ألقـوشُ والأبطالُ والهِـمَم ، شـرَفُ الزمانِ ونـبضها كـرَمُ

 

النجـم الـقـطبي يـبقى متلألـئاً فـوق جـبل ألقـوش مهـما دارت النجـوم ليلاً

ألقـوش وتأريخها الموثـق يزيـد عـن 2700 سنة وما أدراك كم من العـمْر قـبل تـوثيقها ، تـقـف صامدة وجـبلها الشامخ يصد عـنها عـواصف الزمن ويحـمي ظهرها من غـدر مفاجآت المحـن ،  وصدور أبنائها تـتحـدى قـوات الـوثـن .

لا يخـفى عـلى الجـميع تأريخ ألقـوش المميَّـز سـواءاً قـبل قـرون وآلاف من السنين أو في عـصرنا الحـديث ، نعـم لـقـد دفـعـتْ ألقـوش شهـداء وضحايا ثـمن صمودها ، إنها سُـنة الحـياة فالأشجار الحـية تـنـثـلم أغـصانها ولكـنها تأبى أن تموت إلاّ وهي واقـفة ، وكم من شجـرة لم تمتْ حـتى الـيوم يستـظل تحـت أوراقها الكـثيرون .

في مقال سابق سألتُ : مَن كان يحـمي ألقـوش قـبل 100 و 200 و 300 سنة وعَـبر التأريخ ؟ أجاب أحـدهم في ردّه وقال : إنّ أهـل ألقـوش هم الـذين يحـمون ألقـوش ولا يزالـون ! ما أحلاه من جـواب .

إنه فخـرٌ لأبناء ألقـوش الكـلـدانيّـين أن نعـيـد للأذهان دائماً وقـفـتهم التأريخـية في عام 1933 حـين هـبَّـوا كـرجـل واحـد مستعـدين للإستـبسال حـتى الموت دفاعاً عـن إخـوانهم الآثـوريّـين الـوافـدين إليها طالبـين الحـماية هـرباً من الـتـنـكـيل بهم وإعـدامهم بسبب الفـرمان الحـكـومي الصادر بحـقهم ، والجـيش يحـيط بالـبـلـدة منـتـظراً أوامر القـصف بالمـدفـعـية ، وجـموع العـشائر المتـنـوعة حـولها جاهـزة لإقـتحامها كـوحـوش الغاب للإستيلاء عـليها وجـمع الغـنائم منها ، ما لم يُـترك الآثـوريون يخـرجـون خارجها لإبادتهم ، فـلم يهـدأ للألقـوشـيّـين بالٌ والوضع متـوتر يُـنـذر بإنفجار يؤدي إلى كارثة فـظيعة فـتـخـتـلط الـدماء عـلى أرض ألقـوش المقـدسة ….. حـتى إستحـصل الـﭘـطريرك الكـلـداني في الموصل المرحـوم مار عـمانوئيل تـومكا قـراراً مَـلكـياً بإعـفاء الآثـوريّـين من الإعـدام الجـماعي .

فالأصيل أصيل لا يقـبل الـتـزوير ولا يحـتاج إلى تجـميل ، وما أكـثره التأريخ يعـيد نـفـسه مثـلما يحـدث الـيوم ، حـين هاجـت قـوات داعـش الإرهابـية يوم 9 حـزيران وإحـتـلت الموصل وبعـد شهـرين تـقـريـباً تـراجـعـتْ القـوات الحامية لقـضاء تـلكـيف فـدخـل الإرهابـيون إليها بسهولة مما بث الـذعـر في القـرى المجاورة عـلى الطريق فهاج أهاليها وغادروها فـوراً ، وفي حـينها وصلت الأخـبار إلى أهالي ألقـوش وهُـم عـلى دراية بسلوكـيات تلك العـصابة الهمجـية ، فـما العـمل ؟ .

إن الـقـوى ليست متكافـئة ، فالأسلحة الخـفـيفة التي يمتلكـها شـباب ألقـوش لا يمكـنها مقاومة قـوات داعـش المسلحة بأسلحة ثـقـيلة وحـديثة والتي عـجـزت قـوات الـﭘـيشمرﮔـة عـن صدّها بـدليل أن الـبرزاني نـفـسه وصفها لغـبطة الـﭘـطريرك ساكـو قائلاً : نحـن لـسنا نـقاتل عـصابات وإنما دولة إرهابـية !! بالإضافة إلى أن تلك القـوات لا تعـرف الإلـتـزامات الأخلاقـية للحـرب ، وإنما تـتصرف كالبرابرة الكاسرة بل وأكـثر ….  فـلما خـرجـت قـوات الـﭘـيشمرﮔـة من ألقـوش تبعها المسلـحـون من حـزب زوعا الآثـوري أيضاً ، بل وحـتى السيد قائممقام تلكـيف الألقـوشي غادر ليلاً مع جـميع الأهالي ، تاركـين بعـض الشباب أياً كانت إنـتماءاتهم الفـكـرية ولكـنهم ورثـوا الأصالة الكـلـدانية من أجـدادهم ، والغـيرة والنخـوة والشجاعة تـتلألأ عـنـدهم ………… فأعاد التأريخ نـفـسه ليسجـل لأبناء ألقـوش مرة أخـرى وقـفـتهم البطولية التي ستبقى في ذاكـرة الأجـيال مدى الأعـمار ، فـبقي هـؤلاء الشباب يحـرسـون الـبـلـدة حـتى هـذه اللحـظات تحـسباً لإعـتـداءات ذوي الـنـفـوس الضعـيفة الـدنيئة من القـرى الأخـرى أو حـتى الـبعـيـدة فـيُـقـدِمون بسياراتهم عـلى سـرقة البـيوت ، خاصة ونحـن نسمع عـن سرقات من هـذا الـقـبـيل في القـرى المسيحـية التي دخـلتها قـوات داعـش الإرهابـية .

أتـذكـر أيام الستينات والسبعـينات من القـرن الماضي إبّان الحـركة الكـردية كان أبناء شعـبنا المسيحي في مخـتـلف المناطق من العـراق يوجهـون أنظارهم إلى ألقـوش ويسألون عـنها ، فإن كانت صامـدة فالقـرى المسيحـية كـلها ثابتة لا تـتـزعـزع والمسيحـيون بخـير بشكـل عام … وإذا إهـتـزتْ ألقـوش ــ لا سمح الله ــ فـمعـنـويات الآخـرين يصيـبها الشلل .  واليـوم نـفـس الشيء يحـدث فالكـثيرون يسألون عـن ألـقـوش مركـز ثـقـل المسيحـيّـين في الـوقـت الـذي نعـتـز بالبـلـدات الأخـرى جـميعها .

وكم هـو مفـرح ومقـوّي للمعـنـويات حـين أقام الأب غـزوان شهارا قـداساً في كـنيسة مار ﮔـورﮔـيس وسط ألقـوش للشباب والعـوائل القـليلة الصامـدة فـيها بمناسبة عـيـد إنـتـقال السيدة العـذراء 15آب 2014  نطلب من الرب يسوع والعـذراء أمه أن يحـموا ألقـوش من دنـس الأشـرار ويرجع أهاليها إليها ويهـنـؤوا بها .

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *