أحذروا من طروحات رجال الدين عن لغتنا / د. عبدالله مرقس رابي

أحتدم  النقاش في الاونة الاخيرة حول تسمية لغتنا، وتطورها، وعلاقتها بالتراث الديني والاجتماعي بين الكُتاب المهتمين بالموضوع. أردت كمتابع وباحث أجتماعي المشاركة في أبداء رأيي عن الموضوع ، فبدأت البحث وأستقصاء المعلومات.لاحظت أن الغالبية من المهتمين في موضوع اللغة كانت أستعانتهم بالمصادر والاراء التي تنحصر في ما كتبه أو طرحه الكُتاب الروحانيين بمختلف درجاتهم الكهنوتية. كما يتخذ المهتمون تلك الكتابات مبرراً مقدساً، تأثرا بعقلية تقديس رجل الدين على اساس مبدأ ” التفويض الالهي”، وان كل ما يكتبه او يتفوه به مقدس وحقيقي لا يمكن مناقشته. بالرغم من ان بعضهم لا يقرون بهكذا عقلية الا انها تبقى حجة للتاثير على الاخرين. ويصر كل واحد على أن ما توصل أليه هو الحقيقة المطلقة. فأصبح تخبط وعدم وضوح تسمية اللغة عند هؤلاء متأثراً بتخبط وعدم وضوح نتاجات رجال الدين. وعليه شرعت في دراسة ما كتب رجال الدين بما تيسر عندي من كتب تعود لهم كعينة وأمثلة.
فما الذي أستنتجته من قرائتي لكتبهم ولماذا أطالب المهتمين بالحذر منها؟ لغرض تبسيط الفكرة والمقصود من تحليلي أقتبس ما يتعلق بالموضوع من تلك الكتب المُختارة كعينة.
قاموس المعنون أصلا” دليل الراغبين في لغة الاراميين” لمؤلفه المطران ” يعقوب أوجين منا” المطبوع عام 1900 في الموصل.
وهو القاموس الذي لاحظت التكرار عند الكُتاب للأستعانة به. وقد أعاد طبعه البطريرك روفائيل بيداويذ سنة 1975 . لنتابع ما يثُير الانتباه من غرائب وتناقضات في الطرح الذي وُرد في مقدمة الطبعتين. تبين في مقدمة الناشرعند أعادة طبعه :
عنونه في طبعته الثانية ” قاموس كلداني – عربي” فيدل من العنوان، الترجمة هي من اللغة الكلدانية الى العربية، أي أن اللجنة المكلفة باعادة طبع القاموس تقُر بأن القاموس هو باللغة الكلدانية. بينما العنوان الاصلي هو كما وُرد اعلاه.
عند قراءة المقدمة نرى التناقضات والتخبط في تحديد اللغة، فيقول: “كان بودنا وضع معجم جديد متطور للغة السريان من المشارقة وهم الكلدان، والمغاربة وهم السريان”.
ويقول أيضا: “فشكلنا لجنة من الضالعين باللغة السريانية برئاستنا، فوجدنا (دليل الراغبين في لغة الاراميين) والمقصود به قاموس منا. ويستطرد قولا: وبتاريخ 14 تموز من عام 1972 أصدرت لجنتنا كتابا عممته على اساتذة اللغة السريانية وعلمائها من شرقيين ومستشرقين أعلنت فيها عن عزمها على اعادة طبع قاموس منّأ مع ملحق جديد يكمل هذا السفر الجليل لياتي بداية مفيدة لطالبي اللغة السريانية ويساعد في دراسة كتب (اللغة والتراث السرياني الاصيل) ويقول: (وهو من المصادر الجليلة في اللغة السريانية).
نلاحظ تكرار ” اللغة السريانية” في الفقرة اعلاه ،بينما يعنون القاموس بتسمية اخرى كلداني- عربي، هل يُعقل ذلك ومنطقية؟!..
وأكثر تخبطا وغرابة للمُختارين، ما جاء أيضا في المقدمة “نظرا الى طبعه بالحرف الكلداني وباللهجة السريانية الشرقية (الكلدانية) اللهجة الاكثر أستعمالاَ في الكنيسة الكلدانية والكنيسة المشرقية الاشورية”. لاحظ ايها القارى الكريم يقولون ” الحرف الكلداني” والحرف هو ارامي ! ولهجة سريانية شرقية وغربية. ما هذا التخبط؟
صاحب القاموس لم يذكر اللغة السريانية ولا الكلدانية في مقدمة قاموسه بل “الارامية”. وناقض نفسه حين وضع العنوان نفسه باللغة الفرنسية على القاموس بهذه الصيغة “كلداني – عربي” فقامت اللجنة بوضع العنوان المذكوربحسب ما مذكور في مقدمة الناشر. يبدو أن المؤلف نفسه المطران يعقوب منّأ لا يعرف عن أية لغة يتحدث، والا لماذا يعنون كتابه باللغة الفرنسية بهذه التسمية، والعنوان هو “دليل الراغبين في لغة الاراميين”؟  فهو نفسه قد أخفق في التمييز بين الاراميين والكلدان أثناء تحليل أسباب وضعه لهذا القاموس. فيقول في وصفه اللغة الارامية:
“فضلا عن كونها لغة لهج بها اقدم الشعوب اصلا ونبلا وتداولها أعظم الممالك صولة وبأسا وتهذبا من الكلدان والاثوريين والسريان”. فهنا لم يميز بين اللغة والاصول الاثنية العرقية، علماً بحسب الكتب واللقى الاثرية القديمة بينت بوضوح أن الكلدان والاشوريين القدامى كانت لغتهم ” الاكدية ” والكتابة مسمارية ولم يكن لها أبجدية كالارامية وقد اختلفت عن الارامية كتابة ولفظا، واللغة الارامية دخلت الى مناطق تواجدهم في بلاد النهرين في منتصف القرن التاسع عشر قبل الميلاد .
أليس هذا التفسير غريبا ويدل على مدى أفتقار المطران “منّا” للمعلومات التاريخية والدراسات الانثروبولوجية والحضارية؟ فهو قد أعتمد بالدرجة الاولى على ما وُرد في العهد القديم من الكتاب المقدس الذي يحتوي أخطاء تاريخية وجغرافية وتسموية للشعوب والمناطق مقارنة لما وُرد في الدراسات التاريخية والحضارية، فكل ما جاء به واضع القاموس وما ذكره في مقدمته مُناقض لما جاء في الكتب الاخرى.

ويعتبر الاب “ألبير أبونا” من كُتاب رجال الدين المحدثين الاكثر تخبطا وتناقضا وتأثيرا على المفاهيم الاثنية والقومية والتسمية وتحديد اللغة، وهذه مقتطفات مختارة من بعض مقالاته ومؤلفاته وسنرى التناقض والتخبط الذي وُرد فيها.
لو تفحصنا هذه العبارات من كتابه المعنون “الاراميون في التاريخ” لنرى التناقض الواضح في تحليلاته عن أصل الاراميين والاثنيات الثلاث المعاصرة حيث يقول في مقدمة الكتاب: (ألا يكون هؤلاء الناس من أجدادنا الذين خلفوا لنا لغتهم الارامية؟) كيف برهن أنهم أجدادنا؟ هل بعبارته (وربما خلف لنا الاراميون الكثير من صفاتهم وعاداتهم وتقاليدهم أيضا، الا تكون هذه العناصر من مكونات القومية الحقيقية؟).
ويقول (ولنفهم الارامية ما تزال لغتهم خير شاهد لدى التاريخ الثقافي لا سيما في بلاد النهرين). أية لغة يقصد الاب ألبير؟ هل التي أنحسر تداولها في الكنائس ولم نفهم منها شيئا؟ فالعامية أو الاغلبية الساحقة من افراد الاثنيات المعاصرة لا يتقنون هذه اللغة تحدثا وكتابة ؟ ولا يعني من يُحدثها ارامي أثنياً وعرقياً.
وعبارة اخرى له (ومن يدري لعل الاشوريين والبابليين الذين أختفوا عن المسرح السياسي قد ذابوا بين الشعوب الجديدة التي استولت على بلاد بين النهرين أو لعلهم واصلوا استمرارهم عن طريق الشعوب الارامية متبنين عادات هذه الشعوب ولغاتهم عبر الاجيال).
وتتبين تناقضاته أيضا فيما لو تابعنا بعض من كتبه الاخرى، فمثلا يقول في أحدى هوامش كتاب “الرؤساء” لتوما المرجي الذي ترجمه الى العربية (والاب بولس بيجان الذي أعاد طبعة النص الكلداني وغيرها ممن كتبوا بالاداب السريانية. وجاء في سنة 1893م، قام العلامة المستشرق الانكليزي السير ي، أ بدج  بنشر نص الكتاب باللغة الكلدانية، وأيضا حتى أن المرء ليعجب من سعة أطلاع هذا العالم على دقائق اللغة الكلدانية).
بينما في مقالِ له بعنوان (تطور الفكر اللاهوتي في كنيسة المشرق) جاءت عبارة (كانت لغة التعبير عن الديانة المسيحية هي الارامية في معظم مناطق بين النهرين … الخ). وعنون أحد كتبه (آداب اللغة الارامية) فتارة يعتبر اللغة كلدانية وأخرى آرامية أو سريانية فليس هناك أستقرار على راي ثابت.
يُلاحظ أحتواء كتبه العديد من التناقضات، ومن ثم كثيرا ما أستخدم عبارات و مفردات تدل على عدم اليقين مثل ربما ولعل ومن يدري وغير معروف ونتخيل. مما يدل على أن الافكار التي جاء بها هي عبارة عن فرضيات ،حيث لا يمكن استخدام مثل هذه المفردات في الكتابات العلمية الموضوعية المنهجة. وقد أنعكست حالة الافتقار الى الدراسة الاختصاصية الممهدة للبحث العلمي بأتباع المنهجية المقررة في دراسة الحضارات انثروبولوجيا وتاريخيا، فقد كتب معتمدا على خبرته الشخصية.

وأما المطران “سرهد جمو” راعي أبرشية مار بطرس الكلدانية في غرب أمريكا –  ساندييكو والفخري لاحقاً .في بحث له ورد المقتبس الاتي:
مذكرات (ريكولدو دي مونتي كروجين) الذي كتبها سنة 1292، حيث وُردت عبارة (مع ذلك فان هؤلاء النساطرة الشرقيين هم جميعا كلدان وبالكلدانية يقرأون ويصلون ).

وفي الكتاب الموسوم “آشوريون أم كلدان” لمؤلفه الاسقف “عمانوئيل يوسف”، تكفي الاشارة الى هذه  العبارة( فأن مفهوم تسميات “السريان” و”اللغة السريانية” كانت تعني بالنسبة لموجدي التسميتين من اليونانيين القدماء “الاشوريون” و “اللغة الاشورية” حصرا) .

ويبدو جليا التشويه والتخبط في مؤلفات رجال الدين في العناوين المستخدمة لكتبهم وتسمية اللغة، وذلك كما وصفها الاب حبيب النوفلي (المطران لاحقا) في كتابه المعنون (معجم الكُتاب الكلدو آشوريين الصادر سنة 2003) ففي وصفه للغة الكتاب يضع لغة” آرامية ” وبين قوسين يضع (كلداني، سرياني، أشوري).
وفيما يأتي بعض الكتب المختارة من المعجم والعناوين وتسمية اللغة:

قواعد اللغة الكلدانية، مؤلفه جرجس عبديشوع الخياط الموصل 1869.
مؤلفات أقليمس يوسف الذي يذكر اللغة السريانية في كتبه، مثل، اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية على كلا مذهبي الشرقيين والغربيين، 1873.
مبادىء القراءة السريانية، الموصل، 1879.
نحو اللغة الكلدانية، أيرميا طيماثاوس مقدسي، الموصل 1889. ولنفس المؤلف كتاب بعنوان: قواعد اللغة الارامية، 1889 (أليست غريبة وعجيبة !!!) .
وأما يعقوب أوجين منا فله:
الاصول الجلية في نحو اللغة الارامية، الموصل 1896
المروج النزهية في اداب اللغة الارامية ج 2 سنة 1902
الاناشيد الروحية، اللغة سورث، داود كورا الموصل 1896
قاموس اللغة الكلدانية، توما أودو، الموصل1897، وله كتاب آخر بعنوان “كنز اللغة الارامية بجزاين، 1897.
وله مخطوطة أخرى بعنوان “قاموس اللغة الكلدانية – كنز اللغة السريانية” الموصل، 1907.
قواعد اللغة الارامية أو مفتاح اللغة الارامية، الفونس منكنا، الموصل 1905.(ومما هو جدير بالذكر أصبح أكاديمياً لامعاً.)
ذخيرة الاذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ج 1 بطرس نصري، الموصل  1905.
كتاب التعليم المسيحي باللغة الكلدانية (سورث) الموصل 1908.
اللغة الارامية، يوسف كوكي، الموصل 1924.
مقطتفات من حياة القديسة ترازيا (سورث) 1931.
قواعد سورث وفرنسي، 1937 الموصل.( غريبة سورث اربع مرات من ذلك الزمن)
مبادىء القراءة الكلدانية، فرنسيس حداد، الموصل 1939.
دروس في القراءة السريانية، نعمة الله دنو، الموصل 1939.
اللغة السريانية، ماضيها وحاضرها، غريغوريوس صليبا، الموصل، 1973.
القراءة السريانية، ستة أجزاء الاب البير أبونا1983.
تواريخ سريانية، يوسف حبي 1983.
قاموس عربي سرياني، الاب شليمون أيشو وعمانوئيل، دهوك 2000.
قواعد اللغة الارامية، للاب فيلبس أسحق، بغداد. 2002

ويذكر الاب حبيب النوفلي في كتابه المعنون (فهرست مخطوطات مكتبة بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت) في وصفه للغة المخطوطات: اللغة كلدانية، الحروف سريانية شرقية، وهذه بعض الامثلة:
مخطوطة العهد الجديد وأعمال الرسل ورسائل بولس:  يصف المحقق اللغة (كلدانية، الخط كلداني سرياني شرقي) الناسخ القس هرمز بن القس خوشابا سنة 1705.
مخطوطة: اسفار: الامثال والجامعة ونشيد الاناشيد والحكمة، للناسخ القس عبدالمسيح سنة 1825، ويقول المحقق في وصفه اللغة (كرشوني وكلدانية، حروف سريانية غربية) .
مخطوطة صلوات الساعة في مدار الاسبوع للناسخ الشماس حنا شمعون سنة 1953، ويصف اللغة (كلدانية، الخط سرياني شرقي) .

ويعنون المطران شليمون وردوني وبمشاركة الشماس حبيب هرمز كتاب بعنوان (فهارس المخطوطات السريانية والعربية في خزانة معهد شمعون الصفا الكهنوتي) ويذكر المحققان في وصف اللغة لكل المخطوطات: سرياني شرقي أو سرياني غربي وبعضها سورث). وهذا يختلف عن ما وصف به الاب حبيب النوفلي الكتب في كتابه (معجم الكُتاب الكلدو آشوريين) المار ذكره حيث يصف اللغة كلداني، سرياني، آشوري.

وفي مقال للاب بطرس حداد الموسوم (أرشيف البطريركية الكلدانية) جاء (أن السلف الصالح كان يعتز باللغة الكلدانية، فالمراسلات بين البطريكية والاكيليروس كانت تتم بهذه اللغة الشريفة، وتراجعت تدريجيا في عهد البطريرك عمانوئيل). وأما في مقدمة مقالته المنشورة في مجلة نجم المشرق عدد 3/4 أستخدم عبارة (بمناسبة احتفال الطائفة الكلدانية) وفي المقال نفسه كتب (السجل مكتوب بالكلدانية). وله مقال معنون أيضا (الكتابات السريانية في ديارات المشارقة). وله بالاشتراك مع الاب جاك أسحاق الكتاب الموسوم (المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد). يُلاحظ أزمة المفاهيم لدى الاب حداد، فيؤكد أن اللغة هي الكلدانية، أي هناك شعب يتكلمها وهو الكلدان، بينما يسمي هذا الشعب بمناسبة أخرى طائفة، ويغير اللغة الى السريانية وهكذا.

يقول القس ” منسى يوحنا ” القبطي في كتابه الموسوم ” النور الباهر في الدليل الى الكتاب المقدس”:(أما قبولنا أن العهد القديم،كتب بالعبرانية ،فهو لاينبغي وجود بعض فصول من بعض اسفاره كُتب باللغة الكلدانية وهي لغة شبيهة بالعبرية.)
ويستطرد قولا:( عزرا لم يكن يجهل العبرية ،أنما بمكوث كل تلك المدة الطويلة بين الكلدانيين أمتزجت لغته بلغة الكلدان ،ولهذا تجده يكتب سفره بعضه بالكلدانية وبعض بالعبرانية) .
وجاءت عبارة اخرى في كتابه( قال بعضهم أن الكلدانيين أظهروا الشفقة لنبي دانيال ،لذلك كافأهم الله بأن جعل لغتهم تحوز الشرف بها جزء من الكتاب المقدس).
بينما يقول في فصل آخر( ان اللغة الارامية التي كانت مستعملة في فلسطين في عصر المخلص هي الارامية او السريانية ويسميها بعضهم الكلدانية لان اليهود تعلموها عندما سُبيوا الى بابل وظلوا يستعملونها بعد رجوعهم من السبي). ما عرفنا هي ارامية ام كلدانية؟

ومن الامور المدهشة قيام بعضهم بوضع عناوين لكتبهم تخص نتاجات من سبقوهم وينعتوهم بالسريان أو اراميين أو اشوريين حتى لو كانوا اشوريين او كلدان  او سريان او عرب أو فرس أو ترك او هنود، لان تلك النتاجات هي باللغة السريانية. وأدرج مثالان واضحان، كتاب الاب لويس ساكو” البطريرك لاحقاً” المعنون ” آباؤنا السريان”. وكتاب ” اداب اللغة الارامية”  للاب ” البير أبونا”حيث يذكر ادباء كتبوا بالارامية كأنما هم اراميون. وهناك العديد من الكتب التي الفها غيرهم ويتحدثون عن من كتب بالارامية انه ارامي أو سرياني أو آشوري الاثنية.
نعم انها لغة ارامية وثم سميت سريانية التي أستخدمت في الكنيسة وعُممت على كنائس المشرق برمتها، فأصبحت لغة الطقوس، فكتب الروحانيون بها، ولكن من المعلوم تاريخياً، ان اتباع هذه الكنائس من اثنيات مختلفة، وهذا لا يعني جميع من كتب بالسريانية هم سريان، قد يكونوا كلدانا اواشوريين او فرسا أو عربا أو سريانا. والصح أن يكون مثل هكذا عناوين بهذه الصيغة” اباؤنا الذين كتبوا كتاباتهم بالسريانية ” أو مثلاً “نتاجات كُتاب الكلدان أو السريان او الاشوريين الذين كتبوا بالعربية في القرن العشرين” لتصبح اكثر موضوعية.
فهل مثلا بطاركة الكنيسة الشرقية الذين كانوا من اصول فارسية مثل، شمعون برصباعي، وشاهدوست، وبربعشمين من السوس عاصمة الفرس، وأبا المجوسي الاصل، وسبريشوع من فيروز آباد ، ويبهالا الثالث المغولي ،واليشوعياب الارزني عربي الاصل ،وغيرهم الاف الكهنة والاساقفة على مر العصور،هل هؤلاء كانوا سرياناً؟ لانهم كتبوا نتاجاتهم الدينية بالسريانية؟ بالطبع كلا.
وهذه الحالة تنطبق على كتابنا المعاصرين سواء من الروحانيين او العلمانيين من الاثنيات الثلاث الذين يكتبون بالعربية ومنهم بالكوردية أوالتركية والفارسية والانكليزية وبلغات مختلفة. وهذا لا يعني هم عربا او كورد او فرنسيون او انكليز أو ترك.
عليه، لابد من التمييز بين اللغة التي يتقنها الكاتب ويكتب بها وانتمائه الاثني. وكلنا الذين نكتب هنا نكتب بالعربية التي أصبحت لغتنا في الكتابة بحكم الظرف باستثناء ” الاخ قشو ابراهيم” فهل يعني الوحيد هو سرياني وكلنا عرب لاننا نكتب بالعربية؟ علماً لا أحد بامكانه أن يجرده من انتمائه الاشوري. وهذه أيضاً تنطبق على أجيالنا الحالية والقادمة من كل الاثنيات التي تكتب وستكتب بلغات البلدان التي ولدوا فيها وتعلموا لغتها. وهذا لا يعني ان اصولهم هي كأصحاب تلك اللغات.

أ ليس تخبطا وأرباكا ونقصا في المعرفة لاسس العلوم الاجتماعية واللغوية عنما تظهر عندهم هذه المفاهيم وأحيانا عند الكاتب الواحد؟ ألا تُثير الدهشة والاستغراب والحيرة لدى العامة من الاثنيات الثلاث؟:
الكلدان، الاشوريين، السريان، الاراميين، اللغة الكلدانية، اللغة الاشورية، اللغة السريانية، لغة السورث، اللغة الارامية، الكلدانية النسطورية، الشعب الاشوري بكنائسه الكلدانية والسريانية، السريان هم الكلدان والاشوريين والسريان بجميع كنائسهم، السريان هم العرب ، الكلدو اثوريين، الاداب السريانية، الاداب الارامية، الناطقين بالسريانية، الطائفة الكلدانية. الحرف الكلداني، الحرف السرياني، الحرف الاشوري واخرى غيرها.
فالكتبة الروحانيون لهم دور كبير في تشويه الموضوع .وذلك لانهم غير مختصين باللغة وأصولها، نعم هم اهل للكتابة عن الطقوس واللاهوت وتاريخ الكنيسة ،وهذا لا يجعل بامكانهم تقرير تسمية اللغة لمجرد اتقانهم لها، ونحن نستعين بأفكارهم المتناقضة لانها مقدسة لاتقبل النقاش، فهذا وهم وهراء. فمن كتب منهم من الجيل الاول، كتبوا وفق اجتهادهم وخبراتهم الشخصية دون الالمام باسس العلوم ذات العلاقة باللغة. واما الجيل المعاصر والذين كتبوا من أصحاب الشهادات العليا أو دونها ،لا أظن ان دراستهم اهلتهم للكتابة عن اللغة والاثنية وانما جل تركيز المعاهد الفاتيكانية أو الدينية الاخرى التي تخرجوا منها هو اللاهوت وتاريخ الكنيسة وافكار الروحانيين فيها،علماً أن اعدادهم ضعيف في البحث العلمي ومناهجه، بدليل ضعف المنهجية والرصانة فيما يطرحونه.
في رايي أضافة لهذه المشكلة هناك مسألة اخرى ترتبط باللغة الارامية المستخدمة في الكنائس، لا أحد ينكر انها ارامية كتابة ولفظاً وثم سُميت سريانية وهاتين التسميتين تستخدمها الجامعات والابحاث الرصينة، ولكن ماذا عن التي تتحدث بها الاثنيات الثلاث وأخص بالذكر في العراق؟ وهذه الاشكالية ساتناولها في مقال قادم وفق اسس علم اجتماع اللغة وعلم اللغة الاجتماعي وتطبيقاتها على لغتنا لتكتمل الفكرة.

 د. عبدالله مرقس رابي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *