احداث الموصل في عام 1959 يرويها شاهد عيان 1 ( ردا على مزوري التاريخ المأجورين ) من مذكرات المرحوم فخري بطرس

 

أحداث الموصل في عام 1959 كتب وقيل عنها الكثير وطيلة هذه الفترة قد تابعت كل ما قيل وكتب عنها فوجدت هناك الشيئ الكثير من أحداثها تم نقله بشكل غير دقيق وبعضه مشوه وهناك وقائع وأحداث مغيبة وأخيراَ قررت أن أكشف ما هو مستور من هذه الاحداث والاسباب والدوافع و التي كانت وراء إشعالها وسأبين الكثير من وقائعها والنتائج المتوخاة منها وذلك من منطلق ليس إني باحث في التأريخ وإنما كنت مشارك فيها ومدافع عن الجمهورية وشاهد عيان والاسباب التي دفعتني للكتابه عن الاحداث هو حبي الكبير لمدينة الموصل التي نشأت وترعرعت فيها ولتعريف أبنائها الكرام والشعب العراقي والقادة السياسيين عن حقيقة هذه الاحداث وتفاصيلها بكل دقة وأمانة وحرص وحيادية حيث شوه البعض هذه الاحداث وتاجر بها لدوافع وأسباب سياسية ومن منطلقات غير سليمة وجيرها من جهه على حساب جهه أخرى لدوافع ذاتيه وتشويه تأريخ ونضال أطراف سياسية يعرفها الشعب بمصداقيتها وبحرصها على مصالح الشعب وعلى الوحدة الوطنية وعلى السلم الاهلي وتحقيق الامن والاستقرار والحرية والديمقراطية وضمان حق المواطنة والعيش الكريم لابناء شعبنا في ظل نظام ديمقراطي .

الوضع السياسي في البلد وتطوراته في الفترة التي سبقت أحداث الموصل :

1-أن إنبثاق ثورة 14 تموز عام 1958 وما حققته من نجاحات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما أنجزته من مهمات على صعيد التحرر الوطني والتقدم في كافة المجالات , هذه التحولات شكلت ضربة موجعة للقوى الاستعمارية ورموزها في المنطقة وفي عموم البلاد .

في الاشهر الاولى من الثورة صدرت التشريعات والقوانين ذات الطابع التقدمي مثل قانون الاصلاح الزراعي وقانون الاحوال المدنية وأجيزت المنظمات والنقابات المهنية والعمالية والشبابية والطلابية والمرأة والجمعيات الفلاحية وسمح بحرية العمل السياسي , فقد حصلت نقلة نوعية في الحياة السياسية في البلاد وإلتفت غالبية فئات الشعب حول ثورة تموز وتصاعد النهوض الجماهيري على صعيد مدن العراق بما فيها مدينة الموصل . وعلى صعيد موازي لهذه التحولات الوطنية ذات الطابع التقدمي كانت الجبهه الثانية الدوائر الغربية وشركات النفط والقوى الموالية للمصالح الغربية الاستعمارية والمتضررة من الثورة بدأت في لملمت صفوفها وتجميع قواها وتنسيق نشاطاتها للاجهاض على الثورة ومكاسبها , أن مدينة الموصل لها ميزات خاصة من حيث تركيبتها الاجتماعية والطبقية وعاداتها وتقاليدها , وكان المتنفذون في ريف المدينة ملاكيين ومزارعين كبار وبحكم الطابع العشائري فكان الريف مسلح ويتحرك بأمرة رؤساء العشائر من الاقطاعيين و الملاكين الكبار المتضررين من قانون الاصلاح الزراعي ولهم تأثير ونفوذ قوي في المناطق التي تقع على الشريط الحدودي مع الجمهورية العربية السورية . وداخل مدينة الموصل هناك طبقة عاملة فتية وحرفيين وكسبه وطلاب وموظفون صغار وملاكيين عقاريين وكانوا في الغالب غير مسلحين إضافة لقادة الجيش وأصحاب الرتب العسكرية من أبناء المدينة والساكنون فيها وفي الوحدات العسكرية .

2- بدأ التصدع يظهر على جبهة الاتحاد الوطني ورفع البعثيون ومجموعات قومية شعار ( الوحدة الفورية) وكانت غالبية جماهير الشعب ليس مع هذا الشعار , في هذه الفترة تسلل إلى مواقع حزب البعث كثير من القوى الموالية للغرب والمتضررة من ثورة تموز, لاقت هذه المجاميع الدعم والاسناد من مصر وكثير من المعطيات المتوفرة لدينا في مدينة الموصل تؤكد أن مصر في فترة حكم جمال عبد الناصر هي وراء تجميع هذه القوى ودفعهم في نشاطات معادية للجمهورية الفتية . وهي كطرف عربي وراء تصدع وتخريب جبهة الاتحاد الوطني وخلق الصراعات بين أطرافها لاضعاف الجبهة الداخلية وظهرت إصطفافات سياسية وطبقية جديدة في تلك الفترة.

3- الدوائر الغربية وشركة نفط عين زالة دخلت بشكل مباشر في دعم هذه القوى وتجلى هذا الدعم في أشكال عدة وعلى سبيل المثال في تقديم شركة نفط عين زالة إذاعة بث للمتـآمرين على الجمهورية وهذا ما أكده فاضل الشكرة في إعترافة في محكمة الشعب وهوأحد قيادي حزب البعث في مدينة الموصل ونقل إعترافه العلني هذا في حينه عبر وسائل الاعلام . وبدأ إعلام هذه الدوائر يشوه الحقائق ويضخم الاحداث ويثير الصراعات ويشجع على القيام بأعمال معادية للجمهورية , وعلى سبيل المثال من عاصر تلك الفترة يتذكر ما أكدته إذاعة لندن في أحدى تعليقاتها حيث ذكرت التالي( يجب إرجاع الحصان الجامح إلى حضيرة الغرب ) والمقصود هنا بالحصان الجامح هو الجمهورية الفتية .

4- بدأت خطوات عملية منسقه خارجياَ بالتآمر على الجمهورية ومتخذين من مدينة الموصل قاعدة إنطلاق لهم بحكم قربها من الحدود السورية ووجود قادة عسكريين كبار فيها ووجود كبار الاقطاعيين في المناطق المحاذية لسورية والمتضررين من قانون الاصلاح الزراعي , فحصلنا على معلومات مؤكدة بدخول أسلحة عبر الحدود السورية العراقية ,عن طريق بعض الاشخاص والمجاميع وبعلم وإشراف مباشر من قبل ( الشيخ نوري الفيصل) أحد شيوخ عشائر شمر وكانت له صلة بالمخابرات البريطانية . وسبق لهذا الشيخ قد هرب الاسلحة إلى سورية للقيام بأنقلاب ضد الحكم الوطني الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء السوري آنذاك (صبري العسلي) وأثناء المحاكمة التي جرت في عام 1954 للقوى المتآمره على الحكم في سورية وشملت جماعة الحزب القومي السوري إنطوان سعادة وزوجته ومجموعة منير العجلاني وآخرون وكان يحاكمهم الضابط التقدمي ( عفيف البزري) وقد أعترف هؤلاء علناَ ومن خلال الاذاعة إنه كانت تصل لهم الاسلحة عن طريق (الشيخ نوري الفيصل) وتردد إسمه ودوره في المؤامرة عدة مرات من خلال سير المحاكمات وكانت في مدينة الموصل آنذاك بيوتات معروفة مثل ( بيت المعاني , المفتي , النجفي , العمري, السنجري, كشمولة , الطوالب … إلخ ) بعض هذه البيوتات التي ذكرتها كانت تستلم الاسلحة وتقوم بأيصالها إلى المجاميع المعادية للجمهورية . لا بد من الاشارة هنا أن أرياف الموصل في الجهه الشمالية من المدينة وهي قضاء الشيخان وناحية باعذره والقوش وتلكيف والقرى المحيطة بها يوجد فيها نفوذ قوي لتنظيماتنا وكذا تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع وجود قوميات وأديان متعدده في هذه المناطق .

5- ذكرت أعلاه بدأ تسلل القوى الرجعية المعادية للجمهورية لبعض التنظيمات القومية , وإتخذت هذه المجاميع من هذه التنظيمات كغطاء لتحركهم , هذه القوى المعادية للجمهورية استخدمت الجوامع لنشاطاتها وكان أكثر هذه الجوامع نشاطاَ هو (جامع الشيخ عجيل الياور) وكان إمام الجامع ( هاشم عبد السلام) كان يحرض ويلقي الخطب ضد الجمهورية .

6- نسقت هذه القوى مع بعض كبار الضباط في مدينة الموصل المعاديين للجمهورية وللتيارالديمقراطي وكانوا يجتمعون في صالونات وبيوتات كبار الرجعيين والعملاء وعلى سبيل المثال من هؤلاء الضباط الرائد ( محمود عزيز) الذي أصبح لولب الحركة المعادية للجمهورية في المدينة ومارس القتل بيده وكان يحتل موقع عسكري هو مساعد لعبد الوهاب الشواف .

7- اصبحت المدينة في ظل هذه الاصطفافات الجديدة تدار من قبل هذه القوى المعادية للجمهورية وبدءوا بخلق حالة الخوف واليأس بين الناس , والاستسلام لمشاريعهم , وباشر بعض من هؤلاء الضباط وبالتنسيق مع القوى المعادية للجمهورية ومع كبار البعثيين في المدينة بتنفيذ مخطط هوالاسائة إلى سمعة ( المقاومة الشعبية) وأقدموا على إرسال مجاميع من البعثيين والمؤيدين للبعث للتطوع والاندساس في صفوف المقاومة الشعبية وكنا نشخص بعضهم ولكن لوجود عدد من الضباط الرجعيين يحول دون طردهم وكان هؤلاء الضباط يستغلون مواقعهم ودورهم في الاشراف والتدريب لتمرير هذه العناصر لصفوف المقاومة الشعبية من أجل إختراقها والاسائة إلى سمعتها ومهماتها ,فلم نتمكن من إبعادهم من صفوف المقاومة الشعبية بسبب أن المقاومة الشعبية في بداية تأسيسها في مدينة الموصل كانت تقاد من قبل الضباط ومع هذا مارسنا عملية تثقيف بين الناس إنه ليس كل من هو في المقاومة الشعبية هو شيوعي أو صديق للحزب أو إنه مدافع عن الجمهورية بحق , وقد قطعنا شوط كبير في فضح هؤلاء المندسين في صفوف المقاومة الشعبية وقد شخصت الجماهير بعض من هؤلاء . وبنفس الوقت كنا ندفع بمجاميع من الوطنيين والديمقراطيين للتطوع في صفوف المقاومة , إلا أن جهودنا هذه كانت غالباَ تصطدم بالرفض والعرقلة من قبل هؤلاء الضباط الرجعيين المشرفين على المقاومة الشعبية .

8- إختلت موازين القوى في المدينة لصالح القوى الرجعية وبقايا النظام الملكي والمرتبطين بالدوائر الاستعمارية ونسبه كبيره من هؤلاء إنضموا إلى حزب البعث وبعض التنظيمات القومية وكان يرعى هذه التحركات القائد العسكري لموقع الموصل عبد الوهاب الشواف ومعه مجموعة من ضباط الجيش والاجهزة الامنية . وخيم على المدينة أجواء من الخوف وقد قام هؤلاء بمحاولات قذرة بتجنيد الشقاوات والقتلة والمجرمون وبدأوا يدفعون لهم الاموال ويحركونهم للقيام بأعمال إستفزازية وتهديد للشيوعيين والديمقراطيين لاشاعة أجواء الخوف واليأس والاحباط والاستسلام لهم , وأن أحد أهدافهم الغير معلنه هو ليس فقط التآمر على الجمهورية فحسب وإنما في توجيه ضربات ضد الشيوعيين والديمقراطيين وهذا ما تجلى لاحقاَ في إنقلابهم الاسود في عام 1963 .

9- كان عبد السلام محمد عارف يزور المدن العراقية بتكليف من الزعيم عبد الكريم قاسم وقد زار مدينة الموصل بأسم ( رسول الثورة) ولكن في زياراته هذه كان عامل سلبي في تأجيج الاوضاع في المدينة , وساهمت زيارته بخلق الاحقاد والضغائن بين أبناء المدينة المكونة من قوميات وأديان متنوعة , ومثال على إستفزازاته ففي خطاب له في ملعب القوة الجوية وكانت حشود كبيرة من الجماهير, أساء لآلاف من الجماهير المتواجدة في الملعب من الديانة الأزيدية , وكنا قبل خطابه قد أوصلنا للضباط الذين حوله أن يحرص في خطابه وأن لا يسيئ لهذه الديانه وقد بلغوه بذلك إلا إنه لم يكترث لتحذيرنا وبدأ خطابه بالاسائه لهم فأنسحب الآلاف من الازيديين مع لافتاتهم وشعاراتهم التي رفعوها في التجمع وسادت الفوضى في الملعب , إلا أن عبد السلام واصل إستفزازاته للجماهير المحتشده من أبناء المدينة فقال ( لاجان ولاجون نحن حمد وحمود لاقصور ولا ثلاجات نحن ثورة خاكية وسماوية ) فكانت كلمات إستفزازية لم تتقبلها الجماهير فأطلقت الجماهير جواب على هذه الاستفزازات (حمامات السلام) تعبيراَ عن السلام والوئام والمحبة , وقال كلمات لا تليق بموقعه ( بقوله خلي ناكل خ..) وهو بدل من أن يكون فعلاَ ( رسولاَ للثورة) كان يدغدغ مشاعر كبار الاقطاعيين المتضررين من قانون الاصلاح الزراعي ويستميلهم .

10- بدأت تظهر مجاميع مسلحة في المدينة جلها من الشقاوات وأصحاب الجرائم ومن المعادين للجمهورية وهي تشيع حالة من الخوف والرعب في صفوف الناس وتستفز الشيوعيين والديمقراطيين وتخلق أجواء من الفوضى في المدينة .

11- وبنفس الوقت توفرت لدينا معطيات عن تحرك العقيد عبد الوهاب الشواف الذي هو آمر موقع الموصل ( مقر الموقع كان في معسكر الغزلاني) ومساعده الرائد محمود عزيز وقد قطعى شوطاَ طويلاَ في المخطط المعد من الدوائر الغربية والقوى الاقليمية للاطاحة بثورة 14 تموز 1958 فكان ينسق مع الوحدات العسكرية حول الموصل وفي مواقع أخرى على سبيل المثال مع قائد الفرقة الثانية في كركوك المقدم ناظم الطبقجلي وبدأ مخطط المؤامرة ضد الجمهورية واضح بالنسبه لنا أعضاء اللجنة المحلية , وكنا نعلم قيادة الحزب عن هذه التحركات . ( يتبع)

24-6-2010 .

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *