الأغلبية الصامتة: بين البطريرك والشيخ الكلداني!!

الأغلبية الصامتة، تسمية تطلق على الغالبية العظمى من أبناء الشعب التي تنأى نفسها من الصراعات الدائرة بين أطراف معينة من مواطنيها، ولا سيّما في المواضيع السياسية التي تعتقد هذه الأغلبية بأن هذا الصراع إنما هو على المصالح الشخصية بين السياسيين، وتبرز هذه الحالة بوضوح في محيطنا الشرقي المخترق من قبل جهات خارجية ساعية الى مصالحها الأنانية المتعارضة لمصالح هذه الأغلبية الصامتة، وأقرب مثال على ذلك هي الأغلبية الصامتة المصرية وما قامت به من ثورة شعبية وأسقطت نظام حكم الأخوان في مصر.

منذ صدور بيان البطريركية الكلدانية حول من يمثل الكلدان كنسياً وسياسياً، وبغض النظر عن مدى موفقيّته في التطرّق لهذا الموضوع على صفحات الأنترنيت، أنبرت عدة أقلام مختلفة الغايات تكتب عن الموضوع، البعض منها معروفة الأهداف والغايات وهي النيل من الكنيسة الكلدانية والرموز الكلدان متى ما سنحت لها الفرصة، والبعض الآخر له رأي مسبق بأحد الطرفين (البطريركية أو الشيخ الكلداني) فرآها فرصة ليقنع نفسه بصحة موقفه، والبعض الآخر وجدها فرصة ليظهر نفسه الحريص والمدافع عن الطرف الذي يتملّق له، والبعض الآخر أبدى رأيه الحيادي وهو يحاول تقليل الضرر بكل أخلاص وحيادية.

كل ذلك والأغلبية الصامتة من الكلدان تراقب وتأسف للحالة التي وصلت اليها الأمور التي لا هي من مصلحة الكنيسة ولا من مصلحة الشيخ الكلداني، ولكن لم تفقد أيمانها بحكمة رئآستها الكنسية ونبل مقاصدها التي فسّرها الغير (مع الأسف) لتخدم هدفه في النيل من الكلدان وكنيستهم، وما رسّخ هذا الأيمان أيضاً كان موقف الشيخ الكلداني الذي أظهر كل الأحترام والتقدير لرئاسته الكنسيّة، ولم يصدر عنه أيّ تصريح يناهض هذا الأحترام والتقدير بل كان تصريحه الوحيد الذي صدر عنه في أمريكا بأنه يقدّر عالياً رأي غبطة البطريرك والكنيسة الكلدانية بنأي نفسها من الأمور السياسية.

حاول المتصيّدون في المياه العكرة دق الأسافين بين الرئاسة الكنسيّة وبعض الأبرشيات في الخارج ولكنهم غاب عن بالهم أن هذه الخلافات إن وجدت فأنها ليست خلافات عقائدية، فقد تكون خلافات أدارية، وهذه الخلافات بالأمكان حلها بكل يسر وسهولة بالحب والتواضع والطاعة وهذه جميعها رسّخها الروح القدس في قلوب رجال الكنيسة الكلدانية منذ أختيارهم ليكونوا رعاة لقطيعه المقدّس، وبلقاء واحد يسوده المحبة بالأمكان أذابة أيّة كمية من الجليد لتعود لتسود المحبة والتواضع والطاعة.

في ربيع عام 1974 وفي أعقاب رفض الأكراد الحكم الذاتي الذي جرى الأتفاق عليه في بيان 11 آذار 1970 بعد أربعة سنوات من التجربة على تطبيقه، أشتدّت المعارك ثانية بين الحكومة المركزية والأكراد، وكانت المعارك شديدة الشراسة بين الطرفين لدخول الجيش الأيراني طرفاً في الحرب، وكانت قطعاته العسكرية ومدفعيته قد وصلت الى خلف جبل حسن بيك، وكان راصد مدفعيته على قمة (كلاو حسن) المطل على سهل راوندوز، عموما كان الوضع جداً صعب على القطعات العراقية لكثرة وصعوبة العوارض الطبيعية في المنطقة منها كلي علي بيك.

في ظل هذه الأجواء، طلبت القيادة العراقية من رئيس أركان الجيوش الروسية (كما ذكر صديق لي كان قريباً من القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية) طلبت منه زيارة العراق والأطلاع على الموقف التعبوي لساحات القتال، وحال وصوله أستقل طائرة سمتية يصحبه رئيس أركان الجيش العراقي في جولة في شمال العراق للأطلاع على طبيعة المنطقة، وحال أكمال الجولة سأله رئيس أركان الجيش العراقي عن رأيه بالوضع، فقال له: هل لديك صلاحيات أتخاذ القرار أذا أفصحت عن رأيي؟ فأجاب رئيس الأركان العراقي، كلا فأن الرأي هو رأي القيادة السياسية، فقال له أذن فرأيي سوف أطرحه على القيادة السياسية.

وفي لقائه بالقيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، طلب منه الرئيس صدام أن يبيّن رأيه كعسكري ونتيجة جولته الأستطلاعية، فقال: أنكم تحتاجون الى ستون فرقة عسكرية مجهّزة تجهيزاً جيداً لكي تتمكّنوا من القضاء على التمرّد المدعوم من أيران، فأجابه الرئيس صدام حسين، ومن أين للعراق ستون فرقة عسكرية بالمواصفات التي تطلبها؟ فكان رد الضيف الروسي، بأمكان روسيا أن ترسل لكم ستون فرقة عسكرية مجهّزة لتساعدكم، فقال الرئيس صدام حسين: ومتى ما أنهت الفرق الروسيّة واجبها، من يضمن للعراق بأنها سوف تترك العراق ولن تحتلّه؟؟ كلا يا صديقي فأن لدى القيادة حل آخر أفضل منه. والحل كان أتفاقية الجزائر بين الرئيس صدام حسين وشاه أيران بوساطة الرئيس الجزائري هواري بو مدين، وأنهارت الحركة الكردية بقرار سياسي!!!

وهذا ما ينتظره أبناء الكنيسة الكلدانية من رعاتها الأجلاء، بقرار شجاع ومسؤول بأن يوضع نصب الأعيُن الروح القدس الذي حلّ عليهم يوم أختياره لهم لقيادة كنيسته ورعيته أن يكون السائد فيما بينهم روح المحبة والتواضع والطاعة والتسامح، لكيما تبقى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كما كانت منذ نشأتها في قلوب أبنائها المتميّزون بحبهم لكنيستهم وطاعتهم لها ولرجالها أينما كانت سواء في الوطن أو في المهجر وليعود الكلدان الى موقعهم اللائق بهم والذي كانوا عليه منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

بطرس آدم

تورنتو 4\12\2014

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *