اقليات العراق اصيلة باصالة نهريه / بقلم : نزار حيدر

 

مثل، بتشديد الثاء وفتحها، نـــــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، من يسعى لتصفية الاقليات في العراق بالقتل والتهجير، كمن يسعى لالغاء تاريخ العراق وحضارته التي تمتد آلاف السنين، او كمن يريد ان يلغي نهريه الخالدين دجلة والفرات.

 

واضاف نـــزار حيدر، الذي كان يجيب على اسئلة  المحرر في صحيفة (رووداو) الاسبوعية الصادرة باللغة الكردية في عاصمة اقليم كردستان العراق، محافظة اربيل، الزميل هيمن بابان رحيم:

 

ان الاقليات في العراق اصيلة باصالة نهريه، وهي جزء لا يتجزا او ينفك عن نسيج العراق الاجتماعي، وان مسؤولية حمايتها من الارهابيين تقع على عاتق الجميع، خاصة الحكومة العراقية التي يجب ان تحميهم لانهم من اكثر الشرائح الاجتماعية التي تتعرض اليوم لمحاولات التصفية والالغاء في العراق.

 

ادناه نص الحوار:

 

   السؤال الاول:

   كيف ترون اوضاع الاقليات في العراق؟ هل هنالك خطر للقضاء على هوياتهم على يد من يسعى لذلك من جماعات العنف والارهاب، والجماعات الظلامية التي تسعى لاجبارهم على ترك العراق؟.

   الجواب:

   هنالك مجموعة حقائق يجب ان لا نغفل عنها ونحن نجيب على السؤال، وهي:

   الف: ان الاقليات في العراق اصيلة في هذا البلد اصالة نهريه الخالدين دجلة والفرات، فهي ليست اقليات مهاجرة مثلا او وافدة، او جاءت الى البلد مع الغزوات الخارجية والحملات العسكرية، على سبيل الفرض، كما هو الحال مع العديد من الاقليات في بلدان اخرى.

   انها جزء لا يتجزأ او ينفك عن نسيج العراق الاجتماعي، وهي مرتبطة بالعراق ارتباطا حضاريا وتاريخيا وفوق كل ذلك دينيا.

   باء: ان هذه الاقليات هي التي اما بنت حضارة العراق العريقة او انها ساهمت مساهمة فعالة فيها.

   حتى الحضارة الاسلامية في بلاد الرافدين ساهمت هذه الاقليات في بنائها وتنميتها وتطويرها، فضلا عن ان حضارة العراق القديمة التي تمتد الى اكثر من ستة آلاف عام، بناها هؤلاء على اعتبارهم سكان العراق الاصليين.

   جيم: كما ان هذه الاقليات تعايشت بشكل سلمي رائع مع بقية شرائح المجتمع العراقي عبر قرون متمادية، ولذلك تراها لم تتمركز في مدينة او منطقة دون اخرى، ففي كربلاء، المدينة الشيعية المقدسة، مثلا، عاش  ابناء هذه الاقليات وقدموا الخدمات الجليلة لابنائها بلا تمييز، وانا شخصيا اتذكر اسم احد المع الاطباء الجراحين الماهرين الذين عاشوا في هذه المدينة المقدسة لسنين طويلة، والذي كان اسمه الجراح عمانوئيل البطاح، الذي يذكره اهل المدينة بالخير بالرغم من انه ترك العراق وهاجر الى الخارج منذ اكثر من اربعين عاما، ربما، كما انني اتذكر ان استاذ مادة اللغة الانجليزية في المرحلة المتوسطة كان من ابناء الاقليات، واسمه الاستاذ نزار ادور، يتذكره من تعلم ودرس على يديه، ولقد احبه الطلبة لدماثة اخلاقه وحسن معاشرته مع الناس.

   الى جانب حالة التعايش النادرة التي قضاها ابناء هذه الاقليات جنبا الى جنب مع ابناء العراق الاخرين، من دون ان يشعر احدهم بالغربة او التمييز، بل ان الكثير من العراقيين الذين لهم اصدقاء من ابناء الاقليات لم يكونوا يعرفون هويتهم الدينية او القومية الا عن طريق الصدفة، فيما يستغرب كثيرون عندما يكتشفون بان احد اشهر الشعراء الذين كتبوا في الحسين السبط الشهيد عليه السلام هو من ابناء الاقليات، الا وهو الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد.

   دال: فضلا عن ذلك، فان للاقليات دور كبير وواضح في المساهمة في بناء الدولة العراقية الحديثة، فلقد ساهم ابناء هذه الاقليات على مختلف المستويات، الثقافية والفكرية والعلمية والتعليمية والادبية والطبية والهندسية والاعلامية والوزارية والقيادية وغير ذلك الكثير الكثير.

   تاسيسا على ذلك، فان من يفكر بهذه الطريقة المريضة التي يسعى من خلالها التاثير على هوية الاقليات او افراغ العراق منهم، فهو واهم جملة وتفصيلا، وان مثله كمثل من يريد ان يلغي تاريخ العراق وهويته وحضارته، فهل يمكن لاحد ذلك؟ بالتاكيد كلا؟ لان الاقليات، كما اسلفت، جزء لا يتجزأ ليس من تاريخ العراق وحضارته فحسب، وانما من حاضر العراق كذلك، واذا صادف مرة ان تعرضت الاقليات للاضطهاد والمضايقات، فهذا لا يعني انه نهاية المطاف لهم، ابدا، وسيعود العراق معافى وقويا ومنيعا بتنوعه وتعدد هوية ابنائه.

   مجنون من يسعى لتصفية الاقليات في العراق بالقتل والتهجير، وان مثله كمثل من يسعى لالغاء تاريخ العراق وحضارته التي تمتد آلاف السنين، او كمن يريد ان يلغي نهريه الخالدين دجلة والفرات.

   اما بشان السؤال، فبلا شك فان الاقليات في العراق تتعرض اليوم لتهديد مباشر وكبير، يستهدف هويتها الثقافية، بل ووجودها الحقيقي في بلدها، ولقد تعرضت للكثير من الهجمات الارهابية التي اجبرت الكثير منهم على مغادرة البلاد، كما ان الكثير من مراكز العبادة عندها تعرضت لاعمال ارهابية خسيسة في محاولة من الارهابيين فصل روادها عن دينها.

   كما صفت، بتشديد الفاء وفتحها، جماعات العنف والارهاب الكثير من شخصياتها الدينية والثقافية والعديد من الكفاءات العلمية التي خسر بها العراق طاقات خلاقة كان يمكن له ان يستفيد منها في اعادة البناء، خاصة في مجالات الطب والهندسة والبناء والعلوم وغير ذلك.

   لقد اطلعت من خلال تقارير المنظمات الحقوقية، خاصة الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الانسان في الولايات المتحدة، والتي تتمتع تقاريرها بمصداقية عالية لما يبذله رئيس الجمعية الاستاذ حميد مراد من جهد كبير لملاحقة حالات الاضطهاد التي تتعرض له الاقليات في العراق تحديدا، على حالات غير انسانية عديدة تعرض لها ابناء الاقليات في بلاد الرافدين، ما يحملنا جميعا مسؤولية الدفاع عنها للحفاظ على التنوع والتعدد الذي يقوم عليه المجتمع العراقي، خاصة ونحن نسعى لبناء الديمقراطية التي لا تعني ان تحكم الاغلبية السياسية فقط في البلاد، وانما تعني، بالدرجة الاولى، حماية الاقليات، سواء كانت سياسية او اجتماعية.

   السؤال الثاني:

   من المقرر ان يعقد مؤتمرا عن الاقليات في العراق الشهر القادم في محافظة اربيل، باشراف منظمة الشعوب المضطهدة.

   برايكم، هل ان لمثل هذا المؤتمر تاثير في الدفاع عن الاقليات في العراق؟ وهل سيغير من اوضاعهم وعلى مختلف الاصعدة؟ وما هي المسؤولية التي تتحملها مثل هذه المنظمات الحقوقية للدفاع عن الاقليات وحقوقها؟.

   الجواب:

   لا شك ان اي جهد يبذل بهذا الصدد مطلوب وسيساهم في الدفاع عن الاقليات في العراق من خلال تبيان الحقائق اولا، ليطلع الراي العام، خاصة العراقي، على حجم المعاناة الانسانية التي تتعرض له في بلدها، وثانيا، لوضع المعنيين امام مسؤولياتهم وجها لوجه، من اجل ان لا يبقى لاحد حجة او عذر يتهرب به من تحمل مسؤولياته الانسانية والتاريخية والوطنية ازاء هؤلاء المضطهدين في بلدهم الام.

   ان تكرار مثل هذه المؤتمرات والندوات، وفي مختلف الاوقات والاماكن، سيساهم في لفت انظار الراي العام الى الحقائق وبالارقام والصور والوثائق، وبذلك سنكون قد اقتربنا قليلا من الدفاع عن حقوق هؤلاء، ولقد قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام {ما ضاع حق وراءه مطالب} ولا يقولن احد بان الاضطهاد اتسع بدرجة كبيرة لا ينفع معه المؤتمر او الندوة او البيان او ما اشبه، ابدا، فمسؤولية تحمل اعباء رسالة المضطهدين لا تسقط عن كاهلنا مهما كبر حجم هذا الاضطهاد او صغر، فالعبرة ليس في حجم الظلم والاضطهاد الذي تتعرض له هذه الشريحة من المجتمع العراقي او تلك، وانما في اصل الظلم والاضطهاد الذي يعتبر امر قبيح يلزم علينا جميعا ان نتحمل مسؤولية الدفاع عمن يتعرض له.

   يجب علينا جميعا ان لا نستسلم لاجندات واهداف الارهابيين الذين يريدون تخريب البلد من خلال محاولاتهم تصفية الاقليات او الحط من مكانتهم وموقعهم في المجتمع العراقي.

   السؤال الثالث:

   كم هو عدد الاقليات في العراق؟ وما هي نسبهم؟ واساسا، هل هنالك اية احصائيات بهذا الصدد؟ ولماذا؟.

   الجواب:

   بشكل عام، ليست هناك احصائيات سكانية حديثة ودقيقة في العراق منذ امد بعيد، ولذلك فان الباحثين بالشان العراقي لا زالوا يعتمدون على الاحصائيات السكانية القديمة التي اجراها العثمانيون مثلا او البريطانيون ابان احتلالهم للعراق في فترات متفاوتة، ويعود السبب في ذلك الى سياسات النظام الشمولي البائد التي اعتمدت التمييز الطائفي والعنصري البغيض ضد ابناء العراق، ولذلك كان يتحاشا اجراء مثل هذه الاحصائيات ليتكتم على طبيعة المجتمع العراقي ومكوناته.

   ومنذ سقوط الصنم في بغداد عام 2003 ولحد الان، حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة ان تنظم مثل هذه الاحصائيات السكانية، الا ان اسبابا عديدة حالت دون اجرائها، مثل الارهاب وعمليات التهجير القسري التي تعرض لها، ولا يزال، العراقين من اماكن سكناهم، ما يعقد العملية بشكل كبير.

   وهنالك اليوم مسعى حثيث من قبل السلطات العراقية لتنظيم هذا التعداد، لانه سيساهم بشكل كبير في عمليات التخطيط والتنمية، البشرية والعمرانية، اذ لا يعقل ان يبقى العراق بلا تعداد سكاني علمي ودقيق، وهو الذي يسعى للنهوض من تحت ركام الديكتاتورية ومخلفاتها الكثيرة.

   مع كل هذا، فان بعض الاحصائيات غير الرسمية تشير الى ان عدد الاقليات في العراق وبمجموعها يزيد على المليون، بالرغم مما تعرضت له، كما اسلفت، من عمليات قتل وتدمير اضطرت الكثير منهم الى ترك العراق، حالهم في ذلك حال ملايين العراقيين الذين اضطرتهم الظروف السياسية والامنية ابان النظام البائد الى ترك بلدهم ومسقط راسهم العراق الحبيب، كما اضطرت ظروف مشابهة كثيرين منهم الى ترك بلدهم بعد سقوط الصنم.  

   السؤال الرابع:

   كيف تقيم سياسة الحكومة تجاه الاقليات؟

   الجواب:

   لا شك ان هناك قفزة نوعية حصلت في دور الاقليات في العراق منذ سقوط الصنم، على الرغم من الاضطهاد الذي تتعرض له، فعلى الصعيد السياسي، مثلا، فان للاقليات اليوم دور واضح في العملية السياسية، لا يتجاوزه او يصادره احد، كما ان احزاب وهيئات الاقليات باتت واضحة الهوية وغير متداخلة مع الاطراف السياسية الاخرى التي كانت فيما مضى تسعى لسرقة الدور والتمثيل بشكل او باخر.

   على الصعيد الثقافي كذلك هناك تميز واضح للاقليات.

   بشان سياسة الحكومة تجاه الاقليات، فعلى الرغم من اعتقادي الجازم بمساعيها الحثيثة لحماية الاقليات والدفاع عنها، الا انني اعتقد بان عليها ان تقوم بما يلي تجاه الاقليات:

   اولا: الانتباه اكثر فاكثر الى المخاطر الجدية المحدقة بالاقليات، والتي تحاول افراغ العراق من ابنائها، ان بالقتل او بالتهجير.

   ثانيا: الاهتمام اكثر بمطاليبها المشروعة الرامية الى الحفاظ على هويتها الدينية والثقافية والتاريخية، والعمل على تحقيق رغباتها بهذا الصدد كما هو الحال بالنسبة الى الصابئة مثلا الذين يطالبون بارض في محافظة البصرة لبناء مركز لعبادتهم، وغير ذلك.

   لقد كفل الدستور العراقي حقوق العراقيين بالكامل، ومنهم الاقليات، التي كفل حقوقها الدينية والمدنية والثقافية والتاريخية، ولذلك فان على الدولة العراقية ان تسعى من اجل تحويل النصوص الدستورية الى مشاريع عمل وبرامج على الارض، لتشعر الاقليات بان تغييرا حقيقيا قيد الانجاز، وانها جزء لا يتجزا من العراق ومجتمعه المتنوع والمتعدد في كل شئ.

   ثالثا: مساعدة الاقليات للاندماج اكثر فاكثر بالمجتمع العراقي، خاصة الشريحة المقيمة في بلاد المهجر والتي تقادمت عليها العقود الطويلة من الزمن وهي لم تر نور بلادها الام.

   ختاما:

   شكرا جزيلا لاسبوعية (رووداو) واخص بالذكر الزميل هيمن بابان رحيم لاتاحته لي هذه الفرصة الثمينة لاطل بها على القراء الكرام.

   ورمضان كريم على الجميع، وكل عام وكل العراقيين بالف خير.

 

   ملاحظة: اسم الصحيفة (رووداو) يعني باللغة العربية (الحدث).

 

   29 آب 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *