إنها كوباني وليست عين عرب يا بجم / محمد مندلاوي

في هذه المقالة لا أريد الخوض في حيثيات الإعلام العربي الأجير, الذي كان منذ نشأته ولا يزال عبداً مطيعاً وذليلاً عند سيده الحاكم العربي, المتسلط على رقاب شعبه بالحديد والنار والسيف البتار, ويسوق ويزوق له ما يملي عليه من أكاذيب وتلفيقات يخدع ويشوش بها عقل المتلقي العربي. وموضوعنا لهذا اليوم, هو اسم مدينة كوباني KOBANÊ) – کۆبانێ) الذي تداوله وسائل الإعلام بكثرة في الآونة الأخيرة, والتي تقع في غربي كوردستان (سوريا) وفاق شهرتها الآفاق في هذه الأيام الحبلى بالمفاجئات العجيبة بسبب الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من قبل الدولة الإسلامية (IS) ودفاع الكورد عنها ببسالة وشجاعة لا نظير لها في العصر الحديث, وعلى وجه الخصوص الدفاع المستميت للفتيات الكورديات الماجدات اللواتي في نضارة الشباب, إذ قدمت أفواجاً منهن حياتهن قرباناً للأرض والعرض, بصمودهن وكبريائهن كالطود الشامخ ضد قوى الظلام والتخلف القادمة من غياهب التاريخ. إن الإعلام العربي العاهر كعادته في تحريف الحقائق الناصعة على الأرض وتشويهها, نقل للشارع العربي اسم هذه المدينة الأبية بصيغته المستعربة “عين عرب” تماماً كأسماء شقيقاتها اللواتي استعربن في غرب كوردستان من قبل النظام السوري العروبي منذ عشرات السنين. لو كان الإعلام العربي محتفظاً بجزء ولو يسير من ميثاق شرف المهنة, لما اجتر في وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة كالببغاء الأجرب الاسم الشاذ لهذه المدينة الكوردستانية التي عانت الويلات والكوارث على أيدي الأنظمة اليعربية المتعاقبة على دست الحكم في بلاد الشام بطريقة أبشع وأفظع مما كانت عليه أبان الاحتلال الغربي. ولايزال هناك نظاماً عنصرياً قابعاً على جسد شعبنا, ومستمر باحتلاله البغيض للجزء الغربي من وطننا الذي مزق بحراب المستعمرين الأوباش, وبعد انسحاب الغرب المستعمر من المنطقة تركوا وطننا الذي جزئوه إلى أربعة أجزاء كوديعة في أيدي وكلائهم اللذين نابوا عنهم في المنطقة, وهم حكام سوريا والعراق وإيران وتركيا, أن أفراد هذا المربع الشيطاني كانوا ألعن وأنحط من أسيادهم الغرب (الكافر) ألف مرة. لقد ذاق الشعب الكوردي ووطنه كوردستان على أيديهم الويلات. دعونا نأخذ على سبيل المثال وليس الحصر سوريا وما فعلتها بجزء من شعبنا ووطننا الذي اقتطع من الوطن الأم كوردستان وفق اتفاقية “سايكس بيكو” التآمرية وألحق قسراً بالكيان السوري الذي جاء إلى الوجود كجنين غير شرعي بإرادة الاستعمار الفرنسي الغاشم. لقد سبق النظام السوري الأنظمة الثلاث الشمولية الأخرى بتعريب كلما هو كوردي على الجزء الذي بحوزته غربي كوردستان, بدأً بسحب الجنسية ومصادرة أراضي الكورد وتوزيعها على المستوطنين العرب الذين جيء بهم من الصحراء السورية, ومروراً بالحزام العربي السيء الصيت, الذي بموجبه تم تهجير الشعب الكوردي من مناطقهم التي تواجدوا عليها منذ أزمنة سحيقة, وهي امتداد طبيعي لجنوبي وشمالي كوردستان, وكان هدف النظام العروبي العنصري من الحزام العربي, هو أن يمنع في قادم الأيام عودة غربي كوردستان إلى الوطن الأم الذي كان جزءاً منه قبل التجزئة والاحتلال وإلحاقه قسراً بالكيان السوري الذي أفرخته اتفاقية سايكس بيكو اللعينة. وانتهت سياسة العداء المرحلي التي نفذها النظام العنصري في الستينات القرن الماضي ضد الشعب الكوردي المناضل, بتغيير الديمغرافي لغربي كوردستان الذي شمل جانب منها إزالة أسماء القرى والمدن والجبال والأنهر الكوردية من الخارطة, ومن هذه المدن التي غير النظام العفن اسمها الكوردي العريق, هو مدينة الصمود والتصدي (كوباني) التي عُربت إلى الاسم العربي النكر “عين عرب” بالإضافة إلى هذا الفعل العنصري القبيح جرى في ذات التاريخ تعريب أكثر من (1000) اسم آخر شملت المدن والقرى والقصبات والجبال والأنهر الكوردية العريقة التي كانت تحمل أسمائها الأصيلة منذ زمن قديم جداً يصعب تحديد تاريخه. من هذه المدن المغضوب عليها, مدينة ديريك الكوردية التي عُربت إلى المالكية… ربما نسبة لمالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي. ومدينة تربة سبي التي عُربت إلى القحطانية, قد يكون نسبة لقحطان… جد العرب العاربة في اليمن, يا ترى من جاء بقحطان من اليمن السعيد إلى غربي كوردستان وكيف!!. وكذلك عُربت تل كوچر إلى اليعربية. بالمناسبة, بالأمس نقلت القنوات العاهرة خبراً عن حصار داعش لهذه المدينة الكوردية الأبية, وكالعادة رددت هذه القنوات المخصصة لمعادات شعوب الشرق الأوسط باستثناء العرب, الاسم المستعرب للمدينة “اليعربية” ولم تسأل هذه القنوات الرخيصة نفسها, كيف بمدينة كوردية واسمها اليعربية!!. هل يقبلوا من الآخر إذا يطلق الاسم العبري أورشليم على مدينة القدس؟. لقد صدق العلامة (ابن خلدون) الذي قال قولته المشهورة والتي ستبقى خالداً أبد الدهر:” إذا عُربت خُربت, وأينما حل العرب حل الخراب”. وبالفعل صدق هذا الصادق الصدوق لقد حل الخراب والدمار في كوردستاننا حين احتلها العرب احتلالاً استيطانياً. إن هؤلاء القادمون من الربع الخالي في غالب الأحيان إذا لم يجدوا اسماً ملائماً للاسم الكوردي الذي يبغون تعريبه, سوف يترجموا الاسم الكوردي إلى اللغة العربية, مثال اسم مدينة سري كاني الذي ترجم إلى العربية ترجمة حرفية رآس العين. وفي بعض الأحيان عربوا الاسم الكوردي لفظاً فقط, ومن ثم دونوا الاسم وفق هذا التلفظ الشاذ, كدربيسي التي يلفظها العرب درباسية. وقامشلو, قامشلي. وأزاز, إعزاز. وآمودي, عامودة. وحجيك, الحجاج, وهلم جرا. لم يكتفي هؤلاء العروبيون بهذه الأفعال المنافية للأخلاق والقيم الإنسانية, بل تجاوزوها إلى ما هو أسقط وأنحط منها, حيث استبدلوا الأسماء الكوردية بأسماء عربية جاءوا بها من كيانات عربية أخرى, أو بأسماء مدن عربية تقع في فلسطين عصي عليهم تحريرها من يد إسرائيل الضاربة جاءوا وألصقوها بالمدن الكوردية, وبهذا الفعل العنصري الشنيع يتخيل هؤلاء شذاذ الآفاق أنهم قد حرروها من أيدي اليهود. من هذه المدن التي دق اليهود خازوقاً في أسفلهم كما قال (نزار قباني) من شرم الشيخ إلى سعسع.. خازوق دق ولن يطلع, هي شرم الشيخ نفسها, التي حلت محل اسم شكر خاچ الكوردية. وعكا, حلت محل اسم هج متري. اسم اللد, حل محل قوليي. واسم حيفا, حل محل اسم رك آفا. وقرية كوردية أخرة جرى تغييرها باسم حيفا, هي كالو. واسم يافا, حل محل سويديكاكشي. ودير ياسين التي هربت منها جموع العرب وتركوها (للصهاينة) مجاناً, حلت اسمها محل الاسم الكوردي الأصيل, كرداري. ذكراً لدير ياسين, يقول (مناحيم بيجن) في مذكراته عن هذه القرية كان العرب يهربون منها دون أن يشتبكوا مع اليهود في أية معركة, وقد ساعدتنا اسطورة دير ياسين في المحافظة على طبريا واحتلال حيفا. ويضيف بيجن, وتقدمت جميع القوات اليهودية في هجومها الناجح على حيفا, بينما كان العرب يهربون مذعورين صائحين ” دير ياسين”. واسم قطاع غزة, حل محل اسم باغوس الكوردية. واسم خان يونس, حل محل برابيت الكوردستانية. وجاءوا من العراق باسمي مدينتين الأولى شيعية والثانية سنية وهما معاديتان لبعضهما على طول التاريخ, الأولى كاظمية التي حلت مكان الاسم الكوردي كاني مترب, والثانية أعظمية حلت محل الاسم الكوردي كرانة شرقي. بما أن العنصرية تعمي البصر والبصيرة, استوردوا اسم كربلاء من العراق وألصقوها على الاسم الكوردي بليسة, ولم يعرف هؤلاء الدهماء, أن اسم كربلاء ليس اسماً عربياً, بل هو اسم آري من كاربالا. واسم مدينة النجف, حيث مدفن علي بن أبي طالب حل محل الاسم الكوردي قل دومان. ومن جمهورية مصر جاءوا لنا باسم بورسعيد, أزالوا بها اسم قتراني دشتي. وقاهرة عاصمة مصر, حلت محل هرم رش دقوري. ومن الجزائر استوردوا لنا اسم وهران, وهو اسم أمازيغي وليس بعربي, حل محل اسم مزگفت الذي يعنى المسجد باللغة الكوردية, بلا شك لو كان الاسم غير كوردي, لمعبد وثني أو كنيس يهودي أو مسيحي لم يجرء العروبيون على تعريبه, لأنهم أبقوا في سوريا على الأسماء اليونانية والرومانية والفرنسية. واسم البعث, حل محل بيركي كوسكان. واسم البعثية, حل محل كودوشان. واسم عروبة, وضع مكان كور علي الكوردية, الخ الخ الخ. سيراً على نهج البعث السوري العنصري, قام البعث العراقي المجرم, بتنفيذ نفس السياسة الرعناء ضد الشعب الكوردي في جنوبي كوردستان, حيث استعرب أسماء كثيرة في كوردستان, بدءاً من بدرة ومروراً بمدينة ورازرو التي عربت إلى بلدروز وانتهاءاً بآكري التي عربت إلى عقرة وشنگال إلى سنجار الخ. مما لا شك فيه, أن الفرق بين شقي حزب البعث, هو كالفرق بين الكلب الأبيض والكلب الأسود. من القنوات العربية التي رددت الاسم النكر “عين عرب” بدل (كوباني) وجرحت بها مشاعر الملايين من الشعب الكوردي, هي إحدى القنوات التي تأتي في مقدمة القنوات الإخبارية العربية, يظهر أنها لا تفحص جيداً المواد التي تبثها بقدر اهتمام مذيعاتها بمكياجهن الخاطف وتسريحة شعرهن, أو إنها تعرف وتحرف بسبب العرق العنصري المقيت, الذي لم يتحرر من إفرازاته قطاع واسع من العرب إلى اليوم, إلا أن شيخ مشايخ شمر (حميدي دهام الهادي) وهو عربي قح ومن سكان الجزيرة القريبة من كوباني لم يساير هذه القنوات العربية التي تشوه العقل العربي, وقال في لقاء له مع قناة روناهي الكوردية بملء فمه مدينة (كوباني) ولم يقل مدينة “عين عرب”. وكذلك رئيس البرلمان العراق الاتحادي الدكتور (سليم الجبوري) في لقاء له مع قناة العربية قال عن منطقة كوباني وتوابعها, المناطق الكوردستانية. للحقيقة أقول, أن بعض وسائل الإعلام الكوردية في جنوبي كوردستان والتي تدور في فلك إحدى الأحزاب المتنفذة هناك, كان دورها سيئاً للغاية في الآونة الأخيرة في نقل الأحداث الجارية في مدينة كوباني, وحين أشاهدها في هذه الأيام العصيبة, كأنني أشاهد قنوات تركية طورانية لنقل ما يجري في كوباني الأبية, تارة تعرض لقطات متقطعة بطريقة إخراج سينمائي عن المدينة وهي خاوية من سكانها. وتارة أخرى تبث الأخبار بطريقة خبيثة, بدل أن تقول أن المقاتلين الكورد الاشاوس أوقفوا تقدم قوات داعش نحو كوباني, تزعم أن داعش أوقف تقدمها نحو كوباني. وفي جانب آخر تشوه الحقائق وتسوق للأتراك الطورانيين حين تقول: أن تركيا تقدم العون والمساعدة للعوائل الكوردية الهاربة من داعش. في حقيقتها لم تكن هكذا لقد شاهد العالم كيف أن القوات التركية ترميهم بالقنابل المسيلة للدموع وترشهم بخراطيم المياه وتضرب النساء والشيوخ والأطفال بالعصي والهراوات, بل وصل حقد تركيا الأعمى على الكورد, حتى قتلت منهم أشخاصاً عزل, لجئوا إليها هرباً من بطش داعش. وأخيراً تقمص رئيس مجلس وزراء الإقليم دور المحامي… في الدفاع عن تركيا الطورانية, حين قال:” ليست لتركيا علاقة مع داعش” لقد نسي رئيس مجلس الوزراء الإقليم, أن تركيا ذاتها لم تنفي هذه التهمة عن نفسها. نأمل من الإعلام الكوردي, أن لا يكون شفاه مدلاة على نعال السلطان, لأنه إذا انتهج مثل هذا النهج الرخيص, سيفقد ما بقي له من مصداقية عند الشارع الكوردستاني وينصاب بذات الداء الذي أصيب به الإعلام العربي… الذي فقد مصداقيته تماماً لدى الشارع العربي.

محمد مندلاوي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *