اخلاقية الاستعمار الوطني

هناك نوعين من الاخلاقيات – اخلاقية الانظمة بشكل عام واخلاقية الشعوب، لايجمعهما سوى الكلمة (اخلاقية) التي تطلق على القيم التي حملها الفرد – ونسجها خلال مسيرة حياته بانتقاله من اخلاقية الطفولة الى اخلاقية نضوج مسؤول/جملة قالها المرحوم الأب د.يوسف حبي في عام 1989، وكل شخص (رَجُل – امرأة – طفل) سارَ وذاق من اخلاقية الطفولة التي تختلف من انسان الى آخر وحسب ظروفه الذاتية في البيت والمدرسة والمجتمع! ويتأثر بمن حوله بشكل او بآخر، لذا يمكن ان تتأخر او تتقدم ولكن بالنتيجة هناك اخلاقية نضوج مسؤول

عليه نرى اليوم ما يحدث من صراع بين اخلاقية الانظمة التي لها اخلاقية خاصة، والبعض يقول: انها – اي الانظمة – تفتقر الى اخلاقيات مسؤولة كنظام وليس كاشخاص، من جانب آخر نجد ان الشعوب تمكنت من رفع الغمامة من عقولها القديمة التي كانت ولا زال القسم منها تسير مع القبيلة والعشيرة والانحناء للحاكم وكأنه – الله نفسه – وبهذا بايديهم وتفكيرهم كرسوا الدكتاتورية المزمنة، ولكن الشعوب اليوم وعت وتثقفت ورأت ثورات الشعوب وخاصة في الشرق، حيث خَبّرت نماذج مختلفة من ثورات الشعوب مقابل نماذج مماثلة من دكتاتوريات الانظمة، اذن امامنا نموذجين اخلاقيين يتقاطعان في مسيرتهما لانهما يعبران عن شريحتين اخلاقيتين مختلفتين في الفكر والتطبيق

اخلاقية النظام المبني على السلطة السياسية والقوة الاقتصادية مستمدة قوتها من الدين في اغلب الاحيان، وهي دكتاتوريات بدرجات منها ثورية/شمولية او ملكيات، مقابل اخلاقيات الشعوب المستمدة من الظلم والقهر والفقر والتهميش والاضطهاد وقول:النعم فقط! والان تمكنوا من قول: اللاء! والبعض ذهب الى ابعد وقال:الف لاء ولاء! لذا كانت شعاراتهم في البداية الاصلاح والخبز والكرامة ولكن عندما واجهوا القمع الوحشي بصدور عارية واغصان الزيتون وسالت الدماء البريئة قالوا: اسقاط وتغيير النظام، نرى ان الانظمة الشمولية والدكتاتورية لم تتعظ من سابقاتها بحيث كل قطرة دم تُسال تصبح مسمار في نعش النظام! ولنقيس عدد الشهداء والقتلى الابرياء الذين يسقطون كل يوم برصاص لصوص الدساتير والنفط والدولارات، لان من يحب شعبه لا يقتله، ومن يقول انه القائد والاب فهل هناك أب يقتل اولاده لانهم يريدون الكرامة والحرية؟؟ لذا الشباب والشابات اليوم قرروا ان لا يبقوا في قاع دكتاتورية الحاكم والمذهب والطائفة بل قرروا الصعود الى سطح الاحداث ومعايشتها بشكل مباشر، لانهم عرفوا بشكل لايقبل الشك ان قائدهم وملهمهم وابوهم لا يحترم كرامتهم ويهضم حقوقهم ويستولي على كيانهم وافكارهم وليس همه الا ارصدة في البنوك الغربية! ولننظر ما فائدتها بالنسبة للمسؤولين المصريين والتونسيين والليبيين وهلم جرا!

نعتقد جازمين ان التغيير يجب ان يحدث ويمر، ان كان عن طريق الاصلاح او تجاوز الانظمة وخاصة الثورية منها، اما الملكية منها وخاصة في الخليج لاهميتها الاقتصادية والاستراتيجية فلا بد ان تتحول الى ملكيات دستورية عاجلاً ام آجلاً وخير مثال الحكم الملكي في انكلتره، ومن يبادر من الملوك والامراء والحكام (سبق وان تطرقنا على الموضوع راجع : لَمْ يَحنْ دورالملوك بعد/ العمود 45)

 اليوم اصبحت الكلمات الكبيرة (الاستعمار – الامبريالية – الصهيونية – البرجوازية ) خالية من جوهرها واصبحت شماعات نغلف بها دكتاتوريتنا وانتماءاتنا الخارجية وبطوننا المنفوخة! لا بل ذهب البعض الى الامام اكثر ووضع لنفسه بطنين مثل حيوان الكنغر!! لاننا خلقنا لانفسنا استعمار وطني وامبرالية داخلية وصهيونية دينية وبرجوازية في طريقة تفكيرنا وفي كل دائرة ومؤسسة مدنية ودينية، لذا فقدت القيادات الاستبدادية والحكام الذين يقولون: نحن كل شيئ اي الكل في الكل! وكأن الاخرين غنم، فقدت مصداقيتها وشرعيتها الحقوقية والقانونية والقيمية والاخلاقية، واحداث اليوم تؤكد انها كانت اخطر من الاستعمار الخارجي واصبح الاستعمار الوطني اكثر خطورة! والامبرالية الداخلية تنين برؤوس سبعة يبلع كل من يتحرك! وهناك برجوازية دينية كبيرة تضاهي الصهيونية العالمية باشواط! اذن الاصلاح لايفيد على الامد البعيد مادام هناك بعبع وطني يجثم على صدر الديمقراطية وحقوق الانسان لا بل الادهى انه يستعملها – اي حقوق الانسان والديمقراطية – كغطاء للقتل والارهاب

واليوم نحن بحاجة ماسة الى قيادة اخلاقية، اي الى قادة لهم روح الخدمة! خدمة الاخرين المختلفين في الدين والمذهب والطائفة والفكر والتاريخ والقومية! يحتضنهم المشترك الاعظم الا وهو :الوطن! وحده الوطن يوحدنا عندما نعزز تنوعنا! اما ان راوحنا في مكاننا ولم ننزع عنا ثوب الانانية والمصالح الشخصية واصبحت ايادينا اكثر سواداً فلا استعمار سوى استعمارنا لشعبنا! لانه أخطر من الامبرالية العالمية ان بقي،،،،،،

www.icrim1.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *