في اسلوب ادارتها لتنظيماتها، و ان تتقبل
المشورات و النقد الموجه اليها من قبل ابناء شعبنا الكلداني، و تضع
جانباً المصالح الشخصية، و أن تتراجع عن المساومة على مبادئها و
أهدافها ، و أن لا تفرط بمصلحة الأمة الكلدانية العليا في المحافظة على
تاريخها و اسمها و حقوقها المشروعة في بلدها و بلد أجدادها.
و بذلك قد تتمكن من ان تستعيد ثقة المواطن الكلداني بها، أو على الأقل
ان تضع قدمها على الدرب الصحيح الذي يتوافق و المصلحة العليا للإمة
الكلدانية و نهضتها المنشودة ، أو أن تنسحب من الساحة حافظة ماء
وجهها، فاسحة المجال للناشطين الغيارى من أبناء أمتنا الكلدانية لتحمل
المسؤولية.