احتمالية التزوير في التعداد السكاني وتضرر الكلدان ثانية / بقلم : د. عبدالله مرقس رابي


الدكتور عبدالله مرقس رابي
بروفيسور في علم الاجتماع

     نظرا لاهمية التعداد السكاني الاكاديمية والميدانية ,خصصت هذا المقال لتوضيح بعض الامور التي قد تحصل اثناء التعداد من قبل بعض المتنفذين .التعداد السكاني هو مسح اجتماعي شامل للمجتمع ,توضع البيانات المفصلة والمستحصلة من المسح لوضع برامج التنمية الشاملة لغرض دفع عجلة التقدم للمجتمع .واحيانا اخرى تستغل نتائج التعداد لتحقيق اغراض سياسية ,وبالذات لاجل المناطق المتنازع عليها ,او لتقرير حصة الجماعات المحلية العرقية والاكثرية في البرلمانات والمناصب الحكومية.
     وقد يحدث هذا الاستغلال في المجتمعات ذات النظام الطائفي والقومي في المنافسات السياسية التي تتمثل في المجتمعات النامية حيث الضعف في الوعي السياسي وعدم الاستقرار في وضع قوانينها ودساتيرها,  بينما ينعدم الى حد ما في المجتمعات التي قطعت شوطا كبيرا في تجربتها الديمقراطية والمنافسة السياسية التي تبنى على اسس مبدئية علمانية وعلى القانون الوضعي الذي يستمد قوته من المجتمع.
      اذا كان الغرض من نتائج التعداد هو التنمية المجتمعية ,فعملية التعداد تسير خطواتها بشكل سليم لا غبار عليها ولم تكن في موضع الشك.واما اذا سبقت عملية التعداد صراعات سياسية طائفية فهنا تكمن المشكلة العويصة في التلاعب والتزوير في نتائج التعداد لصالح القوى المتنفذة في المجتمع.وهذا هو بيت القصيد في التعداد السكاني المزمع عقده في العراق.
     يعيش المجتمع العراقي في ظروف اجتماعية وسياسية غير مستقرة ,حيث الصراعات السياسية ذات المغزى الديني الطائفي والبعيدة عن المفاهيم الوضعية التي تسند وتحقق الاستقرار الاجتماعي ,والخلط والتشويه في المفاهيم القومية,ونفوذ اصحاب المصالح والمال,والتأثير في الراي العام من قبل رجال الدين في كل الاديان باساليبهم التخويفية المرعبة للبسطاء من افراد المجتمع. ولاجل هذه العوامل يمكن التنبؤ ان التزوير وتغيير نتائج التعداد جائزةفي العراق.                             
     السؤال المهم الذي يمكن طرحه هو : كيف يمكن اجراء التزوير في نتائج التعداد السكاني؟
صرح رئيس الجهاز المركزي للاحصاء (مهدي العلاق) حول التعداد قوله(ان معالجة البيانات بعد عملية التعداد ستتم في مركز ادخال ومعالجة البيانات الخاص وان هذا المركز صمم وفق احدث المواصفات ,وسيكون له دور كبير في ادخال البيانات الخاصة بالتعداد واظهار النتائج في وقت قياسي)وعن امكان الخطأ واحتمال اثارة بعض المشكلات لاسيما في بعض المدن مثل كركوك قال(تم رفد المركز ببرنامج احصائي حديث لاتحتمل نسب الخطأ وسيتم اختباره قبل استخدامه في عملية فرز الاستمارات).
     اتفق مع رئيس المركز الاحصائي على تصريحه على توفر الاجهزة الحديثة ,فهي سهلة المنال ,لكن ماذا عن العنصر البشري الذي يقوم بجمع البيانات ؟اي بعبارة اخرى ماذا عن العدادين وميولهم السياسية ؟وماذا عن تأثير السلطات المحلية على الرأي العام والتوجيه المبرمج للاحزاب السياسية ومظاهر الاستغلال لافراد المجتمع ؟اليس بامكان العداد وضع الاجابة التي تناسب وميوله السياسية؟.
     اذا كانت عملية الفرز للبيانات تتم وفق برنامج متطور وتحت رقابة وطنية ودولية ,لكن عملية جمع المعلومات لايمكن ضبطها طالما لايتوفر العدادالمحايد والمناسب في عراق اليوم.اذ ان عملية التزوير محتملة بالاخص في السؤال المخصص للقومية فهو السؤال المهم الذي يهمنا مناقشته لصلته بموضوع المقال.فمن المعروف في استمارات البحث في العلوم الانسانية اما ان تكون الاسئلة مفتوحة وهذه تستخدم في البحوث الاستطلاعية ,كأن نقول :ما هي قوميتك ؟ونترك الاجابة للمبحوث ,او تكون الاسئلة مغلقة كأن نقول:ماهي قوميتك؟عربية – كردية – كلدانية –اشورية – تركمانية ,حيث يؤشر المبحوث على احد الاحتمالات.
     وبحسب علمي من وسائل الاعلام ان سؤال القومية الموجه للمواطنين في استمارة التعداد هو سؤال مفتوح اي ان الاجابة متروكة للمواطن .وذلك لحساسية الموضوع في عراقنا اليوم فهناك الشبك من يقول انهم عرب واخر يقول انهم اكراد وهذا ينطبق على اليزيديين, ومشكلة الكلدان والاشوريين والسريان التي تعد اكثر المشاكل تفاقما ,اذ تتداخل المفاهيم القومية لعدم وجود رؤية واضحة لافراد هذه الجماعات عن انتمائهم القومي.
     وباعتقادي ان الكلدان سيكونوا اكثرهم تضررا كما حدث لهم في العمليات الانتخابية السابقة وذلك للاسباب الاتية:
1-التاثير المباشر من المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري فهو سيعمل بكل طاقاته البشرية والمالية والعلاقاتية مع اصحاب النفوذ لكي يضع برامج لتوجيه الشعب الكلداني لكي يؤشر في استمارة التعداد التسمية المشؤومة المخترعة والمفروضة على عقول الناس (كلداني سرياني اشوري).
2-عدم وجود وعي قومي ذو تأثير على موقف الكلداني من تحديد انتمائه القومي وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها وذلك لتداخل المفهوم القومي مع المفهوم الديني عند الاغلبية وتأخر تشكيل الاحزاب السياسية عند الكلدان يعد عاملا اساسيا في تلكؤ الوعي القومي.وعليه نرى التشتت في المواقف ,فبعضهم يميلوا الى الاشورية ليس لايمانهم ان الاشورية قومية بل لتحقيق مصالح شخصية وطموحات سلطوية او وقعوا تحت تأثيرات الصداقةأو القرابة او للنقص في التركيبة النفسية لهم.وبعضهم سيؤشر ان قوميته هي عربية وبالاخص الذين يعيشون في المدن ,واما من هم في المهجر فموقفهم هو موقف اللامبالات كما حدث في عملية الانتخابات .
3- عدم وجود تنسيق جدي بين الاحزاب السياسية الكلدانية في تحديد المواقف والاتجاهات من الممارسات السياسية في البلد .
4 – تلكؤ رجال الدين في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية من نشر الوعي القومي وعدم التعاون مع التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني مقارنة برجال الدين في الكنائس النسطورية الذين نادرا ما يخلو وعظهم اوكلماتهم في المناسبات العامة من التأكيد على العمل القومي الاشوري.
5 – ومن اهم العوامل تأثيرا هو الانتماء القومي للعداد الذي سيدخل الى البيت الكلداني ,فاذا كان من المنتفعين من خيرات المجلس الشعبي…الخ ومؤيدا لسياسته حتما ان تلك العائلة ستؤشر على القومية المصطنعة حتى ولو اصرت على وضع القومية الكلدانية  اذ كلنا نتذكر ايام الزامنا بتسجيل القومية العربية في التعدادات السكانية السابقة بالرغم من ان بعض العدادين وضعوا القومية الكلدانية لارضاء المواطن لكن فيما بعد شطبت. وماذا لو حصل ان اصبحت حصة عائلة كلدانية من عداد اشوري او متأشور؟حتما ستكون مثل العائلة المذكورة اعلاه التي هي من نصيب المجلس الشعبي .
ومن هذا المنطلق نؤيد رئيس الجهاز المركزي للاحصاء بان عملية الفرز ستتم بتحكم برنامج متطور لايقبل الخطأ بل اخالفه في عملية جمع البيانات اذ لايمكن الجزم بصحتها طالما سيقع العداد تحت التأثيرات السياسية.
ولدواعي الضرورة بهذه المناسبة ولتجنب تشتت الكلدان ثانية اقترح لاحزابنا ومؤسساتنا القومية ما ياتي:
1 – تشكيل لجنة مشتركة من المؤسسات المدنية والاحزاب السياسية للتكاتف والتنسيق لوضع برنامج مكثف لنشر الوعي القومي وتوعية افراد شعبنا الكلداني باهمية التعداد السكاني للكلدان.
2 – تشكيل لجنة من مختلف التنظيمات للتنسيق مع المؤسسة الكنسية لتمارس دورها في هذا المجال .
3- يفضل ان يتم تعداد شامل لكل الابرشيات الكنسية يسبق التعداد الرسمي لكي تتم المقارنة بين النتيجتين وبذلك ستكشف كل محاولات التزوير والتاثير.وهذه عملية بسيطة جدا لاتكلف الاالقليل ويمكن الاستعانة  بخبراء في الاحصاء وعلم النفس والاجتماع من ابناء الابرشية.
4- تحميل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري رسميا المسؤولية في التاثيرات المحتملة على ابناء شعبنا قبل التعداد وتذكير هذا المجلس ان التعداد هو اختبار ميداني علمي لاختيار الفرد انتمائه القومي بحرية لا بالفرض القسري كما حدث في الانتخبات البرلمانية .وعليه ناشدوا المجلس المتنفذ ان يترك الفرد في تحديد شعوره القومي.
5 – تكثيف اعلامي لكتاب شعبنا في الصحف المحلية والمواقع الالكترونية  طالما نفتقد لمحطة تلفزيونية .
6 – ليكون من واجبات اللجنة اخبار السطات المحلية رسميا من احتمال وقوع التاثيرات الجانبية في عملية التعداد من فبل العدادين. 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *