الاحزاب الحاكمة في العراق تتناحر علناً وتتحدث عن الحوار

كتل المحاصصة الطائفية تعد لمؤتمر وطني للحد من مشاعر العداء التي أشعلها قرار رئيس الوزراء نوري المالكي باعتقال طارق الهاشمي.

ميدل ايست أونلاين
بغداد – من سؤدد الصالحي

الشعب يغلي على حكومة متناحرة

في محاولة للتراجع عن شفا الأزمة تعمل الفصائل السياسية المنقسمة في العراق على التوصل إلى حلول على المدى القصير لتهدئة الأزمة التي تهدد بالعودة إلى الصراع الطائفي لكن ربما تظل الاختلافات الجوهرية قائمة.
ويعمل زعماء سياسيون من كتل سنية وشيعية وكردية على عقد مؤتمر وطني هذا الشهر للحد من مشاعر العداء التي أشعلها قرار رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي باعتقال طارق الهاشمي النائب السني لرئيس العراق لاتهامات بتشكيل فرق اغتيالات بعد انسحاب آخر القوات الأميركية من العراق.
وقال دبلوماسي غربي “الناس يتحدثون عن الحوار. يبدو فعلا أن الهدوء والعقلانية هما اللذان سيسودان. أعتقد أننا تراجعنا (عن شفا الازمة)”.
ولنتائج الأزمة العراقية تداعيات أوسع نطاقا في منطقة تأخذ فيها الاضطرابات في سوريا بعدا طائفيا في الوقت الذي تتصارع فيه إيران ودول الخليج المجاورة وتركيا إلى الشمال من العراق على بسط نفوذها.
وعلى المحك في بغداد بقاء حكومة هشة يجري فيها اقتسام السلطة بين التحالف الوطني الشيعي المدعوم من ايران والعراقية التي يدعمها السنة وكتل كردية والتي يجري فيها تقاسم الحقائب الوزارية والمناصب الأخرى لكنها وجدت صعوبة بالغة في العمل نتيجة الريبة الشديدة المتبادلة.
وفي خطوتين تهدفان فيما يبدو إلى تهدئة الأجواء دعا المالكي إلى استقرار سياسي كما دعا أسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقيين إلى “بناء الحاضر والمستقبل قلبا واحدا ويدا واحدة”.
ووافقت الكتل المختلفة فيما يبدو على حضور المؤتمر الذي يعقد في وقت لاحق هذا الشهر والذي اقترحه النجيفي والرئيس جلال الطالباني وهو كردي وترك المحاكم تحل مزاعم المالكي فيما يتعلق بالهاشمي.
لكن سياسيا شيعيا رفيعا طلب عدم نشر اسمه لا يرى أملا يذكر في أن يسفر الحوار الوطني عن نتائج.
وقال العضو في مجلس النواب العراقي “ليس من المتوقع أن يقدم هذا المؤتمر شيئا جديدا ولكنه سيقدم سببا مقبولا لقادة العراقية لإنهاء مقاطعتهم وحفظ ماء وجوههم”.
وبالنسبة للحظة الراهنة فإن مقاطعة الكتلة العراقية للبرلمان ما زالت قائمة كما أن اقتراحات بإجراء انتخابات مبكرة وهي ليست مقررة قبل 2014 وإجراءات أخرى على المدى الطويل لا تلقى تأييدا كبيرا.
وسيتضح استمرار مقاطعة العراقية من عدمه اليوم وقت عودة البرلمان من عطلته وعقد حكومة المالكي اجتماعها الأسبوعي المعتاد.
وفي الأسبوع الماضي قاطع وزيران من السنة من العراقية أحدهما وزير المالية رافع العيساوي الاجتماع كما تغيب أربعة عن الحضور وكانت لهم مبرراتهم لكن اثنين آخرين حضرا مما يبرز الانقسام الموجود داخل العراقية.
وقال عضو شيعي في مجلس النواب يوم الأحد إنه سينسحب من الكتلة بسبب استيائه من الطريقة التي يتخذ بها زعماؤها القرارات وطريقة تعاملها مع أزمة الهاشمي وانضم إلى 11 آخرين من الكتلة العراقية انسحبوا خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وقال زعيم سني رفيع في الكتلة العراقية إن الكتلة “حقيقة مقسمة ومنكسرة… كل (قادتها) يريدون العودة إلى عملهم. المالكي أذل (قادة) العراقية وهم الآن مستعدون للتضحية بالهاشمي”.
وفي حالة انسحاب بعض وزراء العراقية فربما يكون آخرون داخل الكتلة مستعدين لتولي المناصب الشاغرة مما سيؤدي إلى تقوية موقف المالكي.
وفي حالة انسحاب العراقية أو انقسامها فمن المرجح أن يلجأ المالكي إلى شركائه الأكراد والمنشقين من العراقية الذين انفصلوا بالفعل عن الكتلة سعيا منه لتكوين حكومة أغلبية.
وقال كمال الساعدي وهو قيادي بارز في حزب الدعوة الاسلامي الذي ينتمي إليه المالكي “حكومة الأغلبية هو واحد من الخيارات. ليس الخيار الوحيد ولا الخيار المطروح حاليا”.
كما أن المالكي ربما يواجه معارضة من داخل التحالف الوطني حيث بدا أن بعض أعضائه يستغلون الأزمة للمطالبة برئيس وزراء جديد أو للتفاوض حول مناصب أو مزايا أخرى.
وأشعلت الخطوة التي اتخذها المالكي ضد الهاشمي ومطالبته بأن يقيل البرلمان صالح المطلك نائب رئيس الوزراء أسوأ أزمة سياسية في العراق منذ نحو عام.
وجعل المالكي الكتلة العراقية تواجه تحديا لتهميش الهاشمي وهو من كبار الزعماء وإلا ستفقد نفوذها داخل الحكومة. وربما يتعين على العراقية أن تقرر في نهاية الأمر ما إذا كانت ستظل متماسكة أم أنها ستنقسم في الوقت الذي بدأت فيه الشقوق تظهر بالفعل.
ويمكن ان تسلك الأزمة العراقية مسلكين.. إما التراجع عن الاضطرابات أو السقوط في هاويته مما يهدد الحكومة التعددية الهشة وقد يجدد إراقة الدماء بعد انسحاب آخر القوات الأميركية في منتصف ديسمبر/ كانون الاول.
ومن الممكن أن تؤدي التوترات المتصاعدة إلى انهيار التجربة الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في العراق بعد احتلاله في الوقت الذي ما زالت البلاد تعيد فيه بناء قوات الأمن التي تواجه مسلحين من السنة مرتبطين بالقاعدة ما زالوا قادرين على تنفيذ هجمات فتاكة شبه يومية.
ومن الممكن أن يفتح السجال السياسي الباب للتدخل الأجنبي وللجماعات الشيعية والسنية لتكثيف الهجمات مما سيؤدي إلى إحياء الصراع الطائفي.
وعلى الرغم من الخطاب الانفعالي فإن السياسة في العراق تقوم على مفاوضات مطولة في الكواليس تؤدي في النهاية إلى صفقات. واستغرق اتفاق تقاسم السلطة ذاته أكثر من نصف عام من التفاوض والمقايضات نظرا لرغبة كل كتلة في الحصول على مناصب بعينها.
وتحاول أطراف لم تكن لتجتمع لولا هذه الأزمة مثل جو بايدن نائب الرئيس الأميركي وشريك المالكي رجل الدين المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر والرئيس الكردي مسعود البرزاني لمحاولة الحفاظ على تماسك الحكومة.
لكن السؤال الرئيسي الآن هو الخطوة التالية التي ستتخذها الكتلة العراقية.
يجري الحزب محادثات مع كتل أخرى ويحاول التوصل إلى ان يجري البرلمان اقتراعا لحجب الثقة عن المالكي. وسيتطلب أي موقف ضد المالكي مساندة من الكتلتين الكردية والشيعية التي ينتمي إليها المالكي.
وسيتعين على العراقية حساب الخسائر المحتملة لمناصبها الحكومية مقابل أي مكاسب محتملة ربما تحققها من خلال الانسحاب من الحكومة. وتشغل العراقية منصب رئيس البرلمان ونائب رئيس العراق ونائب رئيس الوزراء ووزارة المالية.
والخطورة بالنسبة للمالكي هي تحالف الاكراد مع السنة. لكن الأكراد ربما يرون ميزة اخرى في استغلال الأزمة كوسيلة للتفاوض مع المالكي في القضايا المتعلقة بهم مثل السيطرة على موارد النفط والأراضي المتنازع عليها بين بغداد وكردستان العراق بدلا من مساندة العراقية.
وقال أحد القادة الأكراد البارزين “بصراحة الاكراد غير مستعدين للتضحية بمصالحهم الاستراتيجية وتحالفاتهم من أجل الهاشمي. لا أعتقد أن العراقية ستنجح”.
لكن استياء السنة من المالكي بالغ واتهمته العراقية بالفعل بمخالفة اتفاقات تقاسم السلطة.
وبعد نحو تسع سنوات من الغزو الأميركي الذي أطاح بالرئيس الراحل صدام حسين ما زالت التوترات الطائفية قريبة من السطح في العراق حيث أسفر العنف بين السنة والشيعة عن مقتل الآلاف عامي 2006 و2007 .

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *