الاب هنري بولاد اليسوعي : خطة الإسلاميين إفراغ الشرق من المسيحيين والاستيلاء على كلّ العالم

هالة حمصي
2012-01-04

الامل خاب من “الربيع العربي” على “المدى القريب”. لكنه ليس خائبا على المدى البعيد. ففي قراءة استشرافية لمستقبل المسيحيين في الشرق الاوسط، يرى المفكر والباحث والكاتب الاب هنري بولاد اليسوعي “ربيعا مسيحيا، بعد خريف وشتاء صعبين”. واذا كان ينظر بشيء من الايجابية الى مستقبل المسيحيين، وهو الذي تكلم صراحة عن وضعهم امام البرلمان الاوروبي في بروكسل في ايلول الماضي، فذلك لاتكاله على “الروح القدس”. “ثمة قوة تقود التاريخ. اؤمن بذلك. والحداثة لا مفر منها”، يقول لـ”النهار”. ما يراه بولاد في الحوادث السياسية المستجدة في مصر هو “استيلاء الاسلاميين على الثورة”. والمشهد يتطابق ايضا في “تونس وليبيا، وسوريا في المستقبل”، على قوله. ويقول: “لا مفر من الاسلاميين في المرحلة المقبلة، كقوة جوهرية في المنطقة. عرف الغرب ذلك، ويشجعهم على تولي الحكم. هناك واقعية في الغرب ان الاسلاميين يمثلون الكتلة المنظمة التي لديها رؤية وبرنامج”.
واذا كان الاسلاميون يعلنون “ان لديهم برنامج حل”، فان بولاد يدعوهم الى ان “يقولوا لنا ما هو هذا الحل، وما هذا الاسلام، وما هذه الشريعة التي ينوون تطبيقها”. في رأيه، شعار “الاسلام هو الحل” المرفوع حاليا من الاسلاميين “يتطلب ان يُترجَم بالافعال والقوانين”. وما يلاحظه هو “ان الاستقطاب الحالي ليس مسيحيا – مسلما، بل هو ليبرالي-اسلامي. هناك اذًا تضامن كبير ما بين المسيحيين والمسلمين المستنيرين الليبيراليين، الذين يدعون الى دولة علمانية مدنية ديموقراطية مبنية على حقوق الانسان، وليس الشريعة الاسلامية”.
غير ان الامور، كما يراها حاليا، لا تسلك وجهة هذه الدولة، بل “تتخذ اتجاها عكسيا”. يقول: “الامل بالنسبة الى المسيحيين هو ان يطوِّر الاسلاميون انفسهم. فاذا قدموا برنامجا صبغته الشريعة او الاسلام، فلن يكون متماشيا مع العصر”. واقع آخر يقف عند ابعاده. “نعم، المسيحيون يعيشون في الخوف. عدد منهم هاجر (من مصر)، ويتوقع ان يرتفع عددهم في المرحلة المقبلة”.
يشجع بولاد على “تمسك المسيحيين بوجودهم” في الشرق الاوسط عموما، وخصوصا في مصر، علما ان “الامر لن يكون سهلا، وسيعيشون مرحلة صعبة، والكفاح سيكون متواصلا”، على قوله. والامل يراه في ان “يضعوا يدهم بيد المسلمين المستنيرين، كي يدافعوا معا عن الانسان والمجتمع، من اجل المساواة وسيادة القانون وحقوق الانسان”.
وتجاه خشية بعضهم من “ان يواكب الربيع العربي خريف مسيحي”، يذكّر بان “بعد الخريف يأتي عادة الشتاء، فالربيع”، مشددا بذلك على “اقتناع عميق لديه” بان “الربيع لا بد آت، لانه، كما ارى، لا اجابة لدى الاسلام عن المشكلات العصرية ورغبات الجيل الجديد، ويحتاج الى ان يعانق الحداثة. واعتماد الشريعة الاسلامية في انظمة دول الربيع العربي ليس اطلاقا الحل. واملنا في ان يثبت ان حلهم هذا ليس حلاً”.
ايا يكن المكان الذي يعيش فيه المسيحيون، اكان في لبنان ام مصر ام سوريا ام العراق ام ليبيا ام تونس… الحل هو “ان يتكاتفوا مع المسلمين المعتدلين الذين يريدون ان يبقوا مسلمين في دولة حديثة. وعلينا ان نتضامن مع الاتجاه الاسلامي المعتدل، ونكافح من اجل نظام ليبرالي حديث يمكن ان نرسي عليه دولة حديثة”.
ويفتح صفحة “الهوية”، “هذه القضية الجوهرية والرئيسة”، على قوله، “التي تحتاج الدول العربية الى ان تفتش عنها حاليا”. واذ يسأل: “هل تعني الهوية ان نرجع الى الذقون والطقوس الجاهلية؟”، يرى “ان العرب فشلوا في مواكبة الحداثة. فهم لا يعيشون في الواقع، بل في الشعارات. وحضارتهم مبنية على كلام كبير، كلام بصوت عال. هناك كذب ورياء ونفاق فظيع”.
تراجع عدد المسيحيين في الشرق الاوسط، بحيث باتوا لا يشكلون اكثر من 4% من السكان (وفقا لمركز البحوث “بيو”) “نسبة خطيرة جدا”، يقول بولاد، معتبرا ان “الخطة تقتضي بان تصير النسبة 0%. خطة الاسلاميين تفريغ الشرق الاوسط من المسيحيين، و”اكل” وجودهم تدريجيا، كما حصل في شمال افريقيا في الماضي. خطتهم هي الاستيلاء على كل العالم، ابتداء من الشرق، مرورا باوروبا، فكندا، ثم اميركا”.وتجاه هذه الخطة، يدعو بولاد المسيحيين الى “نهضة مسيحية روحية ولاهوتية ورعوية واخلاقية حقيقية من خلال العودة الى الانجيل الحي”. ويقول: “تمسكهم بالمسيحية حاليا هو تمسك بالطقوس والتقاليد، اكثر مما هو تمسك بالجوهر والانجيل. وعلى رؤساء الكنائس ان يبدأوا بعيش التوبة الحقيقية، ويعودوا الى الانجيل”.
وبماذا تفيد هذه العودة الى الانجيل؟ يجيب: “تفيدهم في ان يصبحوا مسيحيين حقيقيين، وليس في الهوية او الاسم. والنهضة التي اتكلم عليها، او التوبة او الاهتداء، يجب الا ننتظر منها ثمارا وقتية. ثمارها ستأتي في وقت لاحق. المعركة اذًا روحية شخصية، يجب ان تبدأ من القمة الى القاعدة، او من القاعدة الى القمة”. والى جانب “النهضة الروحية التجديدية للايمان”، يضيف “الجانب الاجتماعي والالتزام السياسي”.
اما “الامل من ناحية الاسلام”، فيراه في “كتلتين هما اقرب ما تكونان الى المسيحية، وهما الليبرالية والصوفية”. ويسأل: “الى اي مدى يمكن ان يتكاتف المسيحيون مع الصوفيين المضطهدين بدورهم من الاسلاميين؟ ومَن مِنَ المسيحيين دخل حقيقة في البيئات الصوفية؟”، قائلا: “عندما اتكلم على الالتزام الاجتماعي والسياسي، اعني بذلك السؤال عن الحركات والاستراتيجيات التي يمكن ان تحقق ائتلافا. فالسياسة تعني ان نحاول تشكيل جبهة في مواجهة جبهة مضادة، مع برنامج وخطة وآليات”.
عندما يقرأ بولاد المستقبل، يرى مشهدا لا لبس فيه. “المسيحيون، كالمسلمين، على مفترق طرق. والتحدي المشترك بين الفريقين هو الحداثة. كيف نواجه هذه الحداثة من دون ان نفقد هويتنا؟ هذا هو السؤال”. بالنسبة اليه، “الحداثة هي الانجيل في التاريخ… ومن اسّسها هو السيد المسيح. وهي اكبر تحد للانسان، كي يكتسب انسانيته”.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *