الامم بين اكاذيب السلف والخلف

لقرون خلت، بلغت اكاذيب كبيرة للسلف مرتبة وكنها حقائق لا يرقى اليها الشك ولا يجوز مناقشتها، وتحول بعض منها الى ما يشبه المأثر و المناقب والمقدسات، تتغنى بها الشعوب ويصفق لها مؤرخون وسياسيون متعصبون وساذجون في ان معا، ولعل ضخامة بعض منها وبساطتها كانت وراء خلودها، وكما استفاد العلم العسكري من خطط المغول العسكرية فان الالمان كانوا في مقدمة المستفيدين من تلك الاكاذيب يقول هتلر: (اجعل الكذبة كبيرة وواظب على نقلها بين الناس وفي نهاية المطاف فسوف يصدقها الناس). وعرف غوبلز وزير اعلام هيتلر الاكثر تمسكا بالاستعانة بالاكاذيب. واليكم بعضا من اكاذيب الغابرين: قالوا ان نيرون احرق روما وراح يعزف الموسيقى ويغني فرحا بذلك، والحقيقة انه كان يومذاك على بعد (50) كم عن روما وبمنزله الصيفي، ولما سمع بالخبر قفل راجعا لأخماد الحريق. وعن هولاكو قالوا انه دمر بغداد وجعل من كتبها جسرا يعبر فوقه مقاتلوه واصطبغ لون الماء بلون الحبر!، واذكر اني قرأت في مجلة تراثية عراقية قبل اكثر من 30 عاماً بان الخبر لم يكن له اساس من الصحة، وعن هولاكو ايضاً، انه هزم على يد سكان اربيل وقرأت لمؤرخين كرد بانه لم يمر باريبل قط، وهل من المعقول ان يهزم هولاكو في اربيل وهو الذي احتل بغداد وعواصم اخرى ضخمة؟

ولعل تأريخ العرب والمسلمين والشرقيين عموما كان وما يزال مرصعاً بالاكاذيب الكبيرة اكثر من تواريخ الامم الاخرى. فقبل ايام وقفت على سخرية كاتب عربي من الحكاية التي نسبت الى طارق بن زياد لما عبر البحر الى اسبانيا، وكيف انه وحسب الروايات احرق سفنه وقال لمقاتليه جملته المشهورة: (العدو من امامكم والبحر من وراكم.. الخ) والتي وردت في خطبة حماسية له باللغة العربية. ان هذه الكذبه ايضاً من الاكاذيب الكبيرة البسيطة والشهيرة التي ما برح بعض من الناس يصدقونها الى يومنا هذا. علما ان طارق بن زياد لم تكن لغته العربية سليمة اي لا يجيدها بطلاقة لانه كان امازيغيا. ومن أكاذيب السلف الكبيرة ايضاً ما نسب الى الخليفة العباسي المعتصم بالله وكيف انه جرد جيشاً لمقاتلة الروم تلبية لاستغاثة امرأة قالت له (وا معتصماه) تشكياً من ظلم الروم لها. وحسب المؤرخين العرب انفسهم ان هذه الرواية باطلة لصلا ولا اساس لها من الصحة ايضا.

لقد بيض التأريخ وجوها سوداء وسود وجوها بيضاء، وبالاخص تأريخ الاولين اذ ظلم دون وازع من ضمير أو رحمة (قرقوش) الذي نسب اليه الكثير من الظلم الى درجة ان ظلمه اثار الضحك و(شر البلية ما يضحك) في حين تروي الحقائق انه كان عادلا منصفاً ونزيها قلما يجود التأريخ بأمثاله. ان اكاذيب الاولين عاشت قروناً بسبب عدم توفر اجهزة الاتصالات الحديثة وقلة الباحثين الجيديين في حين نجد اكاذيب الاخرين حكاما كانوا أو من غير الحكام لا تدوم في ايامنا هذه سوى اياما واحيانا ساعات ودقائق ويتم تكذيبها بسرعة خارقة. لقد انتهى زمن الاكاذيب الكبيرة وولى الى غير رجعة امام ظهور اجهزة الاتصالات الحديثة. كالأنترنيت والفضائيات التلفزيونية والراديو والموبايل ..الخ

عبدالغني علي يحيى

Al_botani2008@yahoo.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *