الأسطورة  في دلالة الورد في مجموعة (سفر الحديقة) للقاص هايل المذابي

 

  • ثابت القوطاري

تتكون هذه المجموعة القصصية من (12 قصة/سِفراً) مبنية بناءً هندسياً دقيقاً أشبه ما يكون بعقد في جيد حسناء نظمت حباته بعناية ووعي دقيق لدى القاص، حباته أحجار كريمة من (ورود) مختلفة الأشكال والألوان والدلالة، وخيطه فلسفة مثالية رائعة تحرك المشاعر الإنسانية وتهز الوجدان. ومن خلال عنوان المجموعة المكون من (المضاف/ سِفْرُ) و(المضاف إليه/الحَديْقَةِ) نستطيع استشراف محتوى المجموعة، فالمضاف (سِفْرُ) يحيلنا إلى ثقافة دينية تنبع من رسالة سماوية (اليهودية) لتعطينا دلالة مقدسة في حين يحيلنا المضاف إليه (حَدِيْقَةِ) إلى محيط مكاني يحوي عناصر مختلفة من (الورد ،والفراشات، والثمار، والماء، والعصافير، وغيرها من مكونات الطبيعة والبيئة) لتنكشف لنا هذه العناصر خلال جولتنا في قصص المجموعة والتي قدمها لنا القاص وكأنَّها صور متحركة استعرضها في فيلم أمامنا، وقد جاءت لوحة الغلاف (للفنان كلود مونيه) بعناصرها (المرأة والطفل، والطبيعة) لتُدعِّم عنوان المجموعة ومحتواها، لندخل شيئاً فشيئاً إلى المجموعة القصصية مروراً بعتباتها التي تشكِّل جزءاً من النص، وقد افتتح القاص هذه المجموعة بإهداء يحمل مفارقتين الأولى: تحمل روح التمر والرفض ومواجهة أقسى الأمور وأعنفها، والآخر: سقوط الإنسان وانهياره أمام أضعف مخلوق وأرق كائن (الوردة/المرأة)، وهذا ينسحبُ على قصص المجموعة وتفاصيلها وهذا (الإهداء) بالإضافة إلى (التسطير) يعطينا انطباعاً بأنَّ قصص المجموعة لا تخلو من سردٍ فلسفي على نحو أسطوري عمل من خلاله القاص على تفسير ظاهرة طبيعية (ظهور الورد) والذي سنجد له معانٍ مختلفة تنزاح نزوحاً مغايراً بدرجات مختلفة عمَّا هو متعارف عليه، كما سنلاحظ أنَّ أسماء (الورد) هي أسماء (لنساء أسطوريات)، وأنَّ بقاء (الممالك) وتحقيق الأمنيات مرهون بوجود (الورد). ويُلاحظ أن القاص (هايل المذابي) قد افتتح كل قصة من القصص الـ(12) بـ(سِفْرٍ) فلسفي جعله مفتاحاً كاشفاً لمضمون القصة وبُعدها الفلسفي وقد تكررت في ثنايا هذه القصص مفردات ملفته ضغط عليها القاص لتصبح مفردة معجمية تميزه من غيره لاسيما مفردة (أصص) والتي هي الأَواَنِي مِنَ الطِّينِ الْمَشْوِيِّ، أَوْ مَا شابَهَ ذَلِكَ لِوَضْعِ النَّباتاتِ وَأَنْواعِ الزُّهورِ فهي لازمة من لوازم (الورد).

في قصة (حلم وردي 9-11) سنجد أنَّ (أصص الورد) قد حلَّ محل الزمان/الساعة+ التقويم، فأطوارها تُنبئ بالزمان بتفاصيله، كما أنَّ (الورد) يعود بالذات الساردة إلى فترة زمنية ماضية/الطفولة يستعيد معها لحظة من العمر فجَّرتْ (الوردة) الذاكرة لاستعادتها. وفي قصة (الليلك 13-16) عمل القاص على عقد مقارنة بين قريتين الأولى نقيضة الأخرى، ليشرح لنا تعاويذ ساحرين، على نحو فلسفي ركَّز القاص فيه على اللغة من خلال الاشتقاق والتوليد والقلب: (ل ي ل = ليل= كليل= كلل=ليلك= يكلل= كليل) مع وجود متضادات توضح المعنى وتبرزه، من خلال: (تعويذة الشَّر) والتي يقابلها (تعويذة الخير)، و(كأس الألم) الذي يقابلها (كأس الأمل) هذا التلاعب اللفظي ختمه القاص بتفسير ظهور وردة (الليلك) التي ترمز للحب والسلام. أما في (الأقحوان 19-21) فيسرد لنا القاص حكاية أسطورية فسَّر لنا من خلالها دلالة هذه الوردة على نحو ما نجده في الأساطير الشعبية، وكما هو متعارف عليه فالأقحوان رمز للحب والبهجة، والإخلاص والولاء، فجعلها القاص سراً من أسرار بقاء (المملكة) التي شاء الله أن يحفظها ويذل الجبابرة بهذه الوردة، والتي نجدها – كما ترمز إليه- في الجنائز. كما يوحي البنفسج بالهدوء، وهو من ورود شهر(فبراير/2) لكنَّ القاص في (البنفسجة 23-26) عمل على فلسفتها بشكل مغاير، فنقل دلالة الوردة من العدد(2)/شهر فبراير إلى العدد(7) ليحيلنا هذا العدد إلى ثقافتنا الإسلامية: (سورة الفاتحة 7 آيات) (أيام الأسبوع 7) (السماوات 7) وهكذا، إلاَّ أنَّ العدد (7) في هذه القصة أخذ منحاً فلسفي آخر إذ جاء في القصة على نحو أسطوري، لتأتي مفردة (البئر) في إطار بناء الجملة ذات دلالة متعددة قصد بها الإنسان من مختلف جوانبه الإنسانية والتي تختلف من شخص إلى آخر، ليكون لوردة (البنفسج) معنى مغاير لما تعارف عليه فمن معنى الهدوء وإنكار الذات إلى رمز للعاشقين وكعبة للمحبين. أما في قصة (المانوليا 29-32) هذه الوردة التي حملت اسم أميرة جميلة من الجان، ولها عطر فواح تشيء بظهر الحكاية، وأزلية الحب، فقد حملت اسم أميرة جميلة وكأنَّ القاص يقول لنا: الوردة أنثى، والأنثى وردة  .أما عند قراءتنا لقصة (البيلسان35-37) سنجد تناصاً واضحاً من حيث فكرة الأسطورة من خلال عقد مقارنة بين هذه القصة وأسطورة أفروديت:

أسطورة أفروديت

قصة البيلسان

– (أفروديت) تذرف دموعها حزناً على     موت(أدونيس) فتقع القطرات على الأرض.

     – النتيجة: تنبت وردة بيضاء

–       (الرجل) يقطر عرقاً جراء البحث عن قوت له ولزوجته، فتقع القطرات على الأرض

–       النتيجة: تنبت زهرة جميلة فاغمة الطيب تنبض بالحياة، وتشيء بالرونق.

وظف القاص هذا التناص  فسرد قصة أسطورية فسر لنا من خلالها ظهور هذا النوع من الورد الذي تستسلم له الأنثى. ومن المتعارف عليه أنَّ السوسنة ترمز إلى المديح وخفة الظل، إلاَّ أنَّها في هذه المجموعة القصصية في قصة (السوسنة 39-41)ترمز إلى كونها “رسول المحبة والأمل بين الأزواج” وفي هذا انزياح واضح على نحو ما نجده لدى القاص في مجموعته منذ صفحاتها الأولى إلاَّ أنَّ هذا الانزياح في الدلالة جميلٌ جداً يجعلنا نتفاعل معه، وأحياناً كثيرة يعطينا نفس الدلالة المتعارف عليها. وفي قصة (عباد الشمس 43-45) استفاد القاص من المفردتين (المضاف/عباد) و(المضاف إليه/الشمس) ليفلسف لنا وجود هذه الزهرة الجميلة التي ترمز هنا للنور ومحاربة الظلام بعد أن ربطها باليوم الـ(27 من الشهر) هذه العدد الذي يدل على انتهاء شهر والدخول في شهر جديد، كما تدل (عباد الشمس) على انتهاء الظلام ودخول النور، والنية الصادقة في عمل الخير. كما أنَّ القاص قد عمد إلى تقنية سردية مختلفة عمَّا هي عليه في المجموعة ففي قصة (زهرة الصبار 47-50) نجد أنَّ الكاتب نقلنا من فترة زمنية غابرة/الماض/زمن الأساطير وأخبار الممالك وقصص الجان والحوريات إلى فترة زمنية جديدة/الحاضر/الواقع وصخب المدينة وطبيعة الحياة العصرية، ليربط بين الفترتين الزمنيتين برابط أسطوري استدار إليه بسرعة وبراعة من خلال حديثه عن (القرية الأسطورية) التي تظهر كلَّ أربع سنوات ليفسر لنا على نحو أسطوري كيف جاءت زهرة الصبار، التي تدل على الصبر حسب فلسفته الخاصة مستفيداً من الاسم المشتق (صَبَّار/فعَّال) ليدلل على جذره (صَبَرَ) ليؤكد المعنى الذي يقصده. وفيما يرمز إليه الورد نجد أن زهرة التوليب ترمز إلى الحنين احتفظ القاص بهذه الفلسفة والدلالة في قصة (التوليب53-56) إلاَّ أنَّه عبَّر عنها من خلال خياله الخصب، وقدمها بتقنية جديدة جعل من الزمن (عالم الغيب) و(عالم الشهادة) منفذاً يستطيع عبره تقديم فلسفته الخاصة بعد أن قصَّ علينا خبر (حبيبين) بشقين الأول: سماوي/ عالم الغيب والملائكة والآخر: واقعي/ عالم الطبيعة والإنسان، ليستمر على هذه المحافظة في الدلالة الرمزية والبعد الفلسفي للورد في قصة (النرجس59-60) الذي يدل على الأنانية والغرور محافظاً بذلك على سير الميثولوجيا الإغريقية لكنَّه ختم القصة بحكمة جميلة تُدعِّم فلسفته هنا وتثبت وجهة نظره” الذي لا يُحب إلاَّ نفسه، لا تُحبه السماء، والذي لا تحبه السماء لن يُحبه أحد” ليحيلنا إلى معنى مضاد آخر متعارف عليه تدل عليه هذه الوردة: الشهامة والنخوة. ليختم القاص مجموعته بما بدأها به، إذ بدأها بعبارات الحرية والثورة والتي تُعد زهرة الياسمين رمزاً لها، فزهرة الياسمين أسطورة عربية تدل على رفض الظلم والعبودية، والانطلاق لنيل الحرية، ليعيدنا القاص هنا من خلال سرد هذه الأسطورة إلى أسطورة (أفروديت وأدونيس) مرة أخرى ليجعلنا أمام مقارنة جديدة:

أسطورة أفروديت

أسطورة الياسمين

–       (أفروديت) تبكي حزناً على موت (أدونيس)

–       النتيجة: تنبت وردة بيضاء.

–       (الحورية) تبكي بحثاً عن حبيبها.

–       النتيجة= تنبت وردة بيضاء.

هذا التناص في الفكرة وظفه القاص ببراعته المعهودة لينزاح بطريقة التفسير الفلسفي للياسمين وتقديمه في قالبٍ فلسفي جديد، وهنا ختمتْ هذا المجموعة تاركة في نفسية المتلقي أكثراً بالغاً تجعله يسارع في اقتناء (أصص الورد) لزراعته بأشكاله وألوانه المختلفة بعد أن عرف أنَّ الوردة: امرأة، حورية، مملكة، حرية، أمل، سلام، محبة، قوة.

هايل علي المذابي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *