آثور تسمية جغرافية مناطقية -2-

“خاهه عمّا كلذايا”

لو كان التاريخ قد حفظ كل شاردة وواردة، ولو كان التأريخ نفسه محفوظاً ومُصاناً من كل تخريب أو تدمير أو تحطيم، ولنفرض ذلك جدلاً، ولو أجرينا مقارنة بسيطة في تسلسل الأنساب، فنأخذ كلداني لنسلسله إلى نَسَبه الأول، فالمنطق يقول بأننا نتمكن من إرجاع أي كلداني حقيقي إلى جدّه الأول كلدو والذي يعني أنه كان رئيس القبيلة أو شيخها أو الأب الأكبر لهذه القبيلة ومنها تفرعت الأنساب إلى ما هي عليه الآن، ومن الناحية الثانية لو أخذنا أي شخص يدعي بأنه آشوري ونحاول أن نعيد نسبه إلى آشور فيكون ذلك ضرباً من الخيال، أو من المستحيلات، لأن آشور لم يكن إنساناً ينتسب إليه أي قوم، بل هو صنم كبير أستمد الآشوريون أسمهم أو نسبهم من عبادة الصنم آشور، فيكون أن آشور لا ينتسب إليه أحد لأنه ليس له ولد، ولكن الآشوريين هم مجموعة قبائل كونت شعباً أستمد تسميته من الصنم آشور، فلو قلنا لأي من يدعي بأنه آشوري أو آثوري كيف تنتسب إلى آشور، فسوف يجيبك بتسلسل نسبه وحينذاك يكون أما تيارياً وأعتقد أنها منطقة أيضاً ولم تكن أسم لرب أسرة أو عشيرة، أو بازيّاً، ولربما جاءت التسمية من أسم جدّهم الأول باز، أو أنها منطقة سكن أستمدوا أسمهم من أسمها، أو أورمياً (أورمجنايي من منطقة أورمي) أو من آل جيلو (جلوايي) وتعود أصول هذه القبائل جميعاً إلى الكلدانية، وقد أنقرضت منطقة آثور وتقسمت لتحل محلها تسميات جديدة مثل أربيل والشرقاط وغيرها، ونسأل أنفسنا هذا السؤال، اين تقع حدياب اليوم؟ واين تقع قطيسفون؟ وأين تقع آشور؟ وهل يستطيع أحداً أن يقول أين تقع أربيرا اليوم؟ وهل تسري في أيامنا هذه تسمية بلاد جوج وماجوج؟ أو بيزنطة أو القسطنطينية؟ وهل تعرف أخي القارئ منطقة بيت كرماي ماذا تسمى الآن؟ إنها كركوك الحالية، وأما مقاطعة طيرهان فهي تقع ما بين تكريت وسامراء.

لقد أجمع المؤرخون على أن لفظة (آثور) تدل على موقع جغرافي، ولا تدل على قبيلة أو عشيرة مطلقاً، ولكن على مكان ما، كان ذات أهمية في سالف العصر، أما في وقتنا الراهن فلا وجود لذلك الأثر، حالَهُ حال بقية الأقاليم المندثرة.

يقول المؤرخ الأب د. جي. سي ساندرس في كتابه (المسيحيون الآشوريون- الكلدان) في ص 22 السطر 8 الإقليم الفرثي/ في عام 1186ق . م أخضع الجيش الروماني الإقليم الفرثي الواقع شرقي نهر دجلة… كان هذا الإقليم يُعرف بإسمه الشهير (بلاد آشور) وكانت حدوده محصورة بين الزابين الزاب الكبير (الأعلى) شمالاً والزاب الصغير (ألأسفل) جنوباً.

أما المؤرخ الروماني تاسيتوس المتوفي عام 117 ق. م فإنه يصف الإقليم بأنه ذو طرق وعرة.

وفي ص 23 يقول الأب ساندرس:ـ “لكون مدينة أربيل محاطة بثلاثة أنهر لذا كان الدفاع عنها أكثر سهولة من مدينة آشور الواقعة على الجانب الغربي من نهر دجلة… كما أن بلاد آشور أحتفظت بأهميتها الزراعية… بذلت اليهودية ومن بعدها المسيحية في بلاد آشور جهوداً كبيرة لترسيخ جذورها في ربوع مدن آشور ونينوى وأربيل”.

نقطة مهمة جداً يذكرها المؤرخ الأب جان فييه في كتابه (آشور المسيحية) في صفحة 255 عن أصل سكنة آشور وهم الكلدان، حيث يقول في الحاشية رقم 4 ننقلها نصاً:ـ

“البطريرك إيليا الثامن سبق أن ثبت منطقة بيث جرماي” التي ضمنها يقع دير حزقيال ودير طهمازكرد في بلاد بابل، راجع كتاب الأنبا شموئيل جميل بعنوان “العلاقات الكنسية الرسمية بين الكرسي الرسولي والآشوريين المشارقة أي الكلدان ” منشورات روما لعام 1902 الصفحة 108.

الآشوريين المشارقة الذين هم الكلدان جنساً، إشارة واضحة جداً إلى أن الكلدان سكنوا آشور وكانوا كلدان آشوريين واليوم تلك المناطق هي جزء من العراق لذلك أصبحت تسميتهم الكلدان العراقيين، حيث أن آشور أنمحت من الخارطة وأصبحت المنطقة التي يسكنها الكلدان تسمى العراق، لذا فهم اليوم وطناً عراقيين وجنساً كلدانيين، وإستناداً إلى هذا القول نقول، لا يوجد من ينتسب جنساً إلى الآشوريين، بل وطناً فقط، وبما أن الوطن آشور لم يعد له وجود لذا يجب أن يعود هؤلاء القوم إلى أصلهم الحقيقي وهم كلدان جنساً.

ومن يقول بأن المؤرخين لا يميزون بين الهوية القومية والدين والمذهب، اقول له أنت مخطئ فها هو المؤرخ المطران أدي شير في كتابه (كلدو وآثور) في المقدمة يذكر (إن سكان الجزيرة وآثور والعراق على إختلاف مذاهبهم هم كلدان آثوريون جنساً ووطناً)

أي بمعنى أنهم كلدان جنساً اي هويتهم القومية هي الكلدانية، وآثوريون وطناً أي أنهم يسكنون منطقة أسمها آثور. ثم يستمر بالقول ليصف نسب أبو الحسن ثابت حيث يقول “وكان أبو الحسن ثابت حارانياً ولادةً وكلدانياً جنساً ووثنياً مذهباً”.

كتاب (آشور المسيحية) تأليف الأب جان فييه الدومنيكي/ ترجمة نافع توسا/ الجزء الأول 2011 يتحدث عن ذلك بصراحة ووضوح، وذكر بأن آثور معناها الحقيقي منطقة جغرافية سكنتها أقوام وعشائر مختلفة، وشعبها مكون من مجاميع مختلفة الإنتسابات.

تحت عنوان تأسيس الأديرة ومؤسسوها يقول في الصفحة 19 الأسطر 10 و11 يقول “في حوزتنا قائمة رسمية تحوي أسماء أكبر الآباء بين الرهبان الذين أسسوا الأديرة وهم (بر قُسري، وإيليا وميخائيل وكبرئيل من منطقة آثور)”.

وتحت عنوان “أديرة النساء” في صفحة 21 “يوجد في بلاد آثور والبلدان المجاورة لها أديرة شيدت خارج القرى” وهذا كلام واضح وصحيح ويؤكد ما ذهبنا إليه بشأن تسمية آثور.

وفي ص 39 يقول “لقد حاول مفسروا الكتاب المقدس من السريان الذين أتوا بعد مار أفرام أن يثبتوا كون مدينة رحبوت – عير المذكورة في سفر التكوين 11:10 هي إحدى المدن التي بناها نمرود أبن كوش أبن سام في آشور”. ويقول في صفحة 54 بأن حدياب كانت العاصمة الثالثة لآشور.

فلو كانت آشور قبيلة أو عشيرة أو قومية، كيف يكون لها عاصمة؟ وهل يُعقل بأن هذا المؤرخ قد أخطأ عدة مرات في أعتبار آشور مدينة وبلاد ولم يذكرها مرة واحدة من حيث المعنى قبيلة أو عشيرة، وفي صفحة 62 تحت عنوان “يقظة أربيل” يقول (تظهر كل من أربيل وآثور كحاضرتين منفصلتين عن بعضهما”. وفي ص 63 يقول (حمل يوسف لقب “ميترابوليت آثور والموصل…”

بالمناسبة فإن الأب جان فييه يقول عن حدياب بأن الأسم هو لمنطقة تشمل النواحي الأمامية والغربية من مملكة الفرثيين، اي المناطق التي كانت تعرف في السابق ب (آشور) . ص 264

في ص 44 الميترابوليتيون خلال العصور الساسانية يقول “كان لكرسي أربيل أو حدياب أو بمعناه الأوسع آشور” وفي ص 45 يقول “بعد إضافات مخطوطة كرمليس الخاصة ب 59 ميترابوليتا جلسوا على كرسي آشور.”

وفي ص 129 أراضي حزّا العليا يستشهد بملفات مديرية الآثار العراقية في بغداد عن قرى لم يتم تثبيتها مثل… قرية خربات كيليسا وتل كيليسا وقلعة سوريش التي تعود بذاكرتنا وبصورة غير مباشرة إلى حاكم حدياب وآثور… ” راجع BK.11p.287 – 375

وفي صفحة 158 (6 – مار قرداغ مرة ثانية) في نهاية الصفحة يقول “إن كل الشباب الأمراء الفرسان الشجعان من أمثال بهنام من آثور وكفراشاسب الحديابي وأباي من قوليت”. سؤال يقفز إلى الذهن، هل كان مار بهنام آثورياً (كهوية قومية؟) وكفراشاسب حديابياً؟ هل سمعتم بقومية حديابية؟ أم أنه آثورياً وطناً أي من آثور كما أن زميله حديابياً وطناً أي أنه من حدياب؟ أيهما الأقرب للمنطق وللتصديق؟

في صفحة 260 الحاشية رقم 72 يقول “عند الرجوع إلى كتاب Caverne des tresors أي مغارة الكنوز ترجمه إلى الإنگليزية “بدج” صدر في لندن عام 1927 الصفحة 153 سنلحظ عدم ذكر مدن آشور بين المدن التي أسسها نمرود.”

وفي ص 261 الحاشية رقم 78 يقول “وفقاً لما جاء في النص أن (أجاي) حائك الأقمشة الحريرية كان أحد تلاميذ أدي هو الذي حقق تنصير بلاد فارس وآشور، ثم واصل حمل رسالة التبشير حتى الوصول إلى بلاد جوج وماجوج.”

الصفحة 264 الحاشية رقم 108 يقول فيها:ـ “في كتاب (Liber Patrum) القرن الرابع عشر نشره VOSTER عام 1940 في الصفحة 24 نلاحظ أنه يعطي لأربيل الموقع الرابع غير أنه بعد قليل نراه يغير التنظيم فيعطي الموقع الرابع لـ “آشور” قائمة أسماء معاوني المطارين/الأساقفة/منظمة بصيغة تشبه تقريباً الصيغة المذكورة في تاريخ أربيل.”

في الحاشية 109 “في زمانTHEODORET القبرصي ووفقاً لما سجله (راجعHist . Eccl. P.G.LXXXII.col 1306) نقرأ “أن الأسم حدياب هو أسم لمنطقة تشمل النواحي الأمامية الغربية من مملكة الفرثيين أي المناطق التي كانت تُعرف في السابق ب ” آشور”.

تبين الصح من الخطأ، يقول المناطق التي كانت تُعرف سابقاً بـ آشور، وهذا ما نريد التأكيد عليه، أن آشور منطقة وليست قومية أو عشيرة يمكن للفرد أن ينتسب إليها، آشور سابقاً اصبحت حدياب واليوم هي جزء من العراق وليس العراق كله، إذن سكنة آشور أي الآشوريين بعد سقوط آشور أصبحوا حديابيين نسبة إلى حدياب، واليوم هم عراقيين نسبة إلى العراق وطناً وليس قوميةً، لأنه لا توجد قومية عراقية، بل يوجد شعب عراقي متكون من عدة قوميات تدين بأديان مختلفة وتتخذ لها مذاهب متعددة.

في الحاشية 268 “في بداية القرن الرابع عشر أرتبطت قائمة الميترابوليتيين النساطرة بالتي نظمها عوديشوع النصيبيني بحسب راي شابو، ولكن بحسب ما جاء في القائمة أن يكون المترابوليت الرابع هو مترابوليت أربيل، حزا آشور والموصل،… القائمة التي تنهي العمل المتتابع لما دونه عمرو بن متى راجع ما كتبه باللغة العربية عن أعماله في الصفحة 126 يظهر أنها أدق صحة في ما يخص الموصل وآثور التي وضعت في الموقع الرابع ثم تليها أربيل وأخيراً حزا”. الموصل وآثور، إذن آثور ليست الموصل، فهما منطقتان مختلفتان، ولكل منهما حدوده ومسؤوليه الدينيين والدنيويين، لذا يجب أن نميز بين الإثنين، آثور كانت على أطراف أربيل، و للمؤرخ V. PLACE كتاباً بعنوان نينوى وآشور وهو بجزئين، أي أن نينوى ليست آشور كما أن الموصل ليست آشور لذا يجب التمييز بينهما.

هذا غيض من فيض يدل على أن آشور تسمية جغرافية مناطقية وبشهادة مؤرخين مرموقين عسى أن يستفيد منها إخوتنا، وعسى أن تكون هذه الدروس عبرة للعودة إلى الأصول والجذور.

نزار ملاخا

28/11/2013

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *