الأمة الكلدانية والنهضة القومية

الأمة الكلدانية والنهضة القومية

نزار ملاخا / ناشط قومي كلداني

 

 

 

القومية هي شعور بأنتماء الفرد إلى قوم معين تربطهم أواصر معينة تكون موحدة تقريباً، والأمة هي مجموعة أقوام ، أي نفس الجماعة تكون بشكل أكبر.

يجب علينا أن نفهم المعنى الشمولي للأمة الكلدانية ، وأن لا نبقى أسرى تعريف مصغر معين ساعد على وضعه المستعمر لتمرير مخطط معين يضمن مصالحِهِ في فترة تأريخية مظلمة كان فيها هو السيد .

بما أن تسمية ” الأمة الكلدانية ” هي تسمية لقبائل ولمجموعة أقوام تتشكل بموجبها الأمة، كما أنها ليست تسمية مناطقية جغرافية كالآشورية مثلاً ، لذلك تكون تسميتها بالأمة هي التسمية الواقعية الصحيحة لها .

 

كما لا ننسى بأن ” مصطلح القومية ” وبالذات الكلدانية ، كانت معروفة منذ القِدَم قبل أن يُعرف معناها الدقيق الضيق المحدود هذا اليوم، وقد تم التعتيم على القومية الكلدانية  بعد ظهور الأديان وطمع الأستعمار بثروات العراق، فحاول تمزيقه وتشتيت أبناؤه لينعم هو بخيراته، وبذلك ومن حيث لا يدري أجج نار القومية بين ابناء الأمة ، فظهر التيار القومي الكلداني ليُعَبِّر عن ضرورة اساسية ، ألا وهي وحدة الهوية القومية والتأكيد على أصالة هذه القومية في خضم هذا الواقع الجديد الملئ بالمصالح الموحدة لأبناء القوميات الأخرى ،بغض النظر عن أصولهم العرقية قبل هذا الواقع .

نحن نرى في مفهومنا للقومية الكلدانية ، آصرة جديدة تربط أو يرتبط بها جميع أبناء الأمة الكلدانية بمختلف أتجاهاتهم الدينية وميولهم السياسية وأنحداراتهم الطبقية، فترى الكلداني المسيحي يعمل لأُمَّتِهِ كما يعمل الكلداني المسلم أبن الناصرية ، وكما يعمل الكلداني الصابئي وغيرهم، وبهذا المعنى تكون كلمة ” أمة الكلدان ” أُمّة جامعة لطبقة واسعة، ويظهر من معناها أنهّا تجمع ولا تُفَرّق، وهذا هو المهم ، وفي معتقدنا بأنه ستكون الأمة الكلدانية هي التسمية البديلة للواقع العراقي الممزق، فلا يمكن أن نجمع كل هذا التمزق والضياع والتحزب والتطرف والتعصب والأصولية إلاّ تحت تسمية قوميّة واحدة وهي ” الكلدانية ” وتسمية جغرافية مناطقية هي ” العراق “، أما التسميات الأخرى فكلها زائلة، سواء كانت مناطقية أم جغرافية .

كما أن هذه المجموعات قد تختلف في تقاليدها الحصرية الضيقة، ولكنها تلتقي في تأريخها وتأريخ أجدادها الموحد الواحد، فهم أبناء جد واحد وحضارة واحدة وتأريخ أمتداده عدّة آلاف من السنين في منطقة جغرافية واحدة ألا وهي ” العراق ” .

وفي نفس هذا السياق لا يختلف فكر وعمل الكلداني الشيوعي عن الكلداني المستقل أو الكلداني البعثي أو الكلداني المنتمي إلى ألحزاب الكردية أو الدينية أو غيرها، فالكل يُنتخى عندما تتعرض أمّة الكلدان للأذى، وخير دليل على ذلك ارتفاع عَلَم الكلدان في الناصرية ونشاطات أهلنا وإخوتنا هناك، وما تأسيس الأتحادات النسوية الكلدانية والشبابية والمعارض الفنية التي يقيمها أهلنا في الناصرية إلا أمتداداً للتواصل والتكاتف والتآزر بين ابناء الأمة الواحدة وإن أختلفت أنتماءاتهم الدينية والمذهبية ، فلدينا أحبّة كلدان في الناصرية وغيرها من مدن العراق، وكم أفرحتنا صورهم ونشاطاتهم وعَلَم الكلدان يرفرف فوق معارضهم وتجمعاتهم ومسيراتهم سواء كانت النهرية أو البرية ، المهم عَلَم الكلدان يخفق ويُرَفرِف ولسان حالهم يقول : ــ

 

عشْ هكذا في علوٍّ أيُّها العَلَمُ

فإننا بكَ بَعْدَ الله نَعْتَصِمُ

 

وقد عَلِمنا بعد طولِ فِراق أن لدينا أهل في الناصرية والعمارة والبصرة كما أهلنا في أربيل ودهوك والسليمانية ، وبذلك ستكون هذه التسمية وهذا الأنتساب الرائع لأمة الكلدان سبباً رئيسياً في إعادة توحيد العراق وربط الشمال بالجنوب وإلغاء كافة الظواهر المُدانة والتي تسببت في تمزيق العراق ، بعد أن يعرف المنزلقون بأنهم كانوا يؤذون أهلهم وأبناء أمَّتهم .

لا ننسى أبداً بأننا نعيش على أرضٍ مشتركة واحدة لا تفصلها موانع وهي أرض العراق التأريخي، مما زاد في شدة التماسك والتكاتف والتعاضد ، وساعد على أنصهار بعض السلبيات ، وبذلك أتاح للتسمية الكلدانية المزيد من المحتوى التوحيدي في هذا المجال .

لقد أجتهد الأستعمار في تمزيق الأمة الكلدانية ، تلك الأمة التأريخية التي علّمت الشعوب الحرف والدرس والعلوم والطب والقانون وأسس الأجتماع والمجتمع ، هذه الأمة التي هي الأمة الكلدانية حباها الله بالعلماء على الفطرة فكان حمورابي واضع ومشرّع أول الدساتير في العالم، واليوم الكثير من دول العالم بَنَت دساتيرها على اسس دستور بابل، ولا ننسى الجنائن المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع، كما لا يغيب عن بالنا الصناعات المتطورة مثل أول بطارية في العالم صنعها الكلدان القدماء وغيرها من العلوم ، وتقسيم الزمن إلى أشهر وأسابيع وأيام وساعات ودقائق وثواني بدقة متناهية جداً ، مما أغاض المستعمر فحاول جاهداً تمزيق هذه الأمة تحت تسميات مذهبية وقومية متعددة ومختلفة ، فتارة يحول التسمية المناطقية إلى تسمية قومية وقد صدَّقه بعض المنتفعين والأميين ، وبذلك استطاع أن يحقق نقطتين لكي يفوز بالغنيمة التأريخية ويحقق الرفاه لشعبه ،

1-   أستطاع أن يجد له موطئ قدم في قلوب بعض الجهلاء الذين صدّقوا وُعُودَهُ بتأسيس وطن قومي لهم على أرض العراق، وبذلك استخدمهم ورقة رابحة لخدمة قضيته ومصالح شعبه .

2 – حقق فوزاً كبيراً بتمزيق الأمة الكلدانية وتشتيت أبنائها.

وما زلنا نعاني من هذا الضياع ومن هذا التشتت، في القِوى والأمكانيات والطاقة البشرية .

ولكن وبعون من الله وهمة أهلنا كلدان الناصرية والعمارة والبصرة وجنوب العراق وسَنَد ابناء أمتنا الكلدانية في شمال العراق ، سوف تتقدم مسيرة الأمة الكلدانية نحو أستكمال مقومات ” الأمة الكلدانية الموحدة ” ولو في الفكر والمنطق والهدف والغاية ، وهذا هو المهم ، حتى تعود أمّتنا الكلدانية إلى وضعها السابق وتأخذ مكانها القيادي ودورها الريادي ، فتواصل مسيرتها التأريخية كإحدى القِوى المهمة على الساحة السياسية وألأجتماعية العراقية ، وتساهم مساهمة جادة وفاعلة في بناء العراق الجديد وفق المفهوم الحضاري الجديد ، والذي يجعل من الحاضر والمستقبل أمتداداً لتاريخنا المشرق الذي سَطّرهُ اجدادنا العِظام الكلدان القُدماء على أرض العِراق نفسه، والذي ابهر العالم أجمع والعلماء كلهم والذين أعتمدوا أسس علوم الكلدانيين منطلقاً لهم في بِناء العلوم الحديثة .

عاشت أمة الكلدان إلى الأبد .

المجد والخلود لشهداء الكلدان خصوصاً وشهداء العراق عموماً .  

‏الثلاثاء‏، 17‏ آب‏، 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *