اتركوا منكيش وشأنها ولماذا؟

 

منذ أن نشر موقع عينكاوة نداء عِبر رسالة أطلقها مجموعة من ثلاث أشخاص مجهولي الهوية بعنوان ” أهالي منكيش يستغيثون ويطلبون النجدة ” في 19/9 / 2013 ،وجهت أنظار المهتمين من أبناء شعبنا الى بلدتنا منكيش للوقوف على ما الذي يجري ؟وقد تبين لاحقا أن الرسالة مفبركة من قبل جماعة غير معروفة ومدفوعة من قبل تنظيم سياسي لتحقيق مكاسب انتخابية ـ لانها تزامنت مع انتخابات برلمان أقليم كوردستان العراق .وكان الدافع من وراء العملية واضحا جدا ،وأن ما جاء ذكره من معلومات لا تمس الحقيقة ،حيث أن الامور جرت في بلدتنا منكيش بشكلها الطبيعي وفقا للضوابط الرسمية كما وردنا من هناك.

وكانت غايتها القصوى أثارة الفتنة بين أبناء بلدتنا والاخوة الاكراد القاطنين فيها وبرضى أهلها،وذلك من خلال التذكير بعدد الشهداء الذين سقطوا على أرض منكيش وملابسات استشهادهم ،فهم شهداء معروفون لدى أهالي بلدتنا.لا يخفى على أحد منهم ظروف استشهادهم ، فمنهم اُستشهدوا لحالات اجرامية فردية ،وآخرون لاسباب سياسية، أو خلال تواجدهم في الافواج الخفيفة ،أو أثناء خدمتهم العسكرية أسوة بكل العراقيين .

وقد منح سكان منكيش أصواتهم لقائمة 127 التي تضم ” الاحزاب الكلدانية السريانية الاشورية “،وذلك أخلاصا ووفاءا من أبناء منكيش لتلك الخدمات الاسكانية والترفيهية والخدمية التي قدمها المجلس الشعبي لهم منذ تاسيسه،وهذا ما نلمسه على الواقع ” وقد ذكرت هذه المشاريع في مقالاتي المنشورة في موقع منكيش حصرا عن بلدة منكيش “،ومن جهة أخرى أن هذا السلوك هو القاعدة المعروفة في كل البلدان الديمقراطية ،اذ يمنح المواطنون أصواتهم للاحزاب التي تقدم برامجا افضل لهم .ٍ

يبلغ عدد سكان منكيش حسب آخر احصائية أجريتها بالتعاون مع بعض الاخوة الغيورين من بلدتي منكيش،أكثر من 6000 نسمة موزعين في بلدان العالم ،و1000 نسمة فقط تمسكوا بارضهم وثبتوا عليها في منكيش بحسب أحصائية وفرها لي السيد مدير الناحية مشكورا قبل بضعة أشهر، بالاضافة الى 2000 نسمة من الاكراد الذين هاجروا اليها منذ الثمانينات من القرن الماضي أي ان نسبة الكلدان فيها 33% فقط ،ولو لا الهجرة المعاكسة من مدن العراق اليها بعد عام 2003 ،لبلغ تعدادهم 759 نسمة حيث يمثل هذا العدد سكان منكيش الكلدانيين فقط سنة 1996 أثناء أحصاء ميداني شامل أجريته عندما كنت أجمع المعلومات لتاليف كتاب ” منكيش بين الحاضر والماضي “وتبين حينئذ أن نمو سكان منكيش هو سلبيا بسبب الهجرة المستمرة الى خارج العراق ولا تزال لمن تتحقق الفرصة له، أي لولا الهجرة المعاكسة كما أشرت أعلاه لكان العدد أقل من هذا كثيرا .

وللاجابة على سؤالي، لماذا نترك منكيش وشأنها؟سأوضح الاتي

أولا : يعتز ويفتخر سكان منكيش بتسميتهم الكلدانية المعاصرة ،مثلما يعتز ويفتخر الاخوة الاشوريين والسريان المعاصرين” وفي نفس الوقت يعتقدون بأننا شعب واحد مع الاشوريين والسريان بالرغم من أختلاف المذهب الديني.وقد يتبادر الى ذهن البعض بأن ما أشرت اليه هو من أجتهادي الخاص ،ليس كذلك ، أذ من أستطلاعاتي الميدانية تتراكم لدي المعلومات حول هذا الموضوع ،واني حاليا منشغل بقياس الرأي العام لسكان منكيش حول هذا الموضوع وتاتي النتائج تباعا بعد أن وضعت مقياسا للرأي العام منطلقا من أسس البحث العلمي الرصين، وساعلن عن هذه النتائج قريبا بعد اكتمالها ،أذ أن عامل التباعد المكاني يُعيقني لانجاز هذا المشروع بسرعة ” واتمنى بل وأقترح للمهتمين بهذه المسالة أن يحذو بنفس الاتجاه في كل قرية أو بلدة كلدانية واشورية وسريانية معاصرة، ليكون الشعب هو الحاسم وليس الاحزاب السياسية التي تفسر الموضوع حسب فلسفتها ومصالحها الخاصة. وبهذه المناسبة أقترح أيضا بأن يتم قياس الرأي العام لشعبنا في سهل نينوى لاستحداث المحافظة ومنح الحكم الذاتي له، لان سكان المنطقة هم المعنيون بالمحافظة من عدمها . بدلا من الجدال العقيم الدائر بين المهتمين بشؤون شعبنا .

أرى أن لكل شخص منظوره الخاص الى الظواهر الاجتماعية يتبناه نتيجة جملة من العوامل الذاتية والبيئية التي يخضع لها الكاتب ،وهذا ما تعلمته وأختبرته على مدى أكثر من 30 سنة في علم الاجتماع المعرفة الذي يهتم بالمعرفة والعارف.وسأطرح وجهة نظري في هذا الموضوع ، المستخلصة من الدراسات الميدانية المعاصرة وليس من الخوض في دهاليز التاريخ كما يفعل البعض ، وهم من أختصاصات بعيدة عنه سواء كانوا من الكتاب الكلدانيين أو الاشوريين أو السريان المعاصرين ، وذلك لان المسألة تخص بلدتي منكيش التي كتبت عنها كتابا أجتماعيا وقادتني عملية الكتابة الى جمع المعلومات التفصيلية من بين الاسطر المكتوبة في المصادر والعمل الميداني ولا أزال .

قبل كل شيء، ولكي لايُساء الظن، أود التأكيد على أنني مقتنع تماما على أننا شعب واحد له تاريخ مشترك ولغة واحدة وقيم وتقاليد واحدة وجغرافية محددة عاش عليها منذ القدم ،وبتسمياته التاريخية، الكلدان والاشوريون والسريان ، وقد صُغت أفكاري مفصلا في كتابي المعنون”الكلدان المعاصرون “الصادر سنة 2001،اعتمادا على المنهج السسيوأنثروبولوجي.وانا مع كل الاحزاب من شعبنا التي تضع برامجها لخدمته،فقد سألني أحد الاصدقاء ذات مرة عبر البريد الالكتروني عن الحزب أو الجهة التي انتمي اليها فأجبته اني مستقل لكن مع كل الاحزاب السياسية الكلدانية والاشورية والسريانية التي تخدم شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري، وآخر سألني أيضا وقال : يبدو أن مواقفك قد تغيرت بالنسبة لهذه القضية ،فأجبت ،أنني باحث والباحث يبحث على الدوام ويدرس الظواهر فاذا ظهرت مستجدات في دراساته عن الظاهرة فأنه سيغير رأيه وفق النتائج المستجدة فالباحث لايرى ويدرس الظواهر كما يجب وانما كماهي ،عكس المرتبط سياسيا فأنه سيواكب أيديولوجية حزبه أي فلسفته الفكرية ولا يستطيع تجاوز موقف الحزب من القضايا المطروحة فاذا حصل ذلك فانه سينال العقاب ،وعليه حتى وان كان كاتبا سيوجه اهتماماته ولا ينتقي المعلومات من المصادر الا تلك التي تتماشى مع فلسفة الحزب .

أنطلق في التحليل لدراساتي عن الموضوع من المنهج الانثروبولوجي،”علم الانسان ” الترجمة الحرفية له،وأرجو أن يُفهم هنا عندما تتم الاستعانة بقوانين الانثروبولوجية العلمية في دراسة الشعوب ،لا تقتصر على القانون الطبيعي الذي تختص به الانثروبولوجية الطبيعية، والذي يمثل الصفات الطبيعية للانسان التي يمكن ملاحظتها مباشرة أو يمكن الحصول عليها من اختبار “دي ،أن ،أي ” .وأنما نستعين بقوانين الانثروبولوجية الاجتماعية والحضارية والنفسية تلك القوانين التي تكمل بعضها البعض وتساعدنا على تمييز شعوب العالم الى أثنيات واعراق وأقوام ،تلك القوانين التي تعتمد على قياسات علمية يعتمدها الانثروبولوجيون وعلماء الاجتماع والنفس لغرض بنائها – لست بصدد تفصيلها- وأنما أذكر واحدا مهما هو ” جمع البيانات عن طريق الملاحظة والمشاركة “أي معايشة الباحث المجتمع المدروس والمشاركة في الفعاليات والانشطة اليومية للافراد لكي يتوصل الى الابعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية ونمط التفكير لهم، ومن ثم صياغة القوانين العلمية . أي بمعنى آخر لا نتصور أن اختلاف الاثنيات يكمن في الجانب البايولوجي الطبيعي وانما في كل الجوانب الاخرى المذكورة ومن ضمنها بالطبع اللغة.

وهكذا اقول من استنتاجاتي : لا يمكننا الاعتماد بالدرجة الاساسية على مايكتبه المؤرخون لنا من معلومات عن الحياة الاجتماعية والنفسية كالمشاعر القومية مثلا واللغوية غير المنظورة ، والتي ترجع الى 7000 سنة ، أو حتى الى عصور متأخرة،وذلك لان الحضارات البشرية في داينميكية مستمرة وفي تلاقح مستمر بفعل عاملي الانتشار والاقتباس الحضاريين،وكما هو معروف فأن نشوء الافكار القومية جاء متأخرا فقد كانت بدايته القرن السادس عشر في شمال أوربا ،وثم تبلورت النزعة القومية في منتصف القرن الثامن ،وعلى أثر ذلك نشأت الدول القومية ،أي بمعنى لم تكن النزعة القومية معروفة قبل هذا التاريخ ، وعليه فلا وجود شيء اسمه القومية العربية أو الكوردية أو الاشورية أو السريانيةأو الكلدانية أو الالمانية أو الفرنسية قبل هذا التاريخ .وعليه انطلق من هذا المبدأ عندما أقول الكلدان والاشوريين والسريان المعاصرين.

فقد برهن الانثروبولوجيون هذه الظاهرة من خلال دراساتهم المستفيضة عن الشعوب البدائية المعاصرة في الغابات الاستوائية والامازون وجنوب شرقي آسيا وفي الجزر النائية التي لم تصلها الحضارة الجديدة.حيث عايش الباحثون تفاصيل الحياة الاجتماعية لهذه الشعوب ،ومارسوا الانشطة اليومية لهم لكي يحللوا الادراك العقلي والفكري والعقائدي لهم، فتبين أن النزعة الانتمائية لديهم لاتعتمد على المفهوم القومي بقدر ما هي معتمدة على النزعة القبلية.وهكذا استفادت الدراسات الاكاديمية في مختلف الاختصاصات من الدراسات الانثروبولوجية عن الشعوب البدائية في تفسير أصول العديد من الظواهر كالعائلة والزواج والدين والاقتصاد والقانون وغيرها في المجتمع البشري ،حيث أن تلك المجتمعات أصبحت بمثابة مختبر علمي ميدأني لدراساتهم.

عندما أدرس المشاعر القومية لابناء شعبنا ،لا اعتمد على ما قيل من قبل الاحزاب السياسية أو الكتب التاريخية التي لا تتمكن من تفسير هذه الظاهرة دون الرجوع الى المنهج الانثروبولوجي ،كتلك الفرضيات التي يتشبث بها البعض تحت تأثيرات أيديولوجية ومعتمدة على المنطق القديم في تحليلها ،كأن نقول ” ان سكان القرى التي هي على أرض آشور هي آشورية ” ،منكيش أو أية قرية أخرى تقع على ارض آشور حاليا ،فاذا منكيش وغيرها آشورية . أو مثل تلك الفرضية التي تقول عندما تسقط الامبراطوريات يُباد الشعب ، الامبراطورية الاشورية سقطت عام 613 قبل الميلاد ،فاذا الاشوريون أُبيدو تماما ، وتنطبق أيضا على الكلدان .مثل هذه التفسيرات تعتمد على المنطق الاستنباطي القديم الذي وضعه ارسطو طاليس الفيلسوف اليوناني ،الذي لا تأخذ العلوم الانسانية به اليوم لتفسير الظواهر الاجتماعية ،بل تعتمد المنطق الحديث الذي يعتمد على الاستقراء ،أي جمع المعلومات عن الظاهرة المدروسة وثم تحليلها .

فعندما أدرس ظاهرة الانتماء القومي في منكيش مثلا لا يمكنني الاعتماد على الفرضية المذكورة والتفسير المذكور،بل ألجأ ألى جمع المعلومات ميدانيا، ساستعين بالاحداث واحاديث الناس ، فمثلا لم يثبت لي من دراستي الميدانية سنة 1996 أن أحدا من المسنين في منكيش ذكر كلمة آشوريين عند وصف احداث سميل وحماية الهاربين من القرى المجاورة من مجلمخت وكوندكوسا الى منكيش بل كل ما نُطق به هو”تيارايي : أو, بزنايي ” فكلما كنا نمر في طريقنا ومنذ طفولتنا من قرية “كوري كافانا ” ونسال الكبار لمن هذه القرية ،الجواب تيارايي وهكذا عند السؤال من كان يسكن قبل 1933 قرية ” ملجمخت ” فالجواب تيارايي ، وعندما كنا نمر من أمام قرية باكيرات ونسال اهالينا لمن هذه القرية فيقولون بزنايي، ولا يزال الى يومنا هذا تطلق على مأساة سميل وتداعياتها ” فرمان دتيارايي ” وليس فرمان دآشورايي ،فهل كانوا أهالين وآبائنا “بهليي” لدرجة لم يعرفوا انهم ’آشوريون لكي يقولوها لنا.

وألجأ الى دراسة التراث ،قياس مشاعر الناس تجاه الظاهرة المدروسة ،اللغة ، الانشطة والممارسات اليومية ,اضافة الاخذ بنظر الاعتبار وهو عامل مهم جدا ، التلاقح الحضاري عن طريق الاقتباس والانتشار بواسطة الحروب بين الشعوب ،فكم من مرة هدمت منكيش وبنيت اخرى على الانقاض /وكم من المرات تغيرت تسميتها بحسب العوامل الدينية واللغوية ،وكم من الجماعات البشرية قدم اليها وغادرها، وكثيرا ما يتحجج بعضهم بان أصول العديد من العشائر في منكيش أو القرى الاخرى قد انحدرت من قرى هكاري وعلى هذا الاساس انهم آشوريون،ومن أثبت علميا أنهم آشوريون أو, كلدان أو سريان ؟ ،وهذا ماينطبق على المنطقة باسرها من القرى والمدن.

فمن يتعصب و يُرجع اصول الاثنيات الثلاث الاشورية والسريانية والكلدانية الى اثنية واحدة كلدانية او آشورية او سريانية ويلغي الاخريات ومنذ الاف السنين فذلك غير منطقي ، فكيف يقتنع الكلداني بانه مستمر في الحياة بعد سقوط دولتهم وانما لا يقتنع باستمرار الشعب الاشوري في الوجود بعد سقوط دولتهم؟ ،وهكذا بالنسبة للاشوري كيف يقتنع بأبادة الكلدان لانهم تعرضوا للاضطهاد الديني في موطنهم؟ ولم يقتنع بأبادة الاشوريين، فلماذا لايقتنعوا بفكرة هروب الكلدان من الجنوب بسبب الاضطهاد وتوجههم شمالا ؟،علما هناك ادلة منذ الحملات العسكرية الاشورية وحملهم للكلدان كاسرى في مناطقهم ،أو هروب الكلدان من الاضطهاد الديني نحوالمناطق الوعرةفي شمال العراق.فاذايتضح وجليا بان ما يدلي به البعض نحو هذه الظاهرة متأثر بالايديولوجية السياسية . لانه ببساطة تشير كل الدراسات الى انه لم تظهر النزعة القومية عند الشعوب الا بعد القرن السادس عشر كما ذكرنا أعلاه .ومن هذا المنطلق نقول لنترك المسالة للفرد فهو صاحب الحق في تقرير مايشعر به وليس ما يفرض عليه.ولنحترم بعضنا البعض ونتكاتف ونتعاون والا نحن معرضين للاندماج مع الشعوب الاخرى لا محال.

أما الجواب الثاني عن سؤالي فهو :

تعد منكيش مركز ناحية الدوسكي المسماة نسبة الى عشائر الدوسكي الكوردية.وهي القرية الوحيدة في الناحية كلدانية مسيحية ومحاطة ب 58 قرية كوردية أسلامية ،ماعدا قرية ” كوندكوسا “الاشورية .ويعيش في منكيش كما ذكرت اعلاه 2000 كوردي ولهم جامعين لتقديم الخدمات الدينية.وأما سكان منكيش من الكلدان فهم 1000 نسمة ولهم كنيسة واحدة وتعدادهم يتميز بنمو سلبي بسبب الهجرة الفتاكة . وهذه هي أحدث الاحصائيات التي وصلتني قبل ثلاثة شهور من مديرية ناحية منكيش.

من خلال دراستي الميدانية كما قلت لاغراض تاليف كتابي عن بلدتي ، تبين بأن العلاقات بين منكيش والقرى الكوردية كانت تاريخيا مبنية على التقارب والعلاقات الاجتماعية التي أمتازت بالطيبة والاحترام المتبادل فكل الاسر المنكيشية كانت لها اسر صديقة في القرى الكوردية ،ولم تحدث اية صدامات جماعية بينهم على الاطلاق ،فكان دائما المنكيشيون يشعرون بالامان والهدوء في ناحيتهم وهي محاطة بقرى كوردية ،ولحد قيام الثورة الكوردية عام 1963 كانت المنطقة تعيش بأمان وأبرز مثال على ذلك هو مبيت الاهالي ليلا في موسم جني العنب من الكروم التي تشتهر بها منكيش ولمدة شهرين تقريبا في المزارع نفسها دون أية حوادث تذكر،الذي يسمى موسم ” الطماشا ” ،ولان الحكومة المركزية كانت مسيطرة على مركز الناحية ولم تخضع القرى الاخرى لسيطرتها ،فلا بد من وقوع ضحايا من أهالي منكيش بسبب الحرب الدائرة بين الثوار الاكراد والحكومة ،فاستشهد بعض الافراد مثلا وهم في طريقهم للسفر الى دهوك أو خروجهم على مسافة بعيدة من القرية للعمل الزراعي وما شابه.

ولم يكن استشهاد المختار حنا صنا عام 1955 الا غدرا بسبب مسالة الحدود .وأما حنكرا وقد استشهد عن طريق الخطأ فكان المقصود أحد الاكراد المخاصمين وليس هو ،وقصة استشهاده معروفة لدى المنكيشيين ،وأما الباقين أستشهدوا لاسباب ذكرتها في مقدمة المقال .

كان الآغوات هم المسؤولون عن الامن والضبط وبالتعاون مع مختار منكيش والوجهاء تاريخيا. فبالرغم من تواجد كثيف للاكراد من القرى المجاورة منذ سنة 1963 في منكيش ،أذ كانت دور المنكيشيين مفتوحة لهم فسكنوا في البيوت غير المؤهولة التي غادرها أصحابها الى بغداد وتوزعت العوائل الكوردية في البيوت الاخرى بتخصيص غرفة لهم ،وبالرغم من هذا التواجد فلم تحدث اية اضطرابات تذكر ’حيث كان الاغا المرحوم جعفر البيسفكي مسؤولا على امنها وحريصا على القرية من كل سوء .كانت تبادل الزيارات العائلية المتبادلة تتميز بالعلاقات الجيدة بين الكورد والكلدان ،وكانت المشاركات في الافراح والاحزان قائمة بينهم فلم يخلو عرس منكيشي من الاكراد يعبرون عن فرحتهم وبهجتهم لزواج جيرانهم،وهكذا لنا من ذلك العهد أصدقاء من الكورد حضرنا المدرسة سوية وشاركنا اللعب سوية وسافرنا سوية ولم نشعر بفرق بيننا على أساس الدين أو القومية .

أستمرت هذه الحالة حتى سنة 1970 حيث عم السلام بعد 11 آذار ،فغادرت العوائل الكوردية متطوعة ,واتذكر ومعي كل المنكيشيين كيف كانت المواقف محزنة وتراجيدية عندما كانت تلك العوائل تودع جيرانها المسيحيين ،وكان الفراق صعبا بعد عُشرة أخوية.

وبدأت العوائل الكوردية ثانية يزداد عددها في منكيش منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي بحكم الوظيفة في دوائر الناحية ’وثم حصولهم على قطع اراضي سكنية بحسب القوانين الحكومية وليس عن طريق الاستيلاء،وازداد عددهم بعد ألاستقرار الامني منذ 1991 فوصل عددهم الى المذكور اعلاه ،وهم يعيشون مع بعضهم بالمحبة والتعاون ولاحترام المتبادل والاخوة ،فأستمرت ثانية الانشطة الاجتماعية المشتركة بكل جوانبها وأشكالها دون أية أضطرابات تذكر ،فهناك العيش المشترك والمصير المشترك.بين الكلدان والكورد ،ويضطلع دورا مهما كبيرا الآغا آزاد أبن المرحوم جعفر آغا لتقوية أواصر المحبة والاحترام وحفظ الامن وبالتعاون مع المختار والوجهاء من بلدتنا ” فقبل شهرين اتصلت تلفونيا معه ،فقلت هل تعرفني ،فأجابني يكفي أن تقول أنا منكيشي ” كم هي هذه العبارة عظيمة ولها أبعاد نفسية وأجتماعية لا حدود لها ،فهي تكفي لتفنيد ما قيل مؤخرا عن المنكيشيين وعلاقتنا مع الكورد ،وهو الاغا نفسه الذي كان في موكب أستقبال غبطة البطريرك مار لويس ساكو في زيارته الاخيرة الى منكيش الى جانب المنكيشيين .

ولهذا أقول أتركوا منكيش وشأنها فلها خصوصيتها الاجتماعية والسكانية والتاريخية ، ولا يمكن أن تخترق جدارها الاجتماعي ونسيجها السكاني المتحد أية محاولة فحتما ستكون بائسة ، فالذين يزرعون الفتن لا وجود لهم بين أهالي منكيش من الكلدان والكورد ، فهم يحترمون الكورد والاشوريين والسريان، فلم يفكروا يوما بوجود فرق بينهم .فالا تخافون من زرع الفتن واحزاب شعبنا وكل المهتمين يسعون لبقاء وتشبث شعبنا بارضه /فهل هذه الطريقة السليمة هي عندكم لبقاء شعبنا على ارضه؟ أم نفكر بخلق سبل العيش المشترك بين جميع مكونات الشعب العراقي لنحافظ على سلامتهم.

 

د. عبدالله مرقس رابي

باحث اكاديمي

 

 

You may also like...

1 Response

  1. . A very serious and scientific study.I hope other studies are done for Alqosh and other Christian Towns by qualfied proffessionals.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *